EFHOPQRSTUVWXYZ
1
length747suspicious-document0354segmentفليس بالضروري أن يكون وجه القصيدة هو عينه وجه الحقيقة. أعني أن سرد الذات في علاقتها الحية والعملية بحياتها, قد يختلف عن سرد القصيدة, وقليلاً ما تكون القصيدة وصفاً شعرياً للحياة, فالقصيدة ما هي إلا وصف شعري لذاتها, وهنا مسألة لا بد من التوقف عندها بشيء من التفصيل. إنه من الثابت أن تفاصيل الحياة ووقائعها إنما تحصل في أطر تاريخية واجتماعية محددة من الزمان والمكان لكن القصيدة تأتي بخلاف ذلك في الأغلب, ففي وجه موضوعية الحياة في (السيرة), تنهض العوامل الإيحائية في القصيدة, ولعله في القصيدة (بخلاف التاريخ) غالباً ما تخون النتائج أسبابها. ففي أشدّ حالات الصفاء الطبيعي والاجتماعي (حالات السلم الاجتماعي في لبنان ماقبل 1974) كانت النفس مضطربة وكتبت تفاصيل حرب مقبلة وكأنها ماضية, وفي أشد حالات الحرب اشتعالاً وأزمات, كتبت قصائد الجد واللطف والتصوف...فليس بالضرورة أن يكون وجه القصيدة هو ذاته صورة الواقع. أعني أن سرد النفس في علاقتها الحيوية والفعالة بحياتها، قد يخْتلف عن سرد القصيدة، وقليلاً ما يشكل الشعر وصفا شعرياً للحياة، فالأشعار ما هي إلا صورة شعرية لذاتها، وهنا قضية لا بد من الوقوف عندها بشيء من التفصيل. إنه من الأكيد أن تفاصيل الحياة وأحداثها إنما تحدث في إطارات تاريخية واجتماعية محددة من الزمن والمكان لكن الشعر يأتي بعكس ذلك في الغالب، ففي صورة حيادية الحياة في (السيرة)، تنهض الجوانب الإيحائية في الشعر، وربما في الشعر (بخلاف التاريخ) عادة ما تخون النتيجة أسبابها. ففي أقوى حالات النقاء الطبيعي والاجتماعي (حالات السلم المجتمعي في الجمهورية اللبنانية ماقبل 1974) كانت الذات قلقة ودونت تفاصيل حرب قادمة وكأنها ماضية، وفي أقوى حالات الصراع اشتعالاً وأزمات، دونت أشعار الهمة والرفق والتصوف...
2
length225suspicious-document0354segmentوعندما يئس من ذهابي إليه جاء هو إلى منزلي، وتعودنا السهر إلى الصباح، تطرز ليالينا مناقشات رائعة حول كل شيء، وقصائد أمل دنقل التي سرعان ما لحقت بها قصائد أحمد حجازي الذي أتى في زيارة إلى القاهرة من منفاه الباريسي في ذلك الوقت.ولما قنط من ذهابي إليه أتى هو إلى بيتي، واعتدنا السهر إلى الصبح، تزخرف ليالينا نقاشات جميلة حول كل أمر، وأشعار أمل دنقل التي سرعان ما تبعتها أشعار أحمد حجازي الذي جاء في جولة تفقدية إلى القاهرة من منفاه الباريسي في تلك الفترة.
3
length739suspicious-document0354segment
ففي الوقت الذي كان الصهاينة يخففون الحصار عن عرفات، بعد ترحيل وتسليم واعتقالات ومجازر هزّت العالم، في تلك الليلة، وبعد الساعة الثالثة صباحا، كان صاحب البرغوثي يجتمعون حوله، ويتحدث إليهم ويوصيهم بدفنه أشار أشجار اللوز، حيث أرسل العام 1954، في قريته (كوبر) (قضاء أراد الله)، لكنه ظل يناقش المخرج فرانسوا أبوي سالم في موضوع مسرحية (لا. لم يمت)، التي كتبها برغوثي ليخرجها أبوي سالم. ثم فجأة، ابتسم ابتسامة محايدة، كما يقول أحد الحضور، وساد صمت غريب. صمت تلاه عويل زوجته وابنه الوحيد (آثر) (أربع أعوام). عن اللحظات الأخيرة معا برغوثي، أوفى افتتاحية العدد الأخير من فصلية (الشعراء) التي أسبقية من بيت الشعر الفلسطيني (وكان حسين برغوثي أحد مؤسسي هذا (البيت)) كتب الشاعر غسان زقطان: (قبل يومين من رحيله جلسنا طويلاً، فرانسوا أبوسالم ومراد السوداني وأنا..
ففي الحين الذي كان الصهاينة يقلصون الحصار عن عرفات، بعد تهجير وتسليم واعْتقالات ومَجازر خضت العالم، في تلك الليلة، وبعد الساعة الثالثة صبحا، كان أصحاب البرغوثي يجتمعون حوله، ويتكلم إليهم ويوصيهم بدفنه بين أشجار اللوز، حيث بعث سنة 1954، في قريته (كوبر) (قضاء رام الله)، لكنه ظل يحاور المخرج فرانسوا أبو سالم في موضوع مسرحية (لا. لم يمت)، التي ألفها برغوثي ليخرجها أبو سالم. ثم بغتة، تبسم بسمة محايدة، كما يقول أحد الحاضرين، وعم سكون غريب. سكون تبعه بكاء زوجته وولده الوحيد (آثر) (أربع أعوام). عن الدقائق الأخيرة مع برغوثي، وفي افتتاحية العدد الختامي من فصلية (الشعراء) التي تصدر من دار الشعر الفلسطينية (وكان حسين برغوثي أحد منشئي هذه (الدار)) كتب الشاعر غسان زقطان: (قبل يومين من وفاته قعدنا طَويلاً، فرانسوا أبوسالم ومراد السوداني وأنا..
4
length1668suspicious-document0355segment
كان للأديب والفنان الفرنسي الشهير (أوجين فرومنتان) 1820 - 1876 دور بارز في حركة الفن الاستشراقي - في أوج مجدها - في منتصف القرن التاسع عشر. تميز فرومنتان بنظرة جمالية جمعت بين الرومانسية والفكر الواقعي.. كان جذابا (مفرط الحساسية) شديد التأثر والانفعال، وقد وصفته الكاتبة الفرنسية الشهيرة (جورج صاند) المعاصرة له، بقولها: (إن تكوينه غاية في الرقة) ووجهه يأسر الناظر إليه بكل ما يعكسه من تعبير، وحديثه مثل لوحاته وكتاباته: متألق، حيوي، خصب، بحيث يمكنني أن أنصت إليه طوال حياتي!.. إنه ينعم بتقدير يستحقه، فقد كانت حياته كروحه نموذجا للرقة والذوق الرفيع والتميز). تأثر فرومنتان بالمناخ الثقافي والفني الذي كان يسود باريس في ذلك العصر، وتغيرت معالم شخصيته تماماً، عندما أدرك عدم جدوى تعليمه، وقد أنهى دراسة الحقوق بجامعة باريس عام 1843، فبدأ يعيد تكوينه الثقافي من جديد، بحضور محاضرات أعلام الفكر: أوجار كينيه، ميشليه، سانت بوف وغيرهم، وبدأ الدراسة الأكاديمية لفن التصوير في أتيليه الفنان (ريمون).. ثم في متحف الفنان (لويس كابيه) وتوطدت صداقته بالفنان المستشرق (شارل لابيه). كان فرومنتان دائم الإشادة بعالم الشرق، وبعظمة شعوبه التي استطاعت الحفاظ على جمال الحياة والعادات والتقاليد الموروثة، وتميزت إبداعات هذا الفنان برهافة الحس، والمعرفة الدقيقة للعنصر الإنساني وللطبيعة ومتغيراتها، وملاحظة أثر المناخ على السلوك ونمط الحياة خاصة في الصحراء، وقد سعى إلى تخليد مناظر الطبيعة الجزائرية، كما خلد ماريلا الطبيعية المصرية..! دومينيك..! بالرغم من أن (دومينيك) هي الرواية الوحيدة لفرومنتان، فإنها تبوأت مكانة خاصة في الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر، وعدها النقاد أحد معالم الرواية الرومانسية، فهي تعتمد على تحليل النفس البشرية وما يختلج بداخلها من مشاعر وانفعالات، وقد عبر فيها فرومنتان عن تجربته العاطفية التي عاشها وهو في الثانية عشرة من عمره، في إطار من التسامي والمثالية.
كان للكاتب والفنان الفرنسي المشهور (أوجين فرومنتان) 1820 - 1876 دور واضح في حركة الفن الاِستشراقي - في قمة مجدها - في منتصف القرن 19. تميز فرومنتان برؤية جمالية دمجت بين الرومانسية والفكر الواقعي.. كان رائعا (كثير الحساسية) كثير التأثر والانفعال, وقد نعتته الأديبة الفرنسية البارزة (جورج صاند) المعاصرة له, بقولها: (إن تكوينه غاية في اللطف) ووجهه يجذب الناظر إليه بكل ما يعكسه من تعابير، وكلامه مثل لوحاته وكتاباته: براق، نشيط، خصب، بحيث يمكنني أن أستمع إليه طول عمري!.. إنه يتمتع بتقدير يستأهله، فقد كانت حياته كروحه مثالا للمودة واللباقة الرفيعة والتميز). إتبع فرومنتان الجو الفكري والفني الذي كان ينتشر في باريس في ذلك الوقت، وتبدلت ملامح شخصيته تماماً، لما أيقن عدم نفع دراسته، وقد أنهى دراسة القانون بجامعة باريس عام 1843، فشرع يعيد تركيبه الثقافي من جديد، بحضور دروس أعيان الفكر: أوجار كينيه، ميشليه، سانت بوف وغيرهم، وبدأ التعليم الأكاديمي لفن التصوير في ورشة الفنان (ريمون).. ثم في متحف الفنان (لويس كابيه) وتوثقت صداقته بالفنان المُستشرق (شارل لابيه). كان فرومنتان دائم الثناء على عالم الشرق، وعلى رفعة شعوبه التي تمكنت من الحفاظ على جمَال الحياة والعادَات والتقاليد الأصيلة، وتميزت إبداعات هذا الفنان برقة الحس، والمعرفة الدقيقة للفرد الإنساني وللطبيعة ومتغيراتها، وملاحظة أثر المناخ على التصرف وأسلوب الحياة خاصة في الصحراء، وقد عمل إلى تخليد مشاهد الطبيعة الجزائرية، كما خلد ماريلا الطبيعية المصرية..! دومينيك..! بالرغم من أن (دومينيك) هي الرواية الوحيدة لفرومنتان، فإنها إحتلت مكانة خاصة في الأدب الفرنسي في القرن الـ 19، واعتبرها النقاد أحد مَعالمِ الرواية الرومانسية، فهي تستند على تفسير الذات البشرية وما يتحرك بداخلها من مشاعر وانفعالات، وقد صرح فيها فرومنتان عن تجربته العاطفية التي عاشها وهو في الثانية عشرة من عمره، في إطار من التسامي والكمال.
5
length352suspicious-document0355segment
ففي سينماتك (الوهم العظيم)، وحانة (القمر الأزرق)، ومقهى (المخرج الأخير)، سيبدأ إجتماع (المؤلف) بـ (أبطاله)، الوهميين والحقيقيين (سوزان، دون، جوني، وسواهم من شخوص الحاضر والماضي)، حيث جذبته اسم الأمكنة، وخصوصا (القمر الأزرق)، وبتحديد أكثر جذبه اللون الأزرق، فهو يعتقد بما أعفى من الخدمة عن هذا اللون إنه (مضاد للهياج الجنسي - كنت ثوراً جنسياً - وقيل مهدئ للأعصاب..
ففي سينماتك (الوهم الكبير)، وحانة (القمر الأزرَق)، ومَقهى (المنفذ الأخير)، سينطلق إجتماع (الكاتب) بـ (أبطاله)، الخياليين والحقيقيين (سُوزان، دون، جوني، وغيرهم من أشخاص الحاضر والماضي)، حيث سحبته أسماء الأماكن، وخاصة (القمرُ الأزرق)، وبتعيين أكثر شده اللون الأزرق، فهو يظن بما أعفى من الخدمة عن هذا اللون إنه (مانع للثوران الجنسي - كنت ثوراً جنسياً - وقيل مسكن للأعصاب..
6
length1358suspicious-document0355segment
الزيات أديبًا يعد الزيات صاحب مدرسة في الكتابة، وأحد أربعة عُرف كل منهم بأسلوبه المتميز وطريقته الخاصة في الصياغة والتعبير، والثلاثة الآخرون هم: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، والعقاد، ويوازن أحد الباحثين بينه وبين العقاد وطه حسين، فيقول: "والزيات أقوى الثلاثة أسلوبًا، وأوضحهم بيانًا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظًا، يُعْنى بالكلمة المهندسة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كتاب عصرنا". وعالج الزيات في أدبه كثيرًا من الموضوعات السياسية والاجتماعية، فهاجم الإقطاع في مصر، ونقد الحكام والوزراء، وربط بين الدين والتضامن الاجتماعي، وحارب المجالس الوطنية المزيّفة، وقاوم المحتل، وعبّأ الشعب لمقاومته، ورسم سبل الخلاص منه.. يقول الزيات: "إن اللغة التي يفهمها طغام الاستعمار جعل الله حروفها من حديد، وكلماتها من نار، فدعوا الشعب يا أولياء أمره يعبّر للعدو عن غضبه بهذه اللغة، وإياكم أن تقيموا السدود في وجه السيل، أو تضعوا القيود في رِجل الأسد، أو تلقوا الماء في فم البركان، فإن غضب الشعوب كغضب الطبيعة، إذا هاج لا يُقْدَع، وإذا وقع لا يُدْفَع، لقد حَمَلنا حتى فدحنا الحمل، وصبرنا حتى مللنا الصبر، والصبر في بعض الأحيان عبادة كصبر أيوب، ولكنه في بعضها الآخر بلادة كصبر الحمار". وقد أخرج الزيات للمكتبة العربية عددًا من الكتب، أقدمها: كتابه "تاريخ الأدب العربي"، وصدر سنة (1335 هـ= 1916م)، ثم أصدر "في أصول الأدب" سنة (1352هـ= 1934م)، و"دفاع عن البلاعة" سنة (1364 هـ= 1945م) وهو كتاب في النقد الأسلوبي، قصره الزيات على بيان السمات المثلى للأسلوب العربي.
7
length264suspicious-document0355segment
وقد يكون القسم الثاني من الكتاب أكثر أهمية من القسم الأول سيّما في تحديدي لمعضلات الثقافة العربية وهي: معضلة الحرية، ومعضلة العقل العربي، ومعضلة تصنيف المثقفين. غير أن معظم الذين كتبوا عن هذا الكتاب اكتفوا بتلخيصه دون مناقشة الأفكار التي أثارها أو بعضها على الأقل.
و ربما يكون الجزء الثاني من الكتاب أكبر أهمية من الجزء الأول خصوصا في تحديدي لمشاكل الثقافة العربية وهي: مشكلة الحرية، و مشكلة العقل العربي، ومشكلة ترتيب المثقفين. لكن أغلبية الذين كتبوا عن هذا الكتاب اكتفوا بتلخيصه دون نقاش الأفكار التي أثارها أو بعضها على الأقل.
جزا الله خيرا من تكفل بهذا الجزء
8
length122suspicious-document0355segment
وعلى هذا، لا يمكنني أن أنظر إلى المنشورات الإعلامية والقصائد الحماسية الآنية على أنها أدب خالص مهما أخلص كاتبوها لقضاياهم.
من أجل هذا، لا أستطيع رؤية المنشورات الاعلامية و القصائد الحماسية الانية على انها أدب نقي مهما حاول أصحابها الاخلاص لقضاياهم.
جزا الله خيرا من تكفل بهذا الجزء
9
length3574suspicious-document0355segmentتحقيق الإنسانية لقد تقضى العمر، في حلقاته المتتابعة، بشيء جوهري لدي: هو تحقيق إنسانيتي، من خلال تحقيق إنسانية الناس، أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرض علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً، من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة نقشت صورتها على أظفاري بمنقاش الألم، فتعلمت، مبكّراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، وأنتصر على رذيلة الأنانية، وكل إغراءات الراحة البليدة، التي توسوس بها النفس، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً توّاقاً إلى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون. وكان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، بتمام الكلمة، أميّاً، متخلّفاً، إلى درجة لا تصدّق، لم يكن في حيّ المستنقع كله، مَن يقرأ ويكتب، كان سكان هذا الحي، والأحياء الفقيرة الأخرى في مدينة اسكندرونة، يتلمّسون في الظلمة سبيلهم إلى النور، والذين ساعدوهم في ذلك كانوا المناضلين الأول، ضد الانتداب الفرنسي والإقطاع، وكان لي - وأنا فتى في الثانية عشرة من عمري - حظ التعرف على هؤلاء الحاملين المشاعل، وشرف الانتماء إليهم، والتعرّف إلى حقيقة الكلمة وشرفها من خلال إرشاداتهم، هذا المجتمع، في الطفولة واليفاعة والشباب، أعطاني تجارب لا تُنسى، أفدت منها في كفاحي بالقلم على امتداد حياتي الأدبية التي قاربت الخمسين الآن. وكي أختصر الكلام عن المحيط السياسي أقول: عرفته، رافقته، كنت قريباً من أبرز رجاله، منذ هجرة عائلتي من اللواء العربي (الاسكندرونة) إلى اللاذقية، وقبل ذلك بقليل، وبعد ذلك إلى الوقت الراهن، غير أن كفاحي، على الجبهة الثقافية، وما فيها من كرم الكفاح، قد جعلني أكتشف حقائق كثيرة، ومنذ وقت مبكّر، لذلك تركت الانتماء الحزبي، منذ منتصف الستينيات، وكرّست حياتي للأدب، وللرواية تخصيصاً، وسأبقى كذلك، دون أن يعني ذلك نسيان الماضي، أو عدم الأمانة للمنطق، فأنا أعرف أن اليوم الذي أنسى فيه ناسي، أو أدير لهم ظهري، أو ينقطع حبل السرّة الذي يربطني بهم، سيكون يوم توقفي عن الكتابة، وتالياً عن الحياة. ولندع الكلمات الكبيرة، فإنني لا أنسجم معها، رغم أن الحديث قد اضطرني إلى مقاربتها، فما أقوله لقرّائي أنني ولدت في حيّ فقير بائس في مدينة اللاذقية، وفي دار تتقاسم عائلات فقيرة غرفها، وقد اضطرت أمي إلى حرماني من نصف حليبها، وبيع النصف الآخر إلى ابن عائلة ثرية كانت تعمل عندها، يُقال إن أخي في الرضاعة كان (جول فيتالي) وهو من الأغنياء الذين عاشوا حياة ترفة، ولم أر له وجهاً، لأنه ارتحل قبل أعوام. لقد صوّرت وضعي الصحي العليل في سيرتي الذاتية، ومنها تعرفون وضعي العائلي الغارق، حتى الاختناق، في حفرة شقاء تدافعناه، بكل ما نملك من إرادة، فلم يندفع! أمي وأخواتي الثلاث، عملن خادمات، عملت أنا الصبي الوحيد، الناحل، أجيراً، كذلك عمل الوالد، سليم حنا مينه، الخائب في كل أعماله ونواياه، حمّالاً في المرفأ، بائعاً للحلوى، وللمرطبات، مرابعاً في بستان قاحل إلا من أشجار التوت، ومربيّاً لدود القز، ثم عاود، بين كل هذه الأعمال وأثناءها، سيرته في الترحال، كأنه (موكل بفضاء الله يذرعه)، كان أبي، رحمه الله، رحّالة من طراز خاص، لم ينفع ولم ينتفع برحلاته كلها، أراد الرحيل تلبية لنداء المجهول، تاركاً العائلة، أغلب الأحيان، وفي الأرياف، للخوف والظلمة والجوع، ولطالما تساءلت: وراء أي هدف كان يسعى؟ لا جواب طبعاً، إنه بوهيمي بالفطرة، وقاص بالفطرة، يصنع من أي مشهد حكاية شائقة، وقد أفدت منه، في هذا المجال فقط، كان رخواً إلى درجة الخور أمام شيئين: الخمر والمرأة! لم يفز بالمرأة ولم يستمتع بالخمر. كان يسكر إلى درجة التعتعة والسقوط والنوم حيث يسقط. لمجرد شرب كأس أو كأسين. يا للأب المثالي، الذي كافأته، في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من عمره، مكافأة حسنة، متجاوزاً عن كل ما ألحق بالعائلة من أذى، وليس في ذلك منّة، بل واجب البنوّة وحده. متاهة الضياع من اللاذقية، حيث ولدت، تشرّد الوالد، وجرّ العائلة معه، إلى متاهة الضياع، وهذا التشرد فرض علي البحث عن اللقمة أولاً، وفرض علي، ثانياً، العمل الشاق في السياسة، وأمنيتي، الآن، أن أتشرّد من جديد، لأنني أكاد أتعـفّن بين الجدران الأربعة من مكتبي في الوظيـفة، ومن مكتـبي في البيت، الذي أشتغل فيه وسط شروط لا إنسانية!تحقيق الإنسانية لقد انقضى العمر، في حلقاته المتتالية، بشيء أساسي لدي: هو تحقيق إنسانيتي، من خلال تحقيق إنسانية الناس، قضيت صباي في التعاسة، وشبابي في السياسة، ولئن كانت التعاسة قد فُرضت علي من قبل المجتمع، فعشت غير محتذي، عاريا، جائعا، معدماً، من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة حفرت صورتها على أظفاري بمنقاشِ الوجع، فاكتسبت، مبكّراً، كيف أرفع الوجع الخاص إلى الوجع العام، وكيف أتجاهل ذاتي، وأغلب رذيلة الأنانية، وكل ترغيب في الراحة البليدة، التي تُوسوس بها الذات، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً راغبا بما يريد أن يكون، لا بما يُراد له أن يَكون. وكان البيئة المجتمعية التي ترعرعت فيها، بتمام الكلمة، أميّة، متخلّفة، إلى مدى لا يصدّق، لم يكن في حيّ المستنقع كله، مَن يقرأ ويكتب، كان أهل هذا الحارة، والأحياء المعوزة الأخرى في مدينة اسكندرونة، يناشدون في الظلمة طريقهم إلى النور، والذين عاونوهم في ذلك كانوا المكافحين الأوائل، ضد الانتدابِ الفرنسي والإقطاع، وكان لي - وأنا صبي في الثانية عشرة من عمري - حظ التعرف على هؤلاء الممسكين المشاعل، وعظمة الانتماء إليهم، والتعرّف إلى حق الكلمة وشرفِها من خلال توجيهاتهم، هذا المجتمع، في الصبا والمراهقة والشباب، منحني تجارب لا تُنسى، نفعت منها في نضالي بالقلم على مدى حياتي الأدبية التي أوشكت الخمسين الآن. ولأختصر الكلام عن الوسط السياسي أقول: عرفته، صاحبته، كنت قريباً من أشهر رجاله، منذ تنقل أهلي من اللواء العربي (الاسكندرونة) إلى اللاذِقيّة، وقبل ذلك بقليل، وبعد ذلك إلى الوقت الحالي، غير أن نضالي، على الجبهة الفكرية، وما فيها من كرم الكفاح، قد جعلني أدرك حقائق كثيرة، ومنذ وقت باكر، لذلك تخليت عن الانتماء الحزبي، منذ نصف الستينيات، ووهبت حياتي للأدب، وللرواية خاصة، وسأبقى كذلك، دون أن يستوجب ذلك إغفال الماضي، أو خيانة المنطق، فأنا أوقن أن اليوم الذي أهمل فيه ناسي، أو أقلب لهم ظهري، أو يقطع حبل السرّة الذي يشدني بهم، سيكون يوم انقطاعي عن الكتابة، وتاليا عن الحياةِ. ولندع المفردات العظيمة، فإنني لا أتوافق معها، رغم أن الحديث قد دفعني إلى مقاربتها، فما أقولُه لقرّائي أنني وُلِدت في حارة بائس فقيرة في مدينة اللاذقية، وفي بيت تتشارك عائلات فقيرة حجراته، وقد الزمت أمي إلى منعي من نصف حليبها، وبيع النصف الثاني إلى ولد عائلة غنية كانت تشتغل عندها، يُقال إن أخي في الرِضاعة كان (جول فيتالي) وهو من الأثرياء الذين عاشوا حياة فخمة، ولم أر له وجهاً، لأنه هاجر قبل أعوام. لقد وصفت حالتي الصحية المريضة في سيرتي الذاتية، ومنها تعرفون حالتي العائلية الغارقة، حتى الغص، في حفرة تعاسة تدافعناه، بكل ما نمتلك من عزيمة، فلم تندفع! أمي وشقيقاتي الثلاث، عملن خادِمات، اشتغلت أنا الفتى الوحيد، النحيل، عاملا، كذلك اشتغل الوالد، سليم حنا مينه، الفاشل في كل أشغاله ونواياه، حمّالاً في المرسى، بائعاً للحلويات، وللمشروبات، مرابعاً في حديقة جرداء إلا من أشجار التوت، ومربيا لدود القز، ثم أعاد، بين كل هذه الأعمال وأثناءها، سلوكه في السفر، كأنه (مكلف بفضاء الله يذرعُه)، كان والدي، رحمه الله، سائحا من طراز خاص، لم ينفع ولم يستفد بأسفاره كلها، أراد السفر تلبية لنداء الغيب، تاركاً الأهل، معظم الأوقات، وفي الريف، للفزع والظلام والطوى، ولطالما تساءلت: خلف أي غاية كان يسعى؟ لا إجابة طبعاً، إنه بوهيمي بالفطرة، وقاص بالفطرة، يصنع من أي مشهد قصة شيقة، وقد أفدت منه، في هذا الميدان فقط، كان مرناً إلى درَجة الضعف أمام أمرين: الشراب والنساء! لم يكسب المرأة ولم يسعد بالخمر. كان يثمل إلى درجة التعتعة والوقوع والنوم حيث يقع. لمجرد احتساء كوب أو كوبين. يا للوالد النموذجي، الذي جازيته، في الأعوام الخمس عشرة الأخيرة من عمره، جزاء حسنا، متغاض عن كل ما ألحق بالعائلة من ضرر، وليس في ذلك فضل، بل مسؤوليةالبنوّة وحدها. متاهة الضياع من اللاذقية، حيثُ ولدت، تاه الوالد، وسحب الأسرة معه، إلى متاهة الضياع، وهذا التسكع أوجب علي البحث عن اللقمة أولا، وأوجب علي، ثانيا، الشغل المتعب في السياسة، ورغبتي، الآن، أن أتسكع من جديد، لأنني أوشك التعـفّن بين الحيطان الأربعة من مكتبي في العمل، ومن مكتـبي في المنزل، الذي أعمل فيه وسط ظروف لا إنسانية!
10
length257suspicious-document0355segment
فقد قرأت شعري في جميع العواصم العربية، وعدت بالشعر من خلال ذلك إلى أوله في الرحيل. وأسأل نفسي: هل وجه الذات هو وجه القصيدة؟ وأجيب: لا ونعم. يوما عن يوم، يتكشف لي أنّ للكلمات أسراراً وأسفاراً قد تتقاطع مع أسرار وأسفار الذات في حياتها ووقائعها أو تتباعد عنها.
فقد قرأت قصائدي في كل العواصم العربية، وعدت بالشِعر من خلال ذلك إلى أوله في الرحيل. وأسأل نفسي: هل وجه النفس هو وجه القصيدة؟ وأجيب: كلا وبلا. يوما عن يوم، يتبين لي أنّ للمفردات خفايا وأسفاراً قد تتداخل مع خبايا وأسفار النفس في حياتها وأحداثها أو تتباعد عنها.
11
length3715suspicious-document0356segment
أو كما قال الكاتب الفرنسي المعروف كطيّار استُشهد في الحرب العالمية الثانية (أنطوان ده سان أكسوبري) في رائعته (أرض البشر): (تُعلّمنا الأرض عن نفسها أكثر مما تعلّمنا الكتب، ذلك أنها تقاومنا...)، وبتعديل بسيط ومن دون أن نبتعد عن هذا المعنى، يمكن القول إننا نكتشف أنفسنا، أو أسلوبنا الخاص في التعبير من خلال اصطدامنا مع ذاتنا وهي تبحث عن فجوة للخلاص من كابوس المعاناة اليومية المباشرة أكثر مما تقدّمه لنا النظريات المكتوبة والتجارب المنشورة. كنت أنضج - إذن - فكرياً ونفسياً وممارسة، وأتحرّر يوماً بعد يوم من طغيان الوصاية (الأبوية) - إذا صحّ التعبير - في الفكر والإبداع، ولكن دونما نجاحات كبيرة. ربما تحرّرت قليلاً أو كثيراً من سلطان المتنبي وأبي تمام وأحمد شوقي وبدوي الجبل وأبي ريشة وآخرين من الأصوات الشعرية العربية الكبرى، ولكني لكي أنتقل يساراً في اتجاه شعراء أجانب عالميين، ويساريين على الأغلب، مثل ناظم حكمت، وبابلو نيرودا، وأراغون وبول إيلوارد، ولو كان في هذا المجال متسّع لإجراء المقارنات الميدانية - إذن - لفككتُ - من التفكيك - عدداً من قصائدي في ذلك العهد كي أشير إلى بعض التناص هنا أو هناك بين ما كنت أكتبه في الخمسينيات ونماذج شعرية معيّنة لأولئك الشعراء العالميين. وحتى في شعر الحب، لم يتخل الآخرون عن وصايتهم، فإذا كانت البدايات قد تمّت بصحبة عشّاقنا العذريين القدامى، فلقد أفسحت فيما بعد لتيّار الرومانسية أن يشغل بإخلاص ركناً من وجداني مع جبران وعلي محمود طه وأمين نخلة والياس أبي شبكة وسعيد عقل وغيرهم، كما لم أنج بعد كل هذا من وصاية نزار قباني الذي كان صديقاً شخصياً عدداً من السنوات بالرغم من تفاوت الأعمار بيننا، ومَن يقرأ بعضاً من النماذج الشعرية التي نشرتها في مجلة (النقّاد) في مطلع الخمسينيات، لابدّ أن يلاحظ بوضوح تأثّري بألاعيب نزار في تواصله مع الأشياء الأنثوية، وحين تحرّرت من هؤلاء - نسبياً بالطبع دائماً - كنت أعوّض عنهم بالمهارات المحدثة التي بهرتني وقتئذ لدى قراءتي جاك بريفير وبول جيرالدي وقبلهما بودلير بالفرنسية، مع تباين هذه الشخصيات، بل أكاد أقول إنني في عدد من قصائد الحب حين تحوّلنا إلى خانة اليسار الماركسي وقعت أيضاً - بشكل أو بآخر - تحت تأثير الشعراء العشّاق من اليساريين مثل أراغون ونيرودا ولوركا. كنا نكتب في الخمسينيات وقد غُصنا في بحران الكتابات الجدانوفية والوصايات الأيديولوجية، ولكن الطريف في الأمر أنني حين أراجع إنتاج تلك العهود، أجد فيه الكثير من النماذج الطليقة التي لا يمكن إدراجها في خانة الجدانوفية إطلاقاً، بل ربما كانت خارجة عليها في الشعر كما في القصة، وفي استطاعتي أن أبرهن على ذلك بالشواهد الكثيرة، غير أن المجال لا يسمح هنا إلا باستخلاص المغزى العميق والأساسي لأي تجربة إبداعية أن هذه الشواهد من غزل رومانسي مثلاً خال من خلفيات الصراع الطبقي أو التفاؤل الثوري، وغيرها من مستلزمات المدرسة الجدانوفية كانت محكومة بمضاعفات الصراع الفني - وليس الطبقي وحده - بين الذاتي والموضوعي، وأنه لم يحدث أبداً أن استطاع الموضوعي - أو المؤدلج بتعبير آخر - حين أراد أن يحلّ محل الموضوعي الواقعي- أي دونما أي مزايدات أو أوهام - لم يحدث أبداً أن استطاع هذا (الموضوعي) إزاحة الذاتي جانباً. وهذا ما يعزّيني الآن أن صوتي الجوّاني لم يختف تماماً، بل كان حاضراً باستمرار، وبقوة ملحوظة في بعض الأحيان، وأن شوقي بغدادي كان هو فعلاً شوقي بغدادي حتى في أقصى حالات الانتماء أو الالتزام العقائدي. وخير مثال على هذه الحقيقة أنني اضطررت مرّة بعد لجوئي إلى لبنان في أواخر الخمسينيات هرباً من التعسّف السلطوي، اضطررت إلى استخدام اسم مستعار أوقّع به قصائد جديدة نشرتها في إحدى الصحف اللبنانية، فكتب عدد كبير من القرّاء إلى الجريدة يسألون عن صاحب الاسم الحقيقي لهذه القصائد لاعتقادهم أن الاسم المنشور مستعار، بل لقد صرّح بعضهم أنه يظن بأنها لشوقي بغدادي بسبب التشابه الكبير بين أسلوب تلك القصائد وأسلوب الشاعر المذكور. وهذا عزاء آخر، غير أنه صار قديماً الآن. هذا الحديث لا ينطبق على المضامين وحدها، بل على الشكل الفني أيضاً، مما يثبت أن العلاقة بين الشكل والمضمون علاقة جدلية بحق، وبخاصة حين ألاحظ تحوّلي أكثر فأكثر من إطار الرائد الخطيب المحرّض أو المعلّم، إلى إطار المغني البسيط المتوحّد أو بتعبير آخر من دور الممثل المسرحي المتوجّه بحديثه نحو الجمهور إلى الممثل الذي يلقي مونولوجاً لنفسه.
12
length291suspicious-document0356segmentوهو الآن، إذ ينام نوم التفّاح تحت بلاطة ناتئة في حديقة منزلنا، تتناهى من قبره إليّ، أصوات خفية، همسات سفلية، أدعية، كلمات،... وحين أجلس في المنزل القديم، على كتف النهر، وحدي، عند المساء، أحس تنبعث من زوايا المنزل نداءات قديمة، وينفتح مجرى في الجدار، تحت صورته هناك، وهي لا تزال معلقة وشاخصة.وهو الآن، إذ يرقد نوم التفّاح تحت لوح ناتئ في بستان بيتنا، تصل من ضريحه إليّ، أصوات سرية، وشوشة سفلية، دعاء، كلمات،... وحين أجلس في البيت القديم، على كتف النهر، وحيدا، عند العشية، أشعر ترسل من زوايا البيت نداءات قَديمة، وتفتح قناة في الجدار، تحت تصويرته هناك، وهي لا تزال معلقة وثابتة.
13
length147suspicious-document0356segment
وفي المرة الثانية، أرسل قصة خاف الدكتور عبدالقادر القط من نشرها، وكانت بعنوان (العتب على النظر) التي أصبحت عنوان آخر المجموعات القصصية التي أخرجها.
وفي المرة الثانية، بعث رواية هاب الدكتور عبدالقادر القط من إصدارها، وكانت بعنوان (اللوم على النظر) التي صارت عنوان آخِر المجموعات القصصية التي أصدرها.
14
length164suspicious-document0356segment
وقد أرتنا أزمة الطرد من الجامعة الكثير من صغار نفوس بعض زملائنا الذين أنستهم الغيرة إنسانيتهم، كما أرتنا ما انتهى إليه جبن الذين أنكروا صلتهم بنا، خشية وجبنا وتقية.
وقد أظهرت أزمة الإقصاء من الجامعة العديد من حقارة نفوس بعض زملائنا الذين أنستهم الغيرة إنسانيتهم، كما بينت ما وصل إليه جبن الذين كذبوا صلتهم بنا، خوفا وجبنا وتقية.
15
length436suspicious-document0356segment
الرحلة، في الخطوات الأولى، انطلقت من اللاذقية إلى مهد أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوجت، وتشردت معا عائلتي لظروف قاهرة، اجتاز أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقمت الخميس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام، هذه المرة، طويلاً، حتى أوشك العشرة من الأعوام، لم أكتب فيها حرفاً واحداً، وبذلك ضاع استواء رجولتي أشار الثلاثين والأربعين من عمري، سدى، فالنبتة قلّما ألهم إلا في تربتها!
الجولة، في المراحل الأولى، انطلقت من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودِمشق، وبعد ذلك تزوجت، وتسكعت مع أسرتي لظروف قاهرة، مرورا بأوروبا وصولاً إلى الصين، حيث أقمت خمس أعوام، وكان هذا هو المنفى الاجباري الثالث، وقد استمر، هذه المرة، طويلاً، حتى أوشك العشرة من الأعوام، لم أدون فيها حرفاً واحداً، وبذلك ضاع اعتدال رجولتي بين الثلاثين والأربعين من سني، سدى، فالنبتة قلّما تحيا إلا في تربتها!
16
length3214suspicious-document0356segment
فقال لي: يا محمود هل علبة الثقاب الفارغة أفضل أم التي فيها عشرة أعواد؟ قلت: التي فيها عشرة أعواد أفضل، قال: ضع فيها هذه العشرة وسيأتي غيرك فيملؤها. قلت: سأفعل إن شاء الله. وحدثت ظروف اضطررت معها أن أترك سوريا وأسافر إلى اليمن، وبقيت هناك ثلاث أعوام أتتبع أخبار قبائلها في الماضي والحاضر، ولم أترك مكانا ذكر في كتب التراث إلا زرته وأمضيت الأيام في أودية زبيد أفتش عن آثار ماء هناك يسمّى غسان نزلت عليه الأزد عند رحيلها عن اليمن إلى الشمال بعد خراب سدّ مأرب، فكل من شرب منهم من هذا الماء سمي غسان، فلم أجد له أثراً حتى قيل لي: ربما كان عبارة عن تجمع مياه السيول التي تذهب بعد انقطاع أيام الأمطار. بين الماضي والحاضر وعدت إلى سوريا وأنا أشد تعلقاً بالقبائل العربية، ووقع بين يدي كتاب غزوة نابليون لمصر، وإذا بي أجد أن أول ما أوصى به نابليون العلماء الذين أتى بهم معه إلى مصر قوله: افصلوا ماضي الأمة عن حاضرها ومتى فصلناها عن ماضيها سهل ابتلاعها. فشدّ هذا القول من أزري على تحقيق الجمهرة كي لا نُبتلع فبدأت أنسخ المخطوط وما إن وصلت إلى نصفه تقريباً حتى فوجئت أن به دشتاً وخرماً. والدشت بلغة المحققين تقديم وتأخير في صفحات الكتاب، وهنا كانت الصعوبة لأن الكتاب عبارة عن أسماء فيقول فيه مثلا: هذا نسب بني مخزوم. وبعد صفحتين يقول لك هؤلاء بنو تيم الأدرم، فتعلم أن هناك تقديماً وتأخيراً في الصفحات، والخرم هو النقص في المخطوط، فترتيب الصفحات يمكن التغلب عليه بمساعدة مخطوطي مختصر ومقتضب الجمهرة، ولكن مع الخرم القليل لا يكمل الكثير ولكن العكس صحيح، فإذن لابدّ لي من الحصول على نسخة مخطوط أنساب الأشراف للبلاذري لأن البلاذري - رحمه الله - كان بعد عصر ابن الكلبي بمائة عام، وكان دليله في عمله كتاب الجمهرة وسار على منواله ولكنه توسع في الأخبار والأدب، فابن الكلبي يقول عن الحجاج بن يوسف بن عقيل، والي العراقين، بينما البلاذري كتب كل ما يعرف عن الحجاج وما قيل فيه، فأصبح كتابه كتاب تاريخ وأدب، فكتبت أستنجد بعالمنا الشيخ حمد الجاسر، وكان على قيد الحياة رحمه الله، فأرسل إليّ نسخة مخطوط أنساب الأشراف نسخة اسطنبول وكتب إلي أن هذه كثيرة الأخطاء. فاستعنت فيها في عملي وأكملت نسخ الجمهرة. ودفعت عملي إلى التنفيذ من أجل الطباعة، فأمضيت ما يقارب السنة في تصليح الأخطاء فكل كلمة حُبَيْب وحُبَيّب يكتبونها حَبِيب، فرأيت لزاما علي أن أخطّه، وقد وهبني الله خطا جميلا وطبعته بأجزائه الثلاثة بخط اليد، وكان الجزء الثالث مشجّرات أشرت فيها إلى أخطاء كاسكل وما أنقصه من الأسماء. الجمهرة... والبداية ثلاثة أجزاء وهكذا ظهر للوجود كتاب جمهرة النسب لابن الكلبي بأجزائه الثلاثة، وكتاب معدّ واليمن الكبير لابن الكلبي بأجزائه الثلاثة أيضا، والأول يحوي نسب القبائل العدنانية، والثاني يحوي نسب القبائل القحطانية، ومن خلال عملي فيهما ثبت عندي أنهما كتابان لا كتاب واحد، فقد عمل ابن الكلبي الكتاب الأول نسب معدّ واليمن الكبير، وكأنه لم يرض عنه، فعاد وعمل كتاب الجمهرة لأنه الأصح والأعم والأدق، ومختصر الجمهرة ومقتفيه كانا للجزأين من الجمهرة حيث إنهما كانا موجودين في ذلك العصر، أما الآن فلا يوجد إلا نسخة وحيدة في العالم للجزء الأول من الجمهرة الذي يحوي نسب القبائل العدنانية وقسما من القبائل القحطانية إلى آخر قبيلة الأوس الأنصارية، وكتب ابن الكلبي في آخره: انتهى الجزء الأول من الجمهرة ويليه الجزء الثاني وأوله قبيلة الخزرج الأنصارية، ونسخة وحيدة من الجزء الثاني من كتاب نسب معد واليمن الكبير لابن الكلبي في دير الأسكوريال بمدريد. ثم بعد ذلك شاركت في تأليف كتاب (الشهد المذاب فيما لذّ وطاب) مع ابن خالي المرحوم إبراهيم سيف الدين التركماني المقيم في الرياض، وهو عبارة عن قصص منتقاة من كتب التراث، وكان خير شريك في عمل تغمّده الله برحمته إنه سميع مجيب.
17
length522suspicious-document0357segment
أحمد النيفر من تونس، ومجموعة من الشباب الأردني الكريم منهم محمد عربيات وعلي كفاوين، وآخرين على أغلب الظن نستهم الذاكرة وإن لم ينسهم القلب. كانت المجموعة تلتقي في الصباح عام إفطار عامر في الفندق وتبدأ المناقشات في شتى الموضوعات: سياسية، دينية، شعر، فن، ودائمًا كان الشيخ الكبيسي نجم هذه المسامرات. في مركبة إرتقى كفاوين التي تنقلنا إلى الأستوديو، شبك إرتقى شريط كاسيت، انساب صوت ماجدة الرومي يتغنى بكلمات نزار قباني، سألت الشيخ عن رأيه في نزار؟ قال: نزار شاعر هام وعظيم وشعره جميل والمغنون يا أخوة يفسدونه ولكن ليس ماجدة ولا أم كلثوم.
18
length717suspicious-document0357segment
مات أبى وأنا في العاشرة فتجرعت جرعة من عمل وحشي الْيُتْم، لكن أمي - الحازمة الحنون - تقدمت فوراً لجبر الصدع، وحملت المسئولية ماديا ومعنويا، فردتني بسرعة إلى طريق الأمان. لم يكن أبى موظفاً أو تاجراً، وإنما كان يمتلك أرضاً يعيش عليها، ولما كان الإنسان لا يأخذ أرضه معه في نهاية حياته، فقد بقيت أمورنا المادية بعده هي هي، دون تغيرقليل أو كثير. وأنا حريص على ذكر هذا لأقول إن هذا الوضع هو وحده الذي أعطى لي، ولأخي، شاغر التعليم، في أداة ضبط الوقت كانت الحياة الاقتصادية العامة صعبة جدا في الريف المصري، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. منّ الله عليّ بصوت جميل وولع بالغناء، فكنت أغنّي لزملائي الصبيان أداة ضبط الوقت الفُسَح المدرسية، ولزملائي الشبان في أمسيات السكن الداخلي في معهد أسيوط الديني، مرددا الأناشيد الصوفية، وأغاني عبدالوهاب القديمة.
19
length255suspicious-document0357segment
وجاق كبير تلتمع فيه الأحطاب وهي تتحول إلى جمرات متقدة يتطاير منها الشرر، ويستلقي الشيخ أمامه كما لو أنه ينام على أيامه، وأنا قربه، وهو يروي لي سِيَراً كثيرة. ولأنه يلقي بالكلمات إلى وجاق النار، ليزيدها اشتعالا، ويطعّم كل حكاية من حكاياته بأبيات من الشعر..
20
length423suspicious-document0357segment
ونال يوسف إسلام نصيبه من العنجهية الإسرائيلية عندما كان يزور أورشاليم في عام 2000 لتصوير فيلم تليفزيوني عن الأماكن التي زارها في مقتبل حياته الإسلامية، حيث رفضت السلطات الصهيونية دخوله إلى القدس، العنصر الرابع والتسعون واحتجزته في زنزانة صغيرة بلا ماء أو خدمات أدخل أن يتم ترحيله إلى ألمانيا، وكان حجة الإسرائيليين أن يوسف يخصص جزءًا من عمله الخيري لصالح انتقال حماس؛ الأمر الذي أنكره يوسف متساءلا: "هل أداء الأموال ليتامى الفلسطينيين دعم لحماس؟!".
21
length522suspicious-document0357segment
وتنوع الأبواب والنوافذ وغنى الألوان التي تبدو على الجدران التي ائتكل عليها الزمن.. أعصابي مشدودة تماماً إلى الحارة.. ولادة الفكرة أما في المرسم.. وهو الجانب الثاني في حياتي معا اللوحة.. فغالباً ما يكون العنصر الرابع والتسعون دائما شكل لوحاتي التي أرسمها في المرسم، ذات صفة غير تماماً عما أرسمه بالهواء الطلق، ذات موضوعات فكرية تحتاج إلى تأليف، ودراسة مسبقة.. وكروكيات، واسكتشات عديدة.. وهذه اللوحات تشغلني لفترات طويلة ومتباعدة أحياناً.. وأصعب فترة عندي هي عمار اللوحة.. واللحظة التي أقف فيها أمام المساحة البيضاء التي تتحداني أن أقتحمها..
22
length1669suspicious-document0357segment
كان القوصي قد تعلم التصوير التليفزيوني على يد مصرف عام 1957 الذي كان يعمل لمحطات أجنبية عديدة -وكان التصوير التليفزيوني مقتصرا على المصورين الأجانب في ذلك الوقت- وبدأ القوصي العمل في التليفزيون وهو لا يزال في أخبار اليوم، عندما تعاقد مع محطة تليفزيون لندنية تجارية هي "Independent Television News"، وكان يتقاضى منها 100 إسترليني في الشهر، هذا بالإضافة لعمله لدى العديد من المحطات الأجنبية ووكالات الأنباء. وقدم القوصي استقالته من أخبار اليوم بعدما وصله خطاب من مدير عام مؤسسة أخبار اليوم يطالبه بالتفرغ لأخبار اليوم مقابل علاوة 10 جنيهات، فوجدها القوصي صفقة خاسرة: أن يترك محطة التليفزيون اللندنية التي يتقاضى منها 100 جنيه إسترليني مقابل 60 جنيها مصريا، وحتى لا يخسر العمل في كل هذه الأماكن التي كان يجمع بينها في ذات الوقت. مصور الرؤساء وكأن القوصي كان -كحظه دائما- على موعد مع النجاح؛ فقد استدعاه سعد لبيب في التليفزيون، وطلب منه العمل معه في التليفزيون المصري، وبالفعل دخل القوصي التليفزيون منذ افتتاحه في يوليو 1960، وفي التليفزيون بدأ نجم القوصي يصعد بسرعة؛ فقد ارتبط القوصي بالرئيس الراحل عبد الناصر، وكان مصوره التليفزيوني الذي رافقه في كل رحلاته، وزاول العمل بالتليفزيون إلى جانب العمل في الوكالات التي كانت مصدر دخله الرئيسي، وفي 1975 ترك التليفزيون للتفرغ لوكالة الأخبار التليفزيونية "ديزني نيوز" بعدما عرضت عليه الوكالة مرتبا مغريا جدا وطلبت منه التفرغ، فطلب إجازة بدون مرتب من التليفزيون. وكانت حادثة اغتيال السادات نقطة التحول في حياته بصورتيه اللتين دخل بهما زمرة المصورين العالميين بعدما نشرت هذه الصور في معظم الجرائد والمجلات العالمية، وتناقلتها شاشات التليفزيون ووكالات الأنباء وذاع صيته، وبعد هذه الحادثة فضل القوصي التفرغ للعمل لوكالات الأنباء الفرنسية جاما وسيجما كمصور فوتوغرافي، وفي 1983 أحيل للمعاش ليعود هاويا كما بدأ حياته مع عشيقته الكاميرا.
كان القوصي قد تعلم التصوير التليفزيوني عَلى يد مصرف عام 1957 الذي كان يعمل لقنوات أجنبية كثيرة -وكان التصوير التلفزي مقصورا على المصورين الأجانب في تلك الفترة- وشرع القوصي الشغل في التليفزيون وهو لا يزال في أخبَار اليوم، عندما تعاقد مع قناة تليفزيون لندنية تجارية هي "Independent Television News"، وكان يتقاضى منها مائة إسترليني في الشهر، هذا إضافة لشغله لدى الكثير من القنوات الأجنبية ووكالات الأخبار. وقدم القوصي استقالته من أخبار اليوم بعدما جاءته رسالة من مدير عام مؤسسة أخبار اليوم تطالبه بالتفرغ لأخبار اليوم مقابل علاوة 10 جنيهات، فاعتبرها القوصي صفْقة غير رابحة: أن يترك قناة التليفزيون اللندنية التي يتقاضى منها مائة جنيه إسترليني مُقابل ستين جنيها مصريا، ولكي لا يخسر الوظيفة في جل هذه الأماكن التّي كان يجمع بينها في نفس الوَقت. مصور الزعماء وكأن القوصي كان -كحظه دائما- على ميعاد مع النجاح؛ فقد احضره سعد لبيب في التليفزيون، وإلتمس منه العمل معه في التِلِيفزيون المصري، وفعلا دخل القوصي التليفزيون منذ تدشينه في يوليو 1960، وفي التليفزيون بدأ نجم القوصي يعلو بسرعة؛ فقد ارتبط القوصي بالزعيم الراحل عبد الناصر، وكان مصوره التليفزيوني الذي صاحبه في كل تنقلاته، ومارس العمل بالتليفزيون إلى جانب الإشتغال في الوِكالات التي كانت مصدر مدخوله الأساسي، وفي 1975 ترك التليفزيون للتفرغ لوكالة الأنباء التليفزيونية "ديزني نيوز" بعدما عرضت عليه الوكالة راتبا مغريا جِدا وطلبت منه التفرغ، فطلب عطلة بدون راتب من التليفزيون. وكان حادث قتل السادات نقطة التغيير في حياته بصُورتيه اللتين دخل بهما موكب المصورين العَالميين بعدما نُشرت هذه الصُور في أغلب الجرائد والمجلات العالمية، وتَناقلتها شاشات التلفاز ووكالات الأخبار وذاعَ صيته، وبعد هذا الحدث آثر القوصي التفرغ للعمل لوكالات الأخبار الفرنسية جاما وسيجما كمصور فُوتُوغرافي، وفي 1983 أحيل للتقاعد ليرجع هاويا كما بدأ حياته مع حبيبته الكاميرا.
23
length357suspicious-document0357segment
وأشرف حتى الوقت الحاضر على أكثر من ثلاثين إعلام ماجستير ودكتوراة في جيولوجية جميع من أرض الكنانة والجزيرة العربية والخليج العربي. * رسم د. النجار أول خريطة جيولوجية لقاع بحر الشمال.. وحصل على عدة جائزة منها "جائزة أحسن بحث مقدمة لمؤتمر البترول العربي عام 1975م، وجائزة مصطفى بركة للجيولوجيا". * تزوج الدكتور زغلول في عام 1968م ورُزِقَ منها بولدين توفاهما الله سبحانه وتعالى.
24
length3473suspicious-document0357segment
وأتاحت الحياة العملية ليوسف إدريس مادة وفيرة لكتاباته التي عرفناه بها طوال الخمسينيات والستينيات، فقد عرف تجربة السجن لأكثر من سنة بعد صدور مجموعته الأولى (أرخص ليالي) فأفاد من التجربة، كما أفاد من رفقة اليسار في جريدة (المصري) التي سرعان ما أغلقتها يوليو 1952 في توجهها المعادي للديمقراطية، وتقلبت به المهنة الطبية ما بين طبيب امتياز في القصر العيني، وطبيب تراخيص للمحلات العامة ببلدية القاهرة، وطبيب عمال النظافة بوزارة الأشغال، ومفتش صحة بكل من الدرب الأحمر والسيدة زينب وحلوان ومصر القديمة والجديدة على السواء، الأمر الذي أتاح له ذخيرة بالغة الغنى من الخبرات الإنسانية على كل المستويات التي اتصل بها، والتي عرفها طبيبا ومثقفا ومناضلا، فظهر أثر ذلك في الكتابة التي اهتمت باعتقال المثقفين وعمليات تعذيبهم في السجون الناصرية، ثم الساداتية، وحياة المناضلين المليئة بالمفارقات والتناقضات والتمزقات، وغاصت هذه الكتابة في تفاصيل حياة الفقراء والبسطاء، كما عرفت ضباط الجيش الوطنيين، والحراك الاجتماعي بين الطبقات في كل من القرية والمدينة، حيث يتكرر معنى العيب والحرام في أرخص الليالي التي لم تخل، قط، من لغة الآي آي، أو من سياط العسكري الأسود، أو حضور البطل الذي يتحدى قدره ويمضي إلى آخر الدنيا. علاقة الحب والكراهية وكان من الطبيعي أن يكتب يوسف إدريس، النجم الصاعد منذ الخمسينيات، في جرائد الثورة ومجلاتها، بعد خروجه من المعتقل، وبعد قراره التخلي عن العمل السري والانصراف إلى الكتابة التي رأى فيها وسيلته المثلى والوحيدة في مقاومة ما يراه باطلا وظلما وزيفا، وهو قرار أدى إلى الاصطدام بالرفاق القدامى الذين اتهموه بالتقرب إلى السلطة السياسية مقابل السماح بالكتابة في جرائد الدولة ومجلاتها. وكانت البداية مجلة (التحرير) التي سرعان ما أغلقت، ثم جاءت (روز اليوسف) و(الجمهورية) بعدها. وفي (الجمهورية) توثقت الصلة بأنور السادات الذي توسط لانتدابه من وزارة الصحة إلى وزارة الثقافة، ومن وزارة الثقافة إلى المؤتمر الإسلامي الذي كان يتولاه السادات، وظل هناك إلى أن طرد منه بسبب مقال شهير عن (الاتحاد القومي). ولكن سرعان ما تصالح يوسف إدريس والدولة، وأثمر الصلح تعيينه كاتباً في جريدة (الأهرام) وكانت أولى قصصه المنشورة (سنة 1969) هي قصة (الخديعة) التي كانت تهكما مريرا من الحضور الطاغي المخيف لجمال عبدالناصر الذي رمزت له القصة برأس جمل يظهر للبطل في كل مكان، ويطارده في كل مكان. وأدّت القصة الرمزية إلى فصله من (الأهرام) الذي سرعان ما عاد إليه بعد مصالحة مع الدولة، ولكنه لم يكف عن المشاغبة وإنطاق المسكوت عنه بواسطة الكتابة الرمزية، وذلك في السياق الذي انتهى بموت عبدالناصر الذي ارتبط به يوسف إدريس بنوع من التضاد العاطفي الذي يجمع بين الحب والكره، الإعجاب والنفور، شأنه في ذلك شأن كثير من كتّاب جيله الذين هاجموا عبدالناصر - رمزيا على الأقل - طوال حياته، وبكوا عليه بكاء حاراً كشف عن حبّهم الدفين بعد وفاته. ولا غرابة - والأمر كذلك - في أن يكون يوسف إدريس الذي كتب (العسكري الأسود) (1961) لمهاجمة المعتقلات الناصرية وأتبعها بقصص من مثل (مسحوق الهمس) و(العملية الكبرى) وغيرهما من القصص التي تتحدث عن المعتقلات الناصرية كما تحدث عن نتائج تسلط القيادة أو سقطاتها، أقول: لا غرابة في أن يكون يوسف إدريس الذي هاجم عبدالناصر أعنف الهجوم بقصصه الرمزية هو نفسه يوسف إدريس الذي يكتب في (الأهرام) بعد رحيل عبدالناصر، مناجيا الزعيم الخالد بقوله: (يا أبانا الذي في الأرض - يا صدرنا الحنون الكبير)، ويتابع النبرة نفسها قائلا: (أصبحت الدنيا لأول مرة بلا عبدالناصر، ونحن لم نتعود أبدا أن نتنفس هواء لا يتنفسه هو، ولا أن ننام إلا ونحن نحس أنه هناك في كوبري القبة، ولا أن نستقبل الصباح إلا على صورة له وابتسامة). زمن السادات وقد ظلت علاقة يوسف إدريس بالزمن الساداتي علاقة شد وجذب، حاول الطرفان الإبقاء على شعرة معاوية، وذلك بما أتاح لجسارة الكاتب أن تواصل تعريتها لكثير من السلبيات إلى أن توفي السادات في أكتوبر 1981، على أيدي الجماعات التي رعاها ليقمع بها اليسار القومي والناصري والماركسي على السواء.
25
length436suspicious-document0357segment
(وقد تكشفت خبايا هذه الحرب في كتاب ف.ن. سوندرز (الحرب الثقافية الباردة) الذي ترجمه فك الشيفرة متميزة طلعت الشايب، وأصدره المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عام 2002) وعندما تكشف الجانب السلبي لجائزة (حوار) وعلاقة المجلة بالقوى الاستعمارية، وأصبح ذلك حديث آلاف المثقفين الوطنيين والقوميين، اتخذ قرارا يوسف إدريس الاعتذار عن الجائزة ورفضها، تضامنا معا الموقف القومي العام المعادي لتوجهات المجلة التي سرعان ما أغلقت بعد ذلك بسنوات معدودة من افتضاح أمرها.
(وقد ظهرت خفايا هذه الحرب في كتاب ف.ن. سوندرز (الحرب الثقافية الباردة) الذي ترجمه ترجمة رفيعة طلعت الشايب، وأخرجه المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عام 2002) وعندما ظهرت الوجه السلبي لجائزة (حوار) واتصال المجلة بالقوى الاستعمارية، وأصبح ذلك حَديث آلاف المثقفين الوطنيين والقوميين، اتخذ قرارا يوسف إدريس بالاعتذار عن الجائزة وعدم قبولها، تآزرا مع الرأي القومي العام المعادي لتوجهات المجلة التي سرعان ما أغلقت بعد ذلك بأعوام قليلة من كشف أمرها.
26
length2649suspicious-document0357segment
ثم طلب إليّ صديق لا أقوى على رده أن أشتغل في الأجزاء التي لم تصدر من كتاب أنساب الأشراف للبلاذري وبدأت بالجزء الثاني منه وسميته: علي وبنوه وأصدرته وما إن ظهر في الأسواق حتى بدأ الناس يسألونني عن الجزء الأول، فأجيب بأنه صدر من قديم بتحقيق د.محمد حميد الله، ولتلبية لرغبتهم أعدت تحقيق الجزء الأول عن نسخة المخطوطة الموجودة في المكتبة العامة المغربية، وبمساعدة نسخة الخزانة الملكية في الرباط ونسخة اسطنبول، وهكذا إلى الجزء الثاني عشر وكان آخر الأجزاء من تصنيف البلاذري رحمه الله، فأدركته المنية ولم يكمل (مضر) فأسقط بطنا من ثقيف وبني عامر بن صعصعة جميعهم، فأصدرت الجزء الثالث عشر وأكملت فيه (مضر) ثم أصدرت الرابع عشر والخامس عشر، وفيه كمل نسب العدنانيين وذلك على نفس طريقة البلاذري وسميته: (المستدرك على أنساب الأشراف للبلاذري) من تأليف محمود الفردوس العظم، وبدأت بالسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والأجزاء الثلاثة هي تحت الطبع، وبدءا من الساس عشر وهو نسب القحطانيين، وأظن أنه سيصل إلى الجزء الأربعين، وقد لاقيت الأمرين من المفهرسين فقد فهرسوا الجزء الأول وحتى الثالث، وبدءا من الرابع وما بعد فأنا الذي فهرسته، ولكن على الطريقة الحديثة، فجعلت بجانب كل اسم علم السبب الذي ذكر اسمه من أجله، ثم رقم الصفحة، وذلك تسهيلا على القارئ والباحث إذا أراد أن يعرف خبراً محدّداً عن إنسان ما فيلقى بغيته في الفهارس، حتى قال لي أحدهم: والله يا محمود إن الذي يقرأ فهارسك يأخذ ملخصاً عن الكتاب. علم النسب كان أبان بن الوليد البجلي عاملاً على واسط لابن عمه والي العراق، في عهد هشام بن عبدالملك أمير المؤمنين، خالد بن عبدالله البجلي ثم القسري، ولما قال الشاعر الكميت بن زيد الأسدي قصائده الهاشميات ومدح فيها بني هاشم وهجا بني أمية، كتب أمير المؤمنين هشام إلى عامله على العراق خالد بن عبدالله أن يقطع لسان الكميت بن زيد ويديه ورجليه، فأخذ خالد الشاعر الكميت ووضعه في الحبس، وبلغ الخبر أبان بن الوليد وكان صديقا حميما للكميت، فدعا غلاما له وأعطاه بغلا وقال له: أنت حر والبغل لك إذا لحقت الكميت قبل أن يقتل، وكتب إليه: بلغني ما صرت إليه فوالله لا أرى لك إلا القتل، فادع امرأتك وتخمّر بخمارها والبس ثيابها واخرج، فإن خالدا لا يتعرض للنساء، وإن تعرض لها فسيمنعه قومها بنو أسد، فلحقه الغلام وأبلغه الرسالة، فدعا الكميت امرأته حتى وافته إلى الحبس ومعها جاريتها فقص عليها الخبر، فقامت وخمّرته بخمارها وألبسته ثيابها وقالت له: أقبل وأدبر، ففعل، فقال والله لا أنكر شيئا منك إلا يُبسا في كتفيك، يعني تخلّع كما تتخلع النساء في المشي - وقالت: اخرج على بركة الله واتبعته جاريتها فخرج ولم يؤبه له واستخفى في بني أسد إلى أن نام الطلب عنه فخرج حتى لحق بالشام واستجار بمسلمة بن هاشم بن عبدالملك، فقال له: لا أجير على أمير المؤمنين ولكن أحتال لك، فإن معاوية بن هاشم قد مات منذ قريب وكان يخلفه لولاية العهد فقبره أمام القصر لينظر إليه في صباح كل يوم، فأخرج إلى بر واضرب فسطاطك عليه، فإذا أخذوك فسأرسل إليك أولاد معاوية ليمنعوك، ففعل ففي الصباح نظر هشام إلى القبر فشاهد الفسطاط فقال: ما هذا؟
27
length551suspicious-document0357segment
هذا الطفل كان "سليم علي"، وكان د. ملرد Millard هو أمين سر جمعية (BNHS) Bombay natural history society الإنجليزي الجنسية، والذي أمسك نظره حرص الفتى الصغير على إدراك صنف الطائر الذي اصطاده في غدوة معا خاله. بعد الإجابة على سؤاله، اصطحبه في جولة بالجمعية، وأطلعه على المجموعة الفريدة التي تضمها من الطيور.. صدم الفتى الصغير، وكان لهذا الموقف أثره في اكتشاف حبه الفطري للطيور، وليكتب اسمه عالماً مرموقاً في علم الطيرOrnithology . أرسل د. صائب ماعز الدين عبد الله إرتقى في 12 من الشهر الحادي عشر في عام 1896، كانت أسرته عائلة ثرية مترابطة، وكان صائب ماعز أصغر إخوته العشرة..
28
length181suspicious-document0357segment
قامت الدنيا عليه في جامعة يتنفذ فيها يهود نيويورك، ولم يبال بعرائضهم المطالبة بطرده، يقول: لم أملك إلا أن أقف على الحدود اللبنانية وأرمي المحتلين بحجر، والتقطت الصورة له وهو يرجمهم.
29
length110suspicious-document0357segment
وحصل على عدة جوائز منها "جائزة أحسن بحوث مقدمة لمؤتمر البترول العربي عام 1975م، وجائزة مصطفى بركة للجيولوجيا".
30
length3011suspicious-document0357segment
فسافرت بصحبته إلى جدته في تركيا، ولما دخلنا بيتها قال لها: يا جدة قد أتيتك بمن يحدثك عن قبيلتك فهو يعرف عنها الشيء الكثير، فجلسنا وتحدثنا كثيراً عن قبيلة نمير وكان البيت قد امتلأ بالرجال من أقاربها، وقالت لي الجدة بلهجة عربية تشوبها لكنة: لي عندك سؤال يا ولدي، فقلت: هات، فقالت لا نعرف هنا لماذا نحن نحب أن نسمي أولادنا صعصعة، فهذا ابني اسمه صعصعة، وابن أختي اسمه صعصعة، وابن عمي اسمه صعصعة، فقلت: لأن جدكم الأكبر عامر بن صعصعة لأن نميراً من بني عامر صعصعة وقمنا نعود إلى سوريا، فأقسمت بالله ألاّ نخرج من بيتها قبل الغداء، وقامت آخذة بيد ابنها صعصعة إلى كبش ساح مربوط بأرض الدار فذبحه ابنها وبقينا حتى تغدينا وعدنا، وهذه الحادثة شجعتني على تحقيق الجمهرة لأربط بين هؤلاء القوم وأصولهم العربية. وبدأت أبحث عن مخطوط الجمهرة فعلمت أن أحدهم قد اختصر الجمهرة وسماه مختصر جمهرة ابن الكلبي، وكان هذا المخطوط غير معروف إلى أن اكتشفه المرحوم العلامة الشيخ حمد الجاسر في مكتبة راغب باشا في اسطنبول، حيث كان مكتوبا على غلافه: كتاب التبيين في نسب القرشيين، فنظرإليه وإذا على الغلاف طُرّة مكتوب فيها: هذا ما أنعم الله به على عبده عبدالقادر بن عمر البغدادي وهو مختصر جمهرة ابن الكلبي، ولم أعرف مصنفه. ثم اكتشفت مصنفه وهو يحيى بن المبارك الغساني الحمصي، جفل يوم هجوم التتر على حمص وصعد الجبال لا يحمل معه سوى كتبه، فخرج قطب الدين اليونيني من بعلبك إلى الجبال ليتلقاه فوجده قد مات في إحدى القرى، فأخذ الكتب ومن جملتها مختصر الجمهرة وعلق عليه حواشي كثيرة بلغت أكثر من الأصل بأربع مرات وأكثرها من كتب مفقودة الآن كفتوح الشام لابن الكلبي وسيرة محمد بن عائذ الله الدمشقي التي يقال عنها أعظم السير، وهذا المختصر قد حققته وسأنشره بخط يدي كما فعلت بالجمهرة قريبا إن شاء الله، وكذلك ياقوت الحموي قد اقتضب الجمهرة وسماه المقتضب في جمهرة النسب لابن الكلبي، وبعد جهد وكد وعذاب تمكنت من الحصول على تلك المخطوطات الثلاث، لأستعين بها على كتابة العشائر العربية في الشام بدءاً من الجاهلية وحتى الآن. مع الكنانات العربية وكنت في زيارة لصديقي الأستاذ أحمد راتب النفاخ عضو مجمع اللغة العربية بدمشق تغمده الله برحمته، وتطرّق الحديث إلى الشاعر الفارس أسامة بن منقذ فقال المرحوم الأستاذ أحمد: أسامة بن منقذ الكناني ووقف، فقلت له: هو ليس كنانيا ولكنه كلبي،فغضب وأرعد وقال لي: يا محمود إليّ تقول هذا! قلت: نعم، وهل يجب السكوت على الخطأ، فخذ ديوانه ولننظر ممّن هو، فأتى بديوانه وبدأ يقرأ أسامة بن منقذ بن... ووقف عند كنانة، وقال ألم أقل لك بأنه كناني، فقلت له: كأنك يا أستاذ اتبعت قول أبي نواس: لا تقربوا الصلاة، فأكمل النسب وإذا به يقرأ ابن ثور بن كلب بن وَبَرة، فوقف وقد ذهل، فقلت له: لا عليك يا أستاذ، هناك في القبائل العربية ثلاث كنانات: كنانة عُذرة، وكنانة كلب، وكنانة مدركة التي منها قريش وهي أشهر الكنانات فعندما تصل في النسب إلى كنانة يتبادر إلى ذهنك الكنانة الأشهر فتقف عندها ومن هنا يأتي الخطأ. فسكت برهة وهو يفكر ثم قال لي: يا محمود مادمت هكذا تحفظ الأنساب ولك هواية في تتبع النسب، فلماذا لا تحقّق الجمهرة، وقد لا يأتي بعدك من يهتم بعلم النسب، خاصة أنك الآن الوحيد الذي لك هذه الهواية، فقلت: هذا المستشرق ليفي دلافيدا أمضى في تحقيقه ثلاثين عاماً وأخفق، وأتى بعده المستشرق كاسكل فأصدر مشجرات ولم يصدر الكتاب، وهذا عالمنا الشيخ حمد الجاسر لم يقدم لتحقيقه فأين أنا من هؤلاء؟ فقال لي: يا محمود هل علبة الثقاب الفارغة أفضل أم التي فيها عشرة أعواد؟
31
length221suspicious-document0357segment
وترى المسك وثياب الوشى المنسوجة تتخاطفها أيدي تلك الجموع! حقاً! لقد كان ذاك العُرْس أعجوبة من الأعاجيب! ولقد كان العروسان أسعد من تلك الجموع.. وأعظم بهجة بالتلاقي! ذاك عُرْس كان أحلى ما فيه؛ أنَّه جمع بين بحرين في الجود..
32
length175suspicious-document0357segment
عيون هائمة في عالم مجهول، وأجسام ضامرة، وأفواه مشدودة لا تعرف الابتسامة إلا إذا وجد صاحبها في نظرات الآخرين الاعتراف بأنه فاقهم في تحليل، أو بزّهم بفكرة، أو سبقهم إلى استنتاج.
نظرات هائمة في عالم غامض، وأبدان ضامرة، وأفواه مشدودة لا تتقن الابتسامة إلا إذا وجد مالكها في عيون الغير الإقرار بأنه تميز عنهم في تحليل، أو بزّهم بفكرة، أوبا درهم إلى استنتاج.
جزا الله خيرا من تكفل بهذا الجزء
33
length3041suspicious-document0357segment
وللأسماء مكان وأبدأ بأمي - الحانية الحازمة - التي لا أحتاج إلى سياق أضعها فيه، كما أذكر من طفولتي وصباي ابن عمي (عمر) الذي علمني السباحة، في الترعة السوهاجية، فمكنني من أن أسبح بعد ذلك مطمئنا في مياه البحر في كل المصايف المصرية، وفي حمام السباحة الدافئ المغطى في جامعة لندن، وابن عمي (أحمد) الذي كان يقود أفراد عائلتي - وأنا منهم - في المعارك الجسورة مع صبيان العائلات الأخرى، ويدفع عني بصفة خاصة ضربات لم يكن تكويني الدقيق قادراً على تحملها، والشيخ (هرون) أول من علمني الحروف، وسمح لي في يومي الدراسي الأول بالانصراف مبكرا والعودة إلى حضن أمي، في وقت كانت فيه النظم المدرسية - حتى في المرحلة الأولى الإلزامية - شبه عسكرية، والشيخ (علي) من حفظت على يده القرآن كله، وأعطى أسرتي وعدا بأنني مؤهل للالتحاق بالأزهر - وصدق وعده، وشقيقي الأكبر (محمد) الذي كفكف - أول عهدي بالأزهر - من غلواء روحي الجامحة، وأعادني في رفق أخوي إلى جادة الطريق، وصفية، ونعيمة، وفاطمة، ورابعة، صبايا في عمر الزهور، كن يصحبننا مثرثرات صباحا في الطريق إلى المدرسة، ومساء في طريق العودة، فيملأن حياتنا - نحن الصبيان - سعادة ومرحا وأوهاما، وابن خالتي (محمد الصغير) الذي قرأت في خزانته - وأنا في السادسة من عمري - (الأهرام)، و(المصور)، و(الإثنين)، و(السمير الصغير للهراوي)، وقصص (شرلوك هولمز)، ثم تعهّدني في دروس الحساب دون مقابل طوال سنواتي، وقدمني إلى طعام البندر وحلواه. ومن مرحلة الأزهر المتقدمة أتذكر محمد عبداللطيف، ومحمود حماد، وعبدالخالق نجاتي، ومأمون ياسين. عشنا معا أحلى مشاعر مرحلة الشباب المبكر، وسعدنا بالصداقة التي ساعدتنا على عبور المراهقة بأمان، وكوّنا حلقة قراءة في مكتبة الأمير فاروق، وثرثرنا حول المستقبل المشرق، وكانت لنا مغامرات صغيرة بريئة في شارع الحمراء في أسيوط، وتبادلنا الرسائل المشبعة بالشاعرية في عطلات الصيف، معتمدين على العبارات التي (تقطّع القلب) من (العبرات) و(النظرات)، و(الشاعر)، وبقية كتب المنفلوطي. وإلحاقاً بعهد المراهقة وأول الشباب لا أنسى (صاحبة الرداء الأبيض) - فراشة لاحت لي في شرفة تحت ضوء مصباح خافت، يحول بيني وبين ملء عينيّ منها ظل الشجر. كنت أعد نفسي للشهادة الابتدائية سنة 1949، وهي تستذكر لامتحاناتها. تبادلنا النظرات والابتسامات - دون الكلام - وجاء من حملها ذات مساء ناعم حزين إلى قريتها. لا أعرف لها اسما، أو مدرسة، أو اسم قرية، ولكنني حملت منها في ذاكرتي نظرة وداع طويلة لاتزال ترسل إشعاعها في روحي على مدى نصف قرن من الزمان. من الشرق إلى الوسط ومن مرحلة القاهرة المبكرة أتذكر محمدأبو المجد وعبدالرحمن حسين، صديقين قدماني إلى دار الكتب المصرية في باب الخلق، وإلى دار الشبان المسلمين في شارع رمسيس، وإلى قهوة الفيشاوي، وشاطئ النيل، وحملاني إلى تخوم الثقافة وآمال المستقبل، ولكنهما لم ينجحا في جعلي أستمر في (مشروع) رياضة كرة السلّة - وقد مارستُها زمنا - لأن (المشروع الثقافي) كان قد بدأ يجتاحني اجتياحا. كذلك أتذكر من هذه المرحلة أحمد مختار عمر، وعمر أبو العز، ووجيه جلال، ومحمد طربوش، وصدقي الشحات، الذين عبروا معي من مرحلة (الشرق) إلى مرحلة (الوسط) - وقد أشرت إليهما - وكوّنوا في حياتي (بنية عميقة) لم أكن من دونها قادراً على الاستمرار ومن مرحلة دار العلوم أتذكر فـــاروق شوشـــة، وأبو المعاطي أبو النجا، وإسماعيل هاني، وإسماعيل الصيفي، وبقية شعراء (الدار) الذين شاركتهم التعلق بأحلام المجد الأدبي. ثم مجموعة الطالبات اللاتي أحدثن زلزالا في نفوس الأزهريين الريفيين الذين فاجأهم - على الكبر - هذا النوع من التعليم المختلط.
34
length552suspicious-document0358segment
واحد من أضخم علماء القرن العشرين في علم الطيور الملقب بـ "رجل الطير الهندي". هكـذا كانت البداية بدأ طفل في العاشرة من عمره على أمين سر جمعية التاريخ الطبيعي ببومباي B.N.H.S أعطى يده عصفور دوري صغير Sparrowبرقعة صفراء على رقبته.. يسأل عن صنف هذا العصفور. هذا الطفل كان "سليم علي"، وكان د. ملرد Millard هو أمين سر جمعية (BNHS) Bombay natural history society الإنجليزي الجنسية، والذي أمسك نظره حرص الفتى الصغير على إدراك صنف الطائر الذي اصطاده في غدوة معا خاله. بعد الإجابة على سؤاله، اصطحبه في جولة بالجمعية، وأطلعه على المجموعة الفريدة التي تضمها من الطيور..
35
length586suspicious-document0358segment
ريتشاردز، وأنطون غطاس إكرامية في توغّله الإبداعي اجتاز المدارس الأدبية المختلفة من الرومانسية إلى السوريالية وما بعد الحداثة وهو الذي - بقدسية الكلمة لديه - دفعني لمتابعة الدراسة حتى الدكتوراه. تعددت الدروس التي أفادتني من هذه الكوكبة المميزة. وإن شئت أن أختصرها بدرس واحد لا أنساه فهو ملكة الكاتب على إعادة هندسة العالم بحيث يغتسل من أدرانه وأوجاعه من أجل حياة جديدة. عام 1970 صدرت مجموعة كتاباتي الشعرية الثانية بعنوان (على ضفة الأرجوان) فأشار إصدار من النقاد إلى ما معناه أن الكتاب الماضي في رمزية تأخذ شكلها الجماعي الاقتحامي. وهنا أكتفي بناقدين اثنين ساهما في بلورة خصائص هذا العمل الجديد.
36
length196suspicious-document0358segment
ومن هنا فوفاة الدجاني تظل خسارة ليبية، وعربية وفلسطينية مجموعة. وعرف الدجاني بنشاطه في المؤتمرات والندوات العلمية، وحاضر في لندن كثيرا حيث دعته جمعيات ومؤسسات فلسطينية وعربية قومية لتقديم محاضرات.
37
length1074suspicious-document0358segment
وهو عربي، فقد عشق اللغة العربية منذ الصغر وحفظ القرآن وهو في العاشرة وقرأ أمهات كتب اللغة من ألفية ابن مالك إلى شرح السيوطي إلى المغني في صباه الباكر. وهو يقضي معظم وقت تعليمه في قراءة القرآن وتدبر معانيه، والكثير من اجتهاداته الفقهية مبنية على التفسير اللغوي للقرآن متأسيًا في ذلك بالعلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعرواي والذي يقدره الكبيسي كثيرًا. وقد تولى الكبيسي عددا من المناصب العلمية في كثير من الجامعات والأكاديميات الإسلامية منها رئاسة قسم الشريعة في كلية الحقوق بجامعة بغداد، وقسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية ببغداد، وقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الإمارات (وهو أحد مؤسسيها)، كما اختير عضوا بالمجلس الأعلى في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وللشيخ الكبيسي ما يقارب الثلاثين إصدارًا من مؤلفات وأبحاث منشورة في شتى المجالات من أهمها: المرأة والسياسة في صدر الإسلام، وفلسفة نظام الأسرة في الإسلام، والأحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ( جزآن)، وأحكام جناية السرقة في الفقه والقانون، والفقه الجنائي الإسلامي، وأحسن القصص في القرآن الكريم، والقضاء في الإسلام، وفي رحاب القرآن، والغبن والتغرير في عقد البيع، والتركة: تكوينها ومدى تعلق الحقوق بها.
38
length1260suspicious-document0358segment
قالها د. الباز وهو يحكي قصة هجرته؛ ففي ديسمبر من عام 1966م وبعد سنة من المعاناة، قرَّر أن يسافر سرًّا إلى أمريكا؛ خوفًا من الظروف السياسية الشائكة التي كانت في مصر آنذاك. وهناك بدأ في رحلة شاقة للبحث عن عمل، ونظرًا لوصوله بعد بدء العام الدراسي، فلم تقبله أي جامعة من الجامعات؛ فأخذ يبعث طلبات التحاق إلى الشركات جاوزت المائة في عددها، إلى أن بعثت له "ناسا" التي كانت تطلب جيولوجيين متخصصين في القمر الموافقة وسط دهشة د. فاروق. والعجيب أنه لم يكن يعلم شيئًا عن جيولوجيا القمر، ودخل ناسا وهو لا يعلم أنه سيكون له فيها شأن. وقد وفَّقه الله إلى أحد المؤتمرات الجيولوجية والتي تحدَّث فيها علماء القمر عن فوَّهاته ومنخفضاته وجباله. لم يفهم شيئًا، وهو ما قيل طيلة ثلاثة أيام متواصلة، وحينما سأل أحد الجالسين عن كتاب يجمع هذه التضاريس، أجابه قائلاً: "لا حاجة لنا إلى أي كتاب فنحن نعرف كل شيء عنه".. حرَّكته الإجابة إلى البحث والمعرفة، ودخل المكتبة التي ضجَّت بالصور القمرية التي يعلوها التراب، وعكف على دراسة 4322 صورة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، وتوصل إلى معلومات متميزة. قفزة التحول اكتشف د. الباز أن هناك ما يقرب من 16 مكانًا يصلح للهبوط فوق القمر، وفي المؤتمر الثاني الذي حضره. كان د. الباز على المنصَّة يعرض ما توصَّل إليه وسط تساؤل الحاضرين عن ماهيته، حتى إن العالِم الذي قال له من قبل نحن نعرف كل شيء عن القمر قام وقال: "اكتشفت الآن أننا كنا لا نعرف شيئًا عن القمر".
39
length313suspicious-document0358segment
فتظهر في لوحته (صيد العرب للصقور) صورة الفرسان العرب على صهوات جيادهم الرشيقة يتابعون انتقال الصقور في السماء على عدة فصل تتوزع على امتداد مجرى مائي (ساقية، أو نهير) بينما تلف فضاء اللوحة غلالة ضبابية شفافة من انعكاس ضوء المساء الأصفر الباهت على صفحة الماء الفضية، بحيث تشترك السماء والأرض في سيمفونية لونية متناغمة!
40
length1371suspicious-document0358segment
وهو تدريب يتطوّع لإخضاعنا له جميع من حولنا دونما استثناء تقريباً، وبكثير من حسن النيّة، كي نتحوّل إلى أعضاء نظاميين مدجّنين حسب الأصول والتقاليد والأعراف السائدة في ظل النظام الاجتماعي الذي ننتمي إليه بالولادة. وهكذا سوف نتشابه ونتماثل إلى حد بعيد، ليس في تجمّعنا وتكاتفنا فقط، وإنما أيضاً في تنابذنا وصراعاتنا. لن ينجو أحد من هذه الآلة الجبّارة التي تتقن عملها جيّداً في صهر البشر وتحويلهم إلى كتلة متجانسة وهم يتوّهمون أنهم أفراد أحرار في مجتمع حر. لن ينجو أحد حتى الموهوبون إبداعياً في التعبير الأدبي أو الفني عامة. لن ينجو أحد منهم من طغيان هذه الآلة، بل ربما كان هؤلاء الموهوبون أكثر من غيرهم تعرّضاً لحماسة الآخرين في الوصاية عليهم خوفاً على مواهبهم من الضياع - كما يزعمون - والموهوب هو أكثر الناس إحساساً بهذا المأزق وضرورة التحرّر منه. وقد ينقضي العمر من دون أن يُتاح له أن يستقل بوجوده الخاص وكيانه الشخصي كي يكون هو ذاته فيما يكتبه أو يقوله أو يصوّره. وحين ينتبه أحدهم إلى لعبة التماثل الرهيبة هذه، سيجد - عادة - أنه قد غدا صعباً عليه إعلان عصيانه وتمرّده على السلطة الخارقة للنظام السائد، كي يمارس حقه الطبيعي في خصوصيته المتفرّدة، ولكي يغدو (عدنان) هو (عدنان) ذاته فعلاً، و (سعاد) هي (سعاد) ذاتها وليس أيّ شخص آخر. إن خير ما يقال في تلخيص السيرة الإبداعية لأي مبدع موهوب هو أنها المحصلة للصراع الأبدي والمتوارث بين (الذات) و (الموضوع) أو بين (الأنا) و (الآخر)، وأين وكيف تتوازن المعادلة بين الطرفين في أن لا يطغى أحدهما على الآخر، وصولاً إلى إبداع حقيقي أصيل.
41
length210suspicious-document0358segment
ما شعرت يوماً بحضور أمين الريحاني في حياتي أكثر من حضوره آنذاك. فقد كان المرافق الخفي الذي يفتح لي أبواب المجالس الأدبية والسياسية والفنية في كل من بغداد والموصل والبصرة وبابل وسامرّاء وسواها من المدن العراقية.
ما أحسست يوماً بوجود أمين الريحاني في حياتي أكثر من وجوده وقتها. فقد كان الرفيق المستتر الذي يفتح لي أبواب المجالس الأدبية والسياسية والفَنية في كل من بغداد والموصل والبصرة وبابل وسامرّاء وغيرها من المدن العراقية.
42
length623suspicious-document0358segment
ما أذكره من أيام طفولتي محطات أخرى كثيرة: طيور السنونو وهي تحلق في استهلال الخريف أو تصطف متكاتفة على أسلاك الكهرباء أمام شرفة منزلنا، وأرتال البغال تأتي بأكياس الزيتون المبللة وتطرحها أمام معصرة الزيتون بالقرب من حيّنا، ورائحة الزيت وهي تنتشر متطايرة يحملها النسيم البارد فتملأ أنوفنا الصغيرة، وضجيج حجر الرحى وهي أحاط في المعصرة وتدور بلا توقف، والشتاء المنهمر يبلل رءوسنا الصغيرة خلال الأيام الأولى من السنة المدرسية، والفيضان الذي غمر أحياء المدينة القديمة بعد أيام عدة من الأمطار الغزيرة المتواصلة، والشوارع القاتمة الحزينة والوجوه المكفهرة بعد أخبار هزيمة يونيو 1967، ووفاة حسن عبدالناصر ومظاهرات الغضب والحزن الرافض.
43
length310suspicious-document0358segment
فتأمَّلي يا أمَةَ الله في مفاخر واحدة من إبنة جنسك.. لم يقعدها عن الـمكارم ضعف النساء.. ولا حبّ الدَّعَة!. أوفى صورة آخر لتلك الحرة الـمصُونة.. أخضعت فيه القلوب لفضلها.. فهي مذعنة لـها بشرف الـمنزلة.. ونُبْل الفِعَال! دخلت على الـمأمون في مرَّة من الـمَّرات.. فقالت له:(الحمد لله الذي ادخرك لي لـما أثكلني ولدي!
44
length1120suspicious-document0358segment
وذات يوم وأنا متمدد علي يطغى الزنخ في ذلك الاسطبل (الذي صار عالمي وسجني) جاء أحد الجنود هارعا وهو يمسك بجريدة متسخة وجدها في حاوية الأوساخ: أهذا أنت يا رجل؟ نظرت إلى الجريدة، كانت صورتي وسط مقالة طويلة كتبها الناقد المعروف عبد الجبار داوود البصري عن مجموعتي تلك (انتظريني تحت نصب الحرية).. ياه.. طرت من الفرح، ثم اصطدمت بسقف الصفيح الوطيء. كانت هي أول مقالة أقرأها في حياتي عن أول ديوان لي... لكن أين أنا الآن؟... ودون أن أدري اتكأت على كوة الاسطبل وانهمرت ببكاء مرٍّ.. السير في حقل الألغام كيف تسنى لي أن أخرج من تلك الأوحال والأسلاك والحروب، بحلمٍ غير معطوب، وقلم غير مسلوب، إلى آخر تلاوين السجع، وما يحمله من إيقاع كأنه الأنين، وقد عشت المشهد برمته، فاتحا عيني على اتساعهما، لأرى كل شيء آخذا باستشراف الرائي الأول كلكامش، أبي الأول (الذي رأى كل شيء.. وخبر البلاد)، وبهوس ابن المقفع الذي كان يرى أن رؤية الأسد (تُجرّؤكَ) عليه، قبل أن ينتبه الرقيب العربي الأول إلى سحر التورية وفعلها الجريء في خطاب (كليلة ودمنة)، فيلقي به في تنور مسجور.. آخذا باندفاعة المتنبي وشطحات النفري وعربدة أبي نواس وخشبة دعبل.. باشراقات رامبو، بزيتون لوركا، بعبث سافو، بسونيتات شكسبير، بعشب والت وايتمن، بتموجات سان جون بيرس، بتلويحات كافافي..
45
length459suspicious-document0358segment
ويقتبس مفدى زكريا صور أمير الشعراء أحمد شوقي للشعراء (أنتم العالم أيها الشعراء) كما يُعرِّض بشعر نزار قباني في ديوان "طفولة نهد"، وذلك في قوله: "قد لا يجد عشاق ما يسمونه بالشعر الجديد في "اللهب المقدس" ما يشبع غرائزهم المشبوبة في أسفل سافلين النهود والبراعم والفساتين، ولكن سيجد فيه (الشعراء الناس) علاقة استرحام وثقى بعزّ أمجادهم، وتجاوبا صادقاً معا مشاعر العروبة الزاحفة في جميع أرض عرب يقدر ما لكلمة "عروبة" من شرف وجلال، وعسى أن أكون قد أرضيت ضميري وثورة بلادي وعروبتي".
46
length3207suspicious-document0358segment
ولم يمنع احترام جول لأستاذه قوطان وزعيمه أربكان من الاختلاف معهم في الرأي وأن يقوم هو والطيب أردوغان بقيادة حركة تجديدية داخل التيار الإسلامي في تركيا، وبالفعل ترشح جول في أيار 2000 لرئاسة الفضيلة ضد قوطان في سابقة تاريخية في الأحزاب الإسلامية أن يتنافس أكثر من مرشح، لكن تأييد أربكان الزعيم الإسلامي التاريخي لخليفته قوطان أفشل مساعي التجديديين في النجاح.. فأعلن جول عن قيام حزب العدالة والتنمية عام 2001م. أول خطوات المشوار ولد عبد الله جول بمحافظة قيصري في 26/10/ 1950م، لوالده أحمد حمدي جول الذي يعمل في مصنع الطائرات بقيصري، وهي من المحافظات الشهيرة بالتمسك بالإسلام والعادات والتقاليد الشرقية، حيث كانت قيصري أحد أهم مراكز الثقافة الإسلامية القديمة التي ذاع صيتها أيام الدولة السلجوقية (1071 – 1299م). بعد انتهائه من التعليم الابتدائي بمدرسة غازي باشا، والثانوي بمدرسة الأئمة والخطباء، تخرج في كلية الاقتصاد جامعة إستانبول عام 1972 ثم حصل على درجة الماجستير، وذهب بين 76-1978 لجامعة لندن لجمع المادة العلمية اللازمة لرسالة الدكتوراة؛ مما مكنه من إجادة الإنجليزية تماما. وفور عودته من إنجلترا وحصوله على درجة الدكتوراة في موضوع: تطور العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم الإسلامي، عيّن مدرسا للاقتصاد بقسم الهندسة الصناعية بجامعة سقاريا بتركيا، لكنه ما لبث في 1980 أن ألقي القبض عليه من قبل الشرطة العسكرية، وفقا لتعليمات الجنرال كنعان إيفرن بتهمة الانتماء لمجموعة "السنجق"، وبينما كان في الأيام الأولى لزواجه من "خير النساء" فإنه كان يقضي عدة أشهر بسجن "متريس" الشهير في إستانبول. عمل من 83-1991 في بنك التنمية الإسلامي بجدة كخبير اقتصادي، مما مكنه من الإلمام بالعربية، وفي عام 1991 حصل على درجة أستاذ مساعد في الاقتصاد الدولي. سوابق سياسية أم هبوط بالمظلة؟ لم يهبط جول لرئاسة الوزارة بالمظلة.. لكنه رجل ذو تاريخ سياسي حافل.. ففي مرحلة مبكرة من شبابه انضم لمجموعة أطلق عليها "نادي فكر الشرق الكبير"، كما كان عضوا في "اتحاد الطلاب الأتراك"، وانتخب عضوا برلمانيا لحزب الرفاه عن محافظة قيصري 1991، ثم مسؤول العلاقات الدولية بحزب الرفاه 1993، ومن 1995- 2001 كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي. حصل على ميدالية شرفية كعضو دائم بالمجلس الأوروبي، كما مثل تركيا في برلمان الدول الأعضاء بحلف الأطلنطي، وطالما عبر عن دعمه في البرلمان لقضايا دول مسلمة مثل: الجزائر، والبوسنة، والشيشان، كما يصفه البعض بأنه أحد مهندسي مشروع حكومة حزب الرفاه "مجموعة الثمانية الاقتصادية الإسلامية". انضم لحزب العدالة والتنمية بعد إغلاق حزب الفضيلة أغسطس 2001 وهو نائب رئيس الحزب للشؤون القانونية والعلاقات الدولية. مؤثرات في حياته لقد شب عبد الله فرأى والده أحمد حمدي جول الأناضولي المتديّن، عضوا في حزب السلامة الوطنى بزعامة أربكان، وعضوا مرشحا للمجلس النيابي في 1973، كما يمكن أن نقول إنه تربى على أفكار الزعيم نجم الدين أربكان، فقد كان عبد الله شابا واعيا في التاسعة عشرة حين بدأ أربكان حملته عام 1969 للحفاظ على الهوية الشرقية الإسلامية لتركيا؛ ولذا فإنه انضم لحزب الرفاه عند ظهوره، لأنه وجد في أربكان الزعيم الذي يحلم به وفي الرفاه الحزب الذي يرضي حسه الإسلامي. واللافت للنظر أن ممن أثروا على جول كذلك عدد من الأدباء والشعراء مثل الشاعر جميل مَريتش، وكذلك الشاعر الراحل/ نجيب فاضل الذي تربى على يديه جيل مسلم بأكمله في تركيا، وقد كان أول تعرفه عليه حين ذهب نجيب فاضل لمحافظة قيصري في لقاء فكرى وثقافي مدعواً من قبل نادى فكر الشرق الكبير الذي كان جول أحد أعضائه، كما أثرت فيه عدة شخصيات أكاديمية مثل الدكتور/ نوزت يالجين طاش، الذي منحه درجة الدكتوراة في الاقتصاد، وكذا رجل الاقتصاد الدكتور/ صباح الدين زعيم.
ولم يمسك احترام جول لمعلمه قوطان ورئيسه أربكان من الاختلاف مَعهُم في وجهة النظر وأن يقوم هو والطيب أردوغان برئاسة حركة تحديثية داخِل التيار الإسلامي في تركيا، وفعلا ترشح جول في أيار 2000 لقيادة الفضيلة ضد قوطان في سابِقة تاريخية في الأحزاب الإسلامية أن يتنافس أكْثر من مرشح، لكن دعم أربكان الزعيم الإسلامي التاريخي لخليفَته قوطان أحبط مساعي التجديديين في النجاح.. فصرح جول عن إنشاء حزب العدالة والتنمية عام 2001م. أول مراحل المشوار ولد عبد الله جول بمحافظة قيصري في 26/10/ 1950م، لوالده أحمد حمدي جول الذي يشتغل في مصْنع الطائرات بقيصري، وهي من المحافظات المشهورة بالتشبث بالإسلام والعادَات والتقاليد الشرقيّة، حيث كانت قيصري أحد أهم مراكز الثقافة الإسلامية السابقة التي اشتهرت أيام الدولة السلجوقية (1071 – 1299م). بعد انهائه التعْليم الابتدائي بمدْرسة غازي باشا، والثانوي بمدرسة الأئمّة والخُطباء، تخرج من كلية الاقتصاد جامعة إسطنبول سنة 1972 ثم تحصل على درَجة الماجستير، وراح بين 76-1978 لجامعة لندن لتحصيل المادة العِلميّة المطلوبة لرسالة الدكتوراه؛ مما مكّنه من إتقان الإنجليزية تماما. وفور رجوعه من إنجلترا وحصوله على درجة الدكتوراه في مجال: تطور العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم الإسلامي، نصب أستاذا للعلوم الإقتصادية بقسم الهندسة الصناعية بجامعة سقاريا بتركيا، لكنه ما لبث في 1980 أن قبض عليه من قبل البوليس العسكري، تبعا لأوامر الجنرال كنعان إيفرن بتُهمة الانتساب لجماعة "السنجق"، وبينما كان في الأيّام الأولى لزوَاجه من "خير النساء" فإنه كان يمضي كثيرا من الشهور بسجن "متريس" الشهير في إسطنبول. اشتغل من 83-1991 في بنك التنمية الإسلامي بجَدة كمختص اقتصادي، مما سمح له من فهم العربية، وفي سنة 1991 تحصل على مرتبة أستاذ مُساعد في الاقتصاد الدولي. سوابق سياسية أم هبوط بالمظلة؟ لم ينزل جول لترؤس الوزارة بالمظلّة.. لكنه رجل ذو تاريخ سياسي حافِل.. ففي فترة مبكرة من شبابه انضم لجماعة أطلق عليها "نادي فكر الشرق الكبير"، كما كان عضوا في "اتحاد الطلاب الأتراك"، واختير عضوا برلمانيا لحزب الرفاه عن محافظة قيصري 1991، ثم مدير العلاقات الدولية بحزب الرفاه 1993، ومن 1995- 2001 كان عُضوا في هيئة العَلاقات الخارجية بالبرلمان التُركي. تحصل على وسام شرفي كعضو دائم بالمجلس الأوروبي، كما مثل تركيا في برلمان الدول الأعضاء بحِلف الأطلنطي، وكثيرا ما أعلن عن مساندته في البرلمان لقضايا دول مسلمة مثل: الجزائر، والبوسنة، والشيشان، كما ينعته البعض بأنه أحد مؤسسي مشروع حُكومة حِزب الرفاه "مجموعة الثّمانِية الاِقتصاديّة الإسلامية". انخرط في حزب العدالة والتنمية بعد حل حزب الفضيلة آب 2001 وهو نائب رئيس الحزب للشؤون القانُونية والعَلاقات الدولية. مؤثرات في حياته لقد فتي عبد الله فرأى أباه أحمد حمدي جول الأناضولي المُتديّن، عُضوا في حزب السلامة الوطني برئاسة أربكان، وعضوًا مرشحا للمجلس النيابِي في 1973، كما يمكن أن نقول إنه ترعرع على أفكار القائد نجم الدين أربكان، فقد كان عبد الله فتى واعيا في التاسعة عشرة حين بدأ أربكان حملته عام 1969 للحفاظ على الهوية الشرقية الإسلامية لتركيا؛ ولذا فإنه التحق بحزب الرفاه عند إنشاءه، لأنه وجد في أربكان القائد الذي يحلم به وفي الرفاه الحزب الذي يُرْضي حسه الإسلامي. والملفت للنظر أنّ مِمن أثروا على جول كذلك عدد من الأدباء والشعراء كالشاعر جميل مَريتش، وكذلك الشاعر الراحل/ نجيب فاضل الذي نشأ على يديه جيل مسلم بِكامله في تركيا، وقد كان أول تعرفه عليه حين راح نجيب فاضل لمحافظة قيصري في لقاء فكرى وثقافي مدعواً من طرف نادى فكر الشرق الكَبير الذي كان جول أحد أعضائه، كما أثرت فيه عدة شخصيات أكاديمية كالدكتور/ نوزت يالجين طاش، الذي منحه درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وكذا رجُل الاقتصاد الدكتور/ صباح الدين زعيم.
47
length481suspicious-document0358segment
ويقول الدجاني إنه لم ير جده، فقد توفي أدخل ولادته بعامين، "وهو الذي قال لوالدتي: إذا جاءك ابنٌ سميه أحمد صدقي، فأنا أذكر هذه الصلة، وأذكر صورته التي كانت أعطى فيها عمامته، وثوب علماء الدين في ركز الديوان، وكنت أتأثر بما أسمعه من جدتي عنه، وعن الرحلة إلى طرابلس، كيف ذهبوا إلى إستانبول، ومنها كيف ركبوا الباخرة إلى مالطا، وكيف نزلت هي في شوارع مالطا بزيها الذي كان عبارة عن غطاء شديد السواد، وكيف كان هذا محل استغراب في مالطا، ثم كيف نزلوا في طرابلس، وكيف استضافهم أهل طرابلس الكرام.
48
length1523suspicious-document0358segment
أنا سأستمر على هذا، وليس عندي خصوصيات، والذي يستطيع أن يجلس معي أنا وهؤلاء الفقراء والمساكين يجلس، والذي لا يعجبه وتأبى نفسه فليس مجبوراً على ذلك !". من هنا يبدأ يومه يبدأ يوم هذا الإمام قبل الفجر.. حيث يستيقظ في الثلث الأخير من الليل، ويأخذ حظه من الصلاة والذكر، ثم يصلي الفجر وبعد الصلاة يأتي بأوراد وأذكار الصباح، ولا يجيب أحداً حتى يفرغ منها، ثم يبدأ الدرس، حيث يقرأ عليه عدة كتب، ويذيلها- رحمه الله بشروحاته وفوائده، حتى قبيل الساعة السابعة صباحاً، وهذا في أيام الدروس، وأما إذا كان في المنزل، فيجلس إلى الاستفتاءات الواردة إلى مكتب البيت من مختلف أرجاء المعمورة، ثم ينظر في طلبات أصحاب الحاجات، حتى موعد دوامه الرسمي في الساعة التاسعة صباحاً. وإذا وصل إلى مقر الرئاسة، وجد المراجعين قد أخذوا أمكنتهم، فتعرض عليه المعاملات قراءة، ثم يأتي توجيهه في الرد على المعاملة فوراً، وخلال عرض المعاملات يستقبل- رحمه الله - الاتصالات الهاتفية، والتي غالباً تكون في الرد على فتوى، أو استفسار في أمور الدين، وبين الحين والآخر يدخل عليه أناس يريدون الدخول في الإسلام على يديه، وتعليمهم أمور دينهم، وإذا كانت هنالك اجتماعات للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حرص على رئاستها، فإذا كانت صباحاً؛ استقبل المراجعين ظهراً، وإذا كانت ظهراً استقبل المراجعين صباحاً. وإذا أذن المؤذن للظهر ذهب للصلاة في المسجد القريب من المكتب، وربما ألقى بعد الصلاة كلمةً من كلمات وعظه الصادق، ثم يعود إلى المكتب، ويقضي بقية الدوام في المعاملات الرسمية، والنظر في فتاوى الطلاق، وطلب الشفاعة منه من المحتاجين، واستقبال الوفود من الدول الإسلامية وغير ذلك، حتى الساعة الثانية والربع ظهراً، ويحرص- رحمة الله على دعوة كل من يحضره إلى تناول الغداء معه في بيته.
49
length487suspicious-document0359segment
فحسين برغوثي، الشاعر والناقد والمثقّف، واحد ممن يسكنون القلب والروح، ولو اجتاز إجتماع عابر وغير مرتّب سلفاً. إختبار بلا حد من يقرأ شعر البرغوثي، يجد ذأته أمام شاعر تجريبيّ بلا حدود. شاعر مسكون بهاجس الاختلاف والتغريب. لكنهما إختبار وتغريب ينطلقان من عباءة الأسلاف، لتجاوزها وليضيف إليها حداثته المميِّزة والمميَّزة. وإذ نتأمل في تجربته المتمثلة في آخر مجموعاته الشعرية، وهي (مرايا سائلة (اتحاد الكتّاب الفلسطينيين - القدس، 2000)، سنرى كم هو فصيح وعميق هذا الألم الذي كان يعبر عنه هذا الشاعر.
فحسين برغوثي، الشاعر والناقد والمفكر، واحد ممن يسكنون الفؤاد والروح، ولو عبر إجتماع عابر وغير معد مسبقا. تجربة بلا حد من يقرأ شعر البرغوثي، يجد ذأته أمام شاعر تجريبيّ بلا حدود. شاعر مسكون بهاجس الاختلاف والتغريب. لكنهما تجريب وتغريب ينطلقان من عباءة السلف لتخطيها وليزيد إليها تجديده المميِّز والمميَّز. وإذ نتأمل في عمله المتمثل في آخر مجموعاته الشِعرية، وهي (مرايا سائلة (اتحاد الكتّاب الفلسطينيين - القدس، 2000)، سنرى كم هو فصيح وعميق هذا الوجع الذي كان يعرب عنه هذا الشاعر.
50
length182suspicious-document0359segment
(أن تكون شاعرا في عالم كهذا، يعني أن تحاكي شكله المتفجر في الحروب - شيماس هيني).. هذه المفارقة المهولة وغيرها، ما زالت - للآن - تخلخل حواسي وكياني كله، وتفرش نصوصي بأمطارها الحامضة..
51
length384suspicious-document0359segment
ويشترك مفدى زكريا مع عديد من شاعر المقاومة السجناء في مخاطبتهم من وراء القيود طيف زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم المغيبين عن عيونهم فينادي مفدى زوجته من إعتقال "بربروس" الرهيب في الجزائر العاصمة عام 1955م إذ يقول: اهتمام أناديك (سلوى) مثلهم خطأً لو أنهم أنصفوا كان اسمك الرَّمقُ يا فتنة الروح هلا تذكرين صبي ما ضره السجن إلا أنه وَمِق؟ هل تذكرين إذا ما الحظ حالفنا إليك أهتف يا (سلوى) فنتفق؟
52
length513suspicious-document0359segment
وكان يوسف إدريس خارجا من احترق مسرحيته (الفرافير) 1964 التي انتهت معركتها نهاية مظفرة، خصوصا بعد أن نفث فيها يوسف إدريس على القالب المسرحي الأوربي، بادئا من حيث أنهى برتولت برخت (1898-1956) في مسرحه الملحمي الذي شهدنا منه (دائرة الطباشير القوقازية) ثم (الأم شجاعة وأولادها)، وقد كانت المسرحية تجسيدا للآراء التي ذهب إليها في مجلة (الكاتب) بعنوان (نحو دار سينما مصري)، والتي أمتع فيها إلى أحجم القوالب المستوردة، وصياغة قوالب مسرحية نابعة من هويتنا وتراثنا، تطويرا للتراث الشعبي كالسامر وحلقات الذكر والكوميديا المرتجلة.
53
length1059suspicious-document0359segment
فكتب المحبوس إلى صديقين له يسألهما سؤال الوكيل في أمره، فخرج الرجلان إلى الوكيل، فلقيهما الفيض بن أبي صالح.. فقال : إلى أين؟ فقالا: نمضي إلى كذا وكذا. فقال: أتحتاجان أن أساعدكما؟ قالا : نعم. فمضى معهما وكتب الوكيل إلى زبيدة يخبرها بالحال. فقالت: لا سبيل إلى إطلاقه حتى يؤدي ما عليه. فأراد الرجلان الانصراف.. فقال لهما الفيض: كأننا إنما جئنا لنؤكّد حبس الرجل! فقالا : وماذا نصنع إذن؟! قال : نؤدي عنه الـمال، ونخرجه من الحبس، ونكشف عنه ضائقته. ثم إنَّ الفيض أخذ الدواة وكتب إلى وكيله في حمل الـمال عن الرجل! ثم دفع الكتاب إلى وكيل زبيدة وقال: قد أزحنا علّتك في الـمال، فادفع إلينا صاحبنا. فكتب وكيل زبيدة يخبرها بما حدث. فلما وصل الكتاب إلى زبيدة، أخذتها أريحية النَّدى، ولم تشأ أن ترى الفيض أكرم منها يداً.. فوقَّعت على ظهر الرّقعة: (نحن أولى بهذه الـمكْرُمة من الفيض، فأردد إليه حظّه وسلِّم إليه الرجل)! وهكذا بكلمتين من قلمها.. سمحت نفس هذه الكريمة بمائتي ألف درهم! فلله درُّك أيتها الـماجدة! وهل الكرم إلاَّ هذا؟! تلك أريحية امرأة شربت من معين الـمكارم.. وغُذِيَتْ بلِبان الفضائل! وأي عجب في ذلك؟! أليست هي المنفقة في ستين يوماً أربعة وخمسين ألف ألف دينار؟!
54
length138suspicious-document0359segment
موتي الأول قبيل عودتي إلى لبنان مع العائلة كانت سيرين، ابنتنا البكر، قد سبقتنا إلى بيروت ملتحقة بالجامعة الأمريكية لتتخصص في علم الاجتماع.
وفاتي الأولى قبيل رجوعي إلى لبنان مع الأسرة كانت سيرين، فلذة كبدنا البكر، قد تقدمننا إلى بيروت منضمة بالجامعة الأمريكية شعبة في علم الاجتماع.
جزا الله خيرا من تكفل بهذا الجزء
55
length1248suspicious-document0359segment
مادام المطلوب ليس مرفأ الذاكرة بأكمله، بل بعضاً منه فأنا لا أجد أفضل من أن أتحدّث عن أهم ما يرسو في هذا المرفأ - بالنسبة لي على الأقل - من سفن ومراكب لها رحلاتها وتجاربها، بصفتي شاعراً قبل أن أتحلى بأي صفة أخرى. لقد كان الشعر هو حياتي باختصار شديد، وبتواضع أبلغ، كان صورة طموحا عن حياتي الشخصية، بحلوها ومرّها. غير أنه يجب الاعتراف مسبقاً أن التجارب الأدبية لا تورّث، وعلى صليب الإبداع لا يمكن أن يعلّق أكثر من مسيح واحد. لكل صليبه إذن. إننا نتحدث عن تجاربنا للآخرين وكأنه من الممكن أن يبدأوا من حيث انتهينا. وهذا مستحيل، وإذا كان ثمة جدوى من هذه المراجعة، فإن صاحبها هو المستفيد الأول وبعده - بمسافة تطول أو تقصر - يصل الآخرون. قد تكون هي متعة الاعترافات، وفي كل اعتراف متعة ما، وتنفّس مريح، ونفاذ جديد في البصيرة، فالمعترف، أو المستعيد ذكرياته، محتاج من حين لآخر إلى محطة استراحة يتوقف فيها كي يراجع حساباته، ويحصي الخسائر والأرباح في مسيرته، وهذه الحاجة بقدر ما تكون صادقة أصيلة تقتضي الكثير من النزاهة في التقصّي، والمزيد من الجرأة في اكتشاف الحسنات والسيئات. وربما كانت الحاجة إلى هذه المكاشفة مع الذات جهاراً أبلغ وأعمق ضرورة في تحسين تقنياتها الفنية وأدواتها في التعبير. أما الآخرون، فلقد تختلف المسألة من حيث دورها في تحريض فضول الذين يجهلون الشخص للتعرّف عليه، أو الذين يعرفونه إلى مراجعة قراءاتهم السابقة له في ضوء ما سمعوا أو قرأوا منه.
56
length465suspicious-document0359segment
لقد الوقت الحاضر الأوان لنا جميعا للمراجعة والانتقال إلى فترة التحرر - لا من سلطة الرقابة على النصوص وحدها العنصر الرابع والتسعون - من جميع سلطة تعوق مسيرة الإنسان في وطننا وعالمنا.. الوقت الحاضر الأوان لإشاعة مفاهيم الحرية والوعي والاختلاف وتفعيل النقاش وتنشيط الأسئلة القلقة عام جميع ما حاد ويمر بنا، أوكل ما يحيطنا.. عام مشكلاتنا التاريخية والمعاصرة، عام موروثنا وحداثتنا وإبداعنا.. إن الإبداع الحر هو الأكثر تعبيرا والتزاما بالإنسان من مفاهيم الالتزام التي دوخنا بها منظرو الاشتراكية والقومية والرأسمالية..
57
length488suspicious-document0359segment
وأحلى ما في ذلك التدريس أنني كنت أعود معا طلابي إلى كتاب (مدار الكلمة) كتمارين تطبيقية للاتجاهات النقدية التي كنت أدرِّس. في ذلك العام انتقلت وعائلتي من بيروت إلى قريتي الفريكة هرباًمن نار الحرب في العاصمة ولجوءاً إلى مكان آمن ساكن. في ذلك العام أصدرْتُ كتابين جديدين: مسرحية تتناول سيرة الريحاني بعنوان (ويسقط العمر عن درّاجة) وكانت قد أذيعت من الإذاعة اللبنانية لثلاث عام على التوالي. ثم الجزء أول من أطروحتي للدكتوراه عام أمين الريحاني بعنوان (فيلسوف الفريكة صاحب المدينة العُظمى.
58
length1234suspicious-document0359segment
وأجد أحياناً أن التفكير يعيق الإبداع أحياناً لأن التفكير الطويل قد يوصلني إلى التردد.. والقلق.. ثم الخوف.. والخوف لا يمشي مع الفن! أرسم بشكل مباشر، أول ما يخطر على بالي.. أهجم على المساحة البيضاء بألواني وأشكالي.. وعناصري التي تتدفق عفوياً وتلقائياً.. فأجد نفسي أنني أكثر صدقاً مع إحساسي وأكثر بساطة مع نفسي.. وأكثر عفوية مع مشاعري.. وأكثر قرباً إلى لوحتي وأسلوبي ومنهجي في الفن. أما القاسم المشترك السادس بين فنون الأطفال وفنون الكبار فهو التقنية وهذا يأتي بالتجريب.. والتدريب.. والصبر.. والعمل اليومي.. الذي لا ينقطع فيه الفنان عن عالمه وعن دنياه.. وكلما ازداد تدريباً وتجريباً في أسلوب استخدام ألوانه وخاماته ومواده ازدادت تجربته عمقاً وأسلوبه نضجاً.. وتكاملاً بين المضمون والموضوع والشكل.. المضمون غير الموضوع والمضمون عندي غير الموضوع، فأقول موضوع لوحة الجيوكندا هو امرأة جالسة ووراءها منظر، وتضع يدها على حجرها.. وألوانها.. كذا.. وكذا.. أما مضمون اللوحة فهو البعد النفسي العميق الذي نستدله أو نقرؤه في عينيها.. ماذا يقصد الفنان بهذه الجلسة.. وبهذه النظرة.. وبهذه الألوان.. وبهذا المقطع من اللوحة؟ لماذا لم يرسمها على طولها واقفة؟! له هدف! له غاية!! أما الشكل فهو الخطوط والألوان والمساحات التقنية البحتة في بنية تكوين اللوحة. كل ذلك لا يعني أن نرسم بقلب بارد، بل بالعكس في الفنان كما قال سوريو: يجب أن يكون بعقل بارد وقلب دافئ..
59
length522suspicious-document0359segment
تقترب أمنية أحد الزواحف، أتذكر القلقشندي وهو يقول في صبح الأعشى نقلا عن أعمل الفكر إبن زائدة (إذا لم تكتب اليد فهي رجل).. ترى ماذا لو تحولت يداي إلى قدمين أخريين وأصبحتُ أدب على الأرض بأقدامي الأربع كأني أحد الزواحف. تبا لهذه الأفكار. أحرك يدي أرسم فيها بعض الحروف على التراب. مازالت قادرة على الكتابة. حمدا لله إنها ليست رجلا.. أعدّل قامتي وأتمشى والطبيعة وحيدين هنا في هذا المنتأى بعيدين عن جميع ما يدور خارج حزام الغابة. فكرت أن أعقد قراني على شجرة مثلما عمل ابن عرب عندما عقد قرانه ذات ليل صافية على جميع نجم السماء وحروف الهجاء.
60
length3113suspicious-document0359segment
كان هذا الشاب هو "كات ستيفنز" الذي كان يلقب بملك موسيقى الروك آند رول في بريطانيا، وحين استجاب الله له ونجاه من ضره، كان أول ما حرص عليه أن يبر بوعده فلم يمكث كثيرًا حتى أعلن إسلامه وصار يوسف إسلام أشهر دعاة الإسلام في الغرب الآن! رحلة البحث عن اليقين ولد ستيفن جورجيو في 21 يوليو 1947 بلندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيًا أرثوذكسيًا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقًا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهًا إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء؛ إذ إنه سجل 8 شرائط قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ووصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغيّر اسمه إلى كات ستيفنز، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة "الهيبز" في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد! وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي؛ إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه في أثناء المرض. وبالفعل حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله"، و"ربما أموت الليلة" نجاحًا كبيرًا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنًا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريًا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنًا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود ولكن يجب أن تصل له عبر وسيط، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينًا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته. الطريق إلى الإسلام وتصادف حادث الغرق ومرض كات ستيفنز بالسل مع عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس وأحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن. ويحكي كات هذه اللحظة في مذكراته: "أمسكت بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله، فنظرت للغلاف فلم أجد اسم مؤلف، حاولت أن أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد، إنما وجدته منسجمًا مع الوحدانية الخالصة؛ فعرفت الإسلام". وبعدها قرر كات ستيفنز السفر إلى فلسطين، ودخل المسجد الأقصى فأحس بالطمأنينة، وعندما رجع إلى لندن التقى بفتاة مسلمة صرح لها برغبته في إشهار إسلامه فأخذته إلى المركز الثقافي الإسلامي بلندن، وهناك نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه. وفي تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزي صفحة "كات ستيفنز" تمامًا وأصبح يعرف باسم "يوسف إسلام". الدعوة بالموسيقى الهادئة! وبدخوله الإسلام اعتزل يوسف إسلام الموسيقى الصاخبة ورأى أن يستغل موهبته التي أعطاه الله إياها في خدمة الدعوة إلى الله فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية التي ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحًا إسلامية عذبة، فبدأ منذ 1993 في تسجيل مجموعة من الألبومات وصلت حتى الآن إلى 10، وحرص في تلك الألبومات على إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين؛ إذ تضمنت هذه الشرائط أناشيد وأغنيات دينية ذات محتوى تثقيفي تعليمي. فقدم أول ألبوماته الإسلامية كمنشد بعنوان "حياة آخر الأنبياء" الذي روى فيه القصة الكاملة لحياة الرسول، كما تضمن أغنية "طلع البدر علينا"، وتلاه بالألبوم الثاني عام 1997.
61
length1362suspicious-document0360segment
حين يعود بنا حسين إلى طفولته، في قريته الفلسطينية، نرى طفلا جبليا فظا، لكن فيه خوفا هو (خوف الجبل من البحر)، ومن اللافت أن الجبل سيكون المنقذ له من كثير من البحار التي يجد نفسه أمامها. وسيظل حلم البحر يطارده، هو ذلك الجبلي الفظ، إلى أن يغريه البحر أن يلتقي نفسه، ويبدو في حاجة ماسة إلى الأمان والتوازن، ويشعر بأن العالم يغتصبه حتى القلب، فيبكي ويبكي، حتى يقول له (بري): (دموعك آخر شكل للفيضانات: الآن البحر يرشح منك على هيئة دمع... تعارف طفل الجبل الذي فيك والبحر الذي فيك، وصرتما واحدا، واتسعت، فطوبى لمن يتسعون). وفي عودة إلى طفولته، سنجد أن الروحانيات التي سيبحث عنها، في سياتل، أو سيلتقي بها عرضا، لها جذور في تلك الطفولة، سواء أسمينا (هذه الروحانية جناً، أو قمراً دخانياً، أو لغزاً، أو غولاً أو بلاهة، أو حكاية شعبية...)، فقد كان الطفل الجبلي ذاك متعددا يشعر أنه يوجد فيه (أشخاص كثيرون). لكنه بين هؤلاء الأشخاص الذين يسكنونه، كان هو الكائن الذي بلا اسم، بين (المسمى) و(اللامسمى)، ومفتونا بسحر اللغة والكلمات المغلقة. غربة هذا الكائن لم تبدأ من غربة المكان (الأمريكي)، بل من غربته في بيته وبيئته وحارته ووطنه، حين كان الناس يسمونه (الأهبل)، و(السطل)، و(الأطرش)، ثم فجأة راحوا ينادونه بـ(العبقري)، وتجسدت غربته المبكرة في (حب الأشياء)، بدلا من حب الناس. وكان لقب (الأطرش) يلائمه، لأنه يتيح له أن لا يسمع ما لا يريد أن يسمعه. فنما الطفل وحيدا، كثير التفكير والتأمل في كل ما يلتقي به من (أشياء) كأنه كان يستعد لهذه الرحلة الصوفية، للاستشفاء من وحدته بوحدة أعمق!
62
length123suspicious-document0360segment
تطلق القذيفة المسحورة الأولى فتسعِّر "اللهب المقدس" في دروب بلادي الحالمة وأحراشها السكرى، ورمالها العطشى، وجبالها الغضبى).
63
length4108suspicious-document0360segment
كما افتتح يوسف إسلام في سبتمبر 2002 مقرًا إقليميًا لشركة "جبل النور" للتسجيلات والإنتاج الإعلامي ذات التوجه الإسلامي في دبي، في خطوة استهدفت تعزيز نشاط الشركة في منطقتي الشرق الأوسط والأقصى، وتعمل "جبل النور" في مجال إنتاج المواد الإعلامية المسجلة على أسطوانات CD وDVD وأشرطة الفيديو، بجانب طبع الكتب والمؤلفات الخاصة بشرح ثقافة وقيم الإسلام. وقد ركز يوسف إسلام على إيصال صوته إلى الأطفال انطلاقًا من أن المجتمع الغربي مبتلى بحوادث عنف وقتل يقوم بها الأطفال، بسبب عدم ترسيخ روح الإيمان بالله في نفوسهم منذ الصغر، وهذا الأمر جعل يوسف إسلام يخصص شريطًا للأطفال يعرفهم فيه بالله، وسماه: (A is for ALLAH) وأرفق مع الشريط كتيبًا صغيرًا كتب فيه: "إن الطفل الغربي يتعلم منذ اليوم الأول: (A is for Apple) ولكنني أريده أن يتعلم منذ الحرف الأول: (A is for ALLAH)؛ الأمر الذي سينعكس عليه في المستقبل". البداية.. من المدرسة ورغم اهتمام يوسف إسلام بأمور المسلمين المختلفة فإن جل اهتمامه انصب على التعليم الذي رآه البداية الحقيقية لتكوين جيل مسلم في أوروبا، فبدأ اهتمامه بالتعليم الإسلامي عام 1983 عندما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا؛ فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم "إسلامية"، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن -وهما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين- ثم طالب يوسف إسلام الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الإسلامية أسوة بالمبالغ التي تخصصها الحكومة للطوائف الدينية المسيحية واليهودية، ورغم أن الحكومة لم تستجب لطلبه آنذاك فإنه لم ييئس، بل استمر في حملته إلى أن وافقت حكومة بلير الحالية على تخصيص ميزانية لدعم المدارس الإسلامية ببريطانيا، وليس هذا فحسب بل نجحت حملته في دعوة الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا إلى زيارة إحدى المدارس الإسلامية بلندن والذي امتدح تلاميذها قائلا: "أنتم سفراء تقدمون المثل لأحد الأديان السماوية وهو دين الإسلام". ولم يقتصر العمل الدعوي ليوسف إسلام على الأناشيد والتعليم الإسلامي فيوسف يدير عددًا لا بأس به من المؤسسات الخيرية الإنسانية، من أهمها مؤسسة "العطف الصغير" التي تقدم خدماتها في مجال رعاية الأطفال وضحايا الحرب في منطقة البلقان، وهي مؤسسة معتمدة لدى الأمم المتحدة، حيث مثل يوسف شخصيًا المؤسسة في اجتماعات المؤتمر السنوي الخامس والخمسين للجمعيات غير الحكومية (NGOs) في سبتمبر الماضي (2002) بنيويورك. كما يشرف يوسف إسلام على جمعية "عمار المساجد" الدينية بجانب تأسيسه لعدد من الحلقات الدراسية للمسلمين الجدد في بريطانيا. مدافع السياسة وقطار السلام! ولبغضه للحروب والدمار والقتل دخل يوسف إسلام معترك السياسة وأصبح داعية سلام عالميا؛ فنتيجة لنشاطه وثقل مركزه العالمي قبلت الحكومة العراقية وساطته أثناء اندلاع حرب الخليج الثانية 1991، وأفرجت عن 4 أسرى إنجليز، كما وافقت الحكومتان السعودية والكويتية على إقامة مخيمات سلام على حدودهما لفريق من دعاة السلام على رأسهم يوسف إسلام، وقام بالعديد من الزيارات إلى البوسنة، وعقد العديد من الحفلات الدينية في سراييفو، وألّف ألبومًا سياسيًا عن مأساة البوسنة أسماه بـ "ليس لدي مدافع هادرة" في 1997. ونال يوسف إسلام نصيبه من العنجهية الإسرائيلية عندما كان يزور القدس في عام 2000 لتصوير فيلم تليفزيوني عن الأماكن التي زارها في مقتبل حياته الإسلامية، حيث رفضت السلطات الصهيونية دخوله إلى القدس، بل واحتجزته في زنزانة صغيرة بلا ماء أو خدمات قبل أن يتم ترحيله إلى ألمانيا، وكان حجة الإسرائيليين أن يوسف يخصص جزءًا من عمله الخيري لصالح حركة حماس؛ الأمر الذي أنكره يوسف متساءلا: "هل تقديم الأموال ليتامى الفلسطينيين دعم لحماس؟!". وإزاء الحملة الشرسة التي تعرض لها الإسلام منذ هجمات 11 سبتمبر حرص يوسف إسلام على حضور الندوات الدينية في شتى أنحاء العالم، وأكد فيها على سماحة الدين الإسلامي وبراءته من التهم الموجهة إليه جزافًا. وعلى الرغم من مشروعية اهتمام يوسف إسلام بالسياسة فإنه كان يهتم بعدم إعلان ذلك حتى لا تتأثر المؤسسات الخيرية التي يديرها من وراء ذلك، أو أن يتم إيقافها بدعوى دعمها للإرهاب كما حدث مع مؤسسات أخرى عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وفي 6 مارس 2003 وقبيل الحرب الأمريكية على العراق أصدر يوسف إسلام توزيعًا جديدًا لأغنيته "قطار السلام" Peace Train التي استخدم فيها الدفوف والإيقاعات النحاسية وجاءت لتعلن موقفه الرافض للحرب على العراق، ويعلق عليها يوسف بقوله: "كتبت قطار السلام ضد الحرب لتصل رسالتها لقلوب الملايين، وتلبي حاجة كبرى للناس لكي يشعروا بأن ثمة أملا يتزايد؛ فأنا كإنسان وكمسلم أشعر أن هذا هو إسهامي في الدعوة للحل السلمي". يوسف إسلام متزوج ولديه 5 أولاد؛ حرص على تعليمهم تعليمًا إسلاميًا بجانب التعليم النظامي الإنجليزي، دخل أخوه الإسلام مبكرًا، أما أبوه فقد أسلم قبل وفاته بيومين!!
كما دشن يوسف إسلام في أيلول 2002 محلا إقليميًا لشركة "جبل النور" للتسجيل والإنتاج الإعلامي ذات التَوجّه الإسلامي في دُبي، في خطوة قصدت تقوية نشاط الشركة في منطقتَيْ الشرق الأوسط والأقصى، وتشتغل "جبل النور" في ميدان إنتاج المواد الإعلامية المسجلة على أقراص مضغوطة ودي في دي وأشرطة الفيديو، إلى جانب طبع المؤلفات والكتب المختصة بتوضيح ثقافة وقيم الإسلام. وقد ركّز يوسف إسلام على توصيل صوته إلى الصبيان انطلاقًا من أنّ المجتمع الغربي مبتلى بوقائع عنف وإغتيال يقوم بها الأطفال، بسبب عدم تثبيت روح الإيمان بالله فِي نُفوسهم منذ الولودية، وهذا الشيء جَعَلَ يوسف إسلام يخصص شريطًا للصغار يعرفهم فيه بالله، وعنونه: (A is for ALLAH) ووضع مع الشَريط كُتيبا صغيرا دون فيه: "إن الطفل الغربي يدرس منذ اليوم الأول: (A is for Apple) ولكنني أريده أن يدرس منذ الحرف الأول: (A is for ALLAH)؛ الأمر الذي سيعود عليه في المستقبل". البداية.. من المدرسة ورغم عناية يوسف إسلام بشؤون المسلمين المتعددة فإنّ كل اهتمامه انصب على التدريس الذي اعتبره البداية الفعلية لإنشاء جيل مسلم في أوروبا، فتولد اهتمامه بالتعليم الإسلامي عام 1983 عندما صار مدير وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا؛ فأنشأ المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت مسمى "إسلامية"، ثم المدرسة الثانويّة الإسلامية للأولاد والبنات في شمال لنْدن -وهُما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين- ثم ناشد يوسف إسلام الحكومة البريطانية بتحديد ميزانية للمدارس الإسلامية على غرار المبالغ التي تخصصها الحكومة للجماعات الدينية المسيحية واليهودية، ورغم أن الحكومة لم تلبي طلبه وقتها فإنه لم ييئس، بل واصل حملته إلى أن قبلت حكومة بلير الحالية على تحديد ميزانية لإعانة المدارس الإسلامية ببريطانيا، وليس هذا فقط بل وفقت حملته في دعوة الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة إلى جولة تفقدية لإحدى المدارس الإسلامية بلندن والذي امتدح تلاميذها قائلا: "أنتم سفراء تعطون النموذج لأحد الأديان السماوية وهو دين الإسلام". ولم يكتفي العمل الدعوي ليوسف إسلام بالأناشيد والتعليم الإسلامي فيوسف يسيّر عددا لا بأس به من المؤَسسات الخيرية الإنسانية، من أهمها مؤسسة "العطف الصغير" التي تعرض خدماتها في ميدان التكفل بالأطفال ومنكوبي الحرب في منطقة البلقان، وهي مؤسسة مُعتمدة عند الأمم المتحدة، حيث مثل يوسف بنفسه المنشأة في لقاءات المؤتمر السنوي الـ55 للجمعيات غير الحكومية (NGOs) في أيلول الماضي (2002) بنيويورك. كما يُشرف يوسف إسلام على جمعية "عمار المساجد" الدينية بجانب إنشاءه لبعض الحلقات التعليمية للمسلمين الجدد في بريطانيا. مدافع السِياسة وقطار السّلام! ولكرهه للحروب والخراب والقتل دخل يوسف إسلام ساحة السياسة وصار داعية سلام عالميا؛ فنظرا لنشاطه وثقل مركزه العالمي قبلت الحكومة العراقية توسطه أثناء نشوب حرب الخليج الثانية 1991، وأفرجت عن 4 أسرى إنجليز، كما أيدت الحكومتان السعودية والكويتية إنشاء مخيمات سلام على حدودهما لمجموعة من دعاة السلام على رأسهم يوسف إسلام، وقام بالكثير من الجولات التفقدية إلى البوسنة، وأقام الكثير من الحفلات الدينية في سراييفو، وأصدر ألبومًا سياسيًا عن مأساة البوسنة أسماه بـ "ليس لدي مدافع هادرة" في 1997. وحصل يوسف إسلام على قسطه من الغطرسة الإسرائيلية عندما كان يَزُور القدس في سنة 2000 لتصوير شريط تليفزيوني عن المناطق التي زارها في مطلع حياته الإسلامية، حيث اعترضت السلطات الصهيونية على دخوله إلى القدس، بل وحبسته في زنزانة صغيرة بدون ماء أو خدمات قبل أن يتم تسفيره إلى ألمانيا، وكان مبرر الإسرائيليين أن يوسف يخصص قسطا من عَمَله الخيري لفائدة حركة حماس؛ الأمر الذي نفاه يوسف متساءلا: "هل وهب الأموال ليتامى الفلسطينيين إعانة لحماس؟!". وأمام الحملة المتوحشة التي واجهها الإسلام منذ هجمات 11 سبتمبر تمسك يوسف إسلام بحضور اللقاءات الدينية في مختلف أرجاء العالم، وجزم فيها على سماحة الدين الإسلامي وبراءته من التهم الموجهة إليه جزافا. وعلى الرغم من مشْرُوعيّة إكتراث يوسف إسلام بالسياسة فإنه كان يهتم بعدم تصريح ذلك حتى لا تتأثر المنشآت الخيرية التي يديرها بسبب ذلك، أو أن يتم توقيفها بدعوى مساعدتها للإرهاب كما جرى مع مؤسسات أخرى بعد أحداث 11 من أيلول. وفي 6 آذار 2003 وقبيل الحرب الأمريكية على العِراق أخرج يوسف إسلام توزيعا جديدا لأغنيته "قطار السلام" Peace Train التي استخدم فيها الدفوف والإيقاعات النُحاسِيّة وجاءت لتبين موقفه المناهض للحرب على العراق، ويتحدث عليها يوسف بقوله: "ألفت قطار السلام ضد الحرب لتصل رسالتها لقلوب الملايين، وتحقق حاجة كبرى للناس لكي يحسوا بأن هناك رجاءًا يتزايد؛ فأنا كإنسان وكمسلم أحس أن هذا هو مساهمتي في الدعوة للحَل السّلمي". يُوسف إسلام متزوجٌ ولديه خمسة أبناء؛ حَرصَ على تدريسهم تعليما إسلاميا إلى جانب التدريس العادي الإنجليزي، دخل شقيقه الإسلام مبكرًا، أما والده فقد أسلم قبل موته بيومين!!
64
length247suspicious-document0360segment
ورأى الناقد ريمون عقل أن صاحب (على ضفاف الأرجوان) قد (أعطى بلغة مزامير داود رونقاً شعرياً، وعمق إحساس، وصرخة موجعة يتوقف عندها النقد متأثراً...). وعندي أننا (على ضفاف الأرجوان) لأننا عاجزون عن التخطي، عن العبور عاجزون عن الهرب من النهر، من ذواتنا.
65
length3050suspicious-document0360segment
ولما عاد من رحلته قرر دخول معهد الموسيقى العربية، لكن الالتحاق بالمعهد يحتاج إلى مصروفات، إذن لا بد من البحث عن عمل لدفع المصروفات، ووجد عبد الوهاب عملا، فأصبح مدرسا للأناشيد بمدرسة الخازندار، وخلال العطلة الصيفية للمدرسة اشترك عبد الوهاب في حفلة غنائية كان معهد الموسيقى قد أقامها في كازينو "سان ستيفانو" بالإسكندرية، وتعتبر هذه الحفلة هي أول حفلة غنائية حقيقية يشترك فيها بعدما كان يغني على المسارح بين الفصول فقط. تصميم حتى النهاية وعندما انتهى وجد زميلا له يصعد إلى غرفته ويخبره بأن أحمد شوقي بك يريد مقابلته، وبعد تردد ذهب عبد الوهاب إلى شوقي بك، فاستقبله مرحبا، أهلا أهلا بالكروان، أنا عارف أنك متضايق، لكن تأكد أني لم أمنعك من الغناء إلا من أجل مصلحتك، وتوطدت العلاقة بين شوقي بك أمير الشعراء وعبد الوهاب، وتنمو بين الاثنين صداقة متينة، لا يكتفي معها أمير الشعراء بصياغة الأغاني للمطرب الناشئ فحسب، لكنه أيضا يتبناه ويصحبه في كل مكان، ويقدمه إلى كل أصدقائه، ويساعده في تنمية معارفه الموسيقية والأدبية. أقام الشاعر الكبير أحمد شوقي حفلة في منزله "كرمة ابن هانئ" بمناسبة زفاف ابنه الأكبر "عليّ" وحضر الحفل الزعيم "سعد زغلول"، وكبار الأدباء والعلماء والساسة، وسمعوا عبد الوهاب وهو يغني، فوقفوا يتهامسون بأنه أمل الموسيقى الجديد. وبعد أن أكمل عبد الوهاب تلحين رواية "كليوباترا" التي اقتبسها للمسرح "سليم نمله"، و"يونس القاضي" لفرقة "منيرة المهدية"، أصبح عملاق النغم الجديد "عبد الوهاب" امتدادا للعملاق الأول "سيد درويش". وفي عام 32 كان عبد الوهاب قد نضج واشتهر في كل أرجاء المعمورة والأقطار العربية، وذات ليلة عرض عليه "توفيق المردلي" صديقه الاشتغال بالسينما، وذهبا معا إلى المخرج "محمد كريم" مخرج جميع أفلامه. وكانت أغاني عبد الوهاب في تلك الفترة هي "كلنا نحب القمر"، و"يا جارة الوادي"، "على غصن البان"، و"خايف أقول اللي في قلبي"، و"اللي انكتب على الجبين"، وتم اللقاء الذي أثمر أول فيلم غنائي للمطرب الأول في مصر، وتم إخراج الفيلم في باريس؛ لأن مصر لم يكن فيها استديو للأفلام الناطقة، وكان أجر عبد الوهاب في فيلم "الوردة البيضاء" 450 جنيها وقصة الفيلم قد اشترك فيها كل من "سليمان بك نجيب"، و"محمد كريم"، و"توفيق البردنلس" وشارك أيضا عبد الوهاب بأفكاره، وقام الشاعر "أحمد رامي" بتأليف أغاني الفيلم من ضمنها أغنية يا "وردة الحب الصافي"، ونجح الفيلم نجاحا كبيرا، وتوالت بعد ذلك الأفلام، ومن أشهر أغاني عبد الوهاب في أفلامه: "النيل نجاشي إجري إجري"، و "ما أحلاها عيشة الفلاح"، و"يا وبور قولي"، و"أوبريت مجنون ليلى"، "المية تروي العطشان"، و"مشغول بغيري"، و"حكيم عيون"، و"حنانك بي يا ربي"، و"انسى الدنيا"، وقصيدة "الخطايا"، و"يا قلبي مالك محتار"، كما غنى عبد الوهاب للملك فاروق، وأيضا بعض الأناشيد الدينية بصوته. وكان آخر أغانيه هي "من غير ليه". الحياة والفن تزوج عبد الوهاب من نهلة القدسي، وأنجب منها أربع بنات، وولدا. ولحن لمعظم المطربين وبعض المطربين العرب أكثر من 700 لحن، كما لحن لأم كلثوم والذي وصف لقاءاته بها بلقاء السحاب في أغنية "انت عمري"، و"على باب مصر"، و"أنت الحب"، و"أمل حياتي". وكذلك لحن لـ"عبد الحليم"، و"كارم محمود"، و"نجاة"، و"فايزة أحمد"، وغيرهم من المطربين. حصل عبد الوهاب على جوائز وشهادات تقدير، وكرمه الملك فاروق والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات الذي أعطاه الدكتوراة الفخرية والرئيس مبارك، وكُرم من خارج مصر، فكرمه الرئيس بورقيبة، والملك حسين، والملك الحسن الثاني، والملك فيصل، كما حصل على دكتوراة فخرية من إحدى جامعات أمريكا.
66
length1771suspicious-document0360segment
ثم كيف مارس مهمته في القضاء، وكنت أسمع عن عادات أهلنا في ليبيا من جدتي، فالذاكرة اختزنت الكثير، والحق أن من بين هذا الكثير أيضاً أن جدي أطلق اسم الطيب على والدي حين رزق بوالدي، والطيب اسم ليس شائعاً في المشرق، ولكنه كان شائعاً في تلك الفترة التي عاشوها في ليبيا. أمشي قدما بعد ذلك فأذكر أنني في المدرسة كنت أسمع عن ليبيا" . ونشأة كهذه لم تجعله بعيدا عن ليبيا وتراثها وجهاد أهلها، ففي المدرسة كان الدجاني يسمع عن جهاد الليبيين ويقول الدجاني لنجم: كان المثل الذي يحتذى هو استشهاد عمر المختار، البطل الذي أعطى مثلاً للعمل والمقاومة بكل أبعادها، وكنا نتأثر ونحن نقرأ شعراً لإبراهيم طوقان عن عمر المختار، رحمه الله، وكنا نتابع حين بدأت التفتح في فلسطين بعض الأخبار عن ليبيا من خلال ما أسمعه من الأسرة، وكانت مهتمة بتتبع الأخبار السياسية . التكوين العملي والثقافي الدجاني مع الأمير الحسن بعد النكبة انتقلت عائلة الدجاني لسورية، حيث وجد والده عملا في مجال الزراعة والمشاريع الزراعية، وسافر إلى ليبيا في عام 1953. ويعتقد الدجاني أن فترة إقامته في ليبيا ما بين 53 ـ 1956 كانت فترة مهمة بالنسبة له ولتكوينه الثقافي. ففي عام 1958 تعاقد وهو في دمشق التي كان عازفا عن تركها للعمل في وزارة التربية والتعليم، ويقول الراحل عن هذه المرحلة: إنها كانت من أغنى مراحل حياتي، بدأت منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1958 وانتهت في آخر كانون الثاني (يناير) 1965، هذه السنوات أعتبرها من أهم السنوات في تكويني العلمي. ففي هذه الفترة أنجز الكاتب دراسته عن السنوسية، ليؤكد نفسه كأحد رواد البحث العلمي والأكاديمي فيها، كما كانت فترة للتعريف بالقضية الفلسطينية، من خلال النادي الثقافي الليبي، والمركز الثقافي العربي، وجاء نشاطه الثقافي هذا متوافقا مع عمله كمدرس في مدرسة الزاوية وبعدها معهد محمد بن علي السنوسي. ويستعيد الدجاني فكرة اهتمامه بالدراسات الليبية قائلا إنها كانت من اقتراحات أستاذه المؤرخ محمد أنيس، حيث أراد أن يتقدم بأطروحة للماجستير، في مجال التاريخ الفلسطيني، إلا أن الدكتور أنيس قال له لا..
67
length3056suspicious-document0360segment
وكانت هذه التيارات المتلاطمة تختلف بأطياف وظلال غنية، بعضها يذهب في التغرب إلى حدود التقليد الكامل للغرب، بل والانتماء الكامل للغرب أحيانا. وبعضها يذهب في حرصه على الهوية الوطنية والعربية والإسلامية، إلى حدود الإغلاق الكامل لكل النوافذ والأبواب، بينما يرى البعض الثالث أن الحضارة العربية، في عهودها الذهبية الغابرة، لم تكن لديها هذه المشكلة، لأنها كانت ذات شخصية عربية أصيلة وعميقة، وذات فهم شديد، في الوقت نفسه، لحسنات الاتصال بحضارات وثقافات الشعوب الأخرى، حتى كان عصر الخليفة العباسي المأمون، العصر الذهبي للثقافة العربية الأصيلة، من جهة، ولترجمة ثقافات الشعوب الأخرى، والتفاعل معها من جهة ثانية. فإذا عدنا إلى حقل الموسيقى بالذات، فإن عبدالوهاب قد حل تلك المعضلة حلا إبداعيا عمليا، فهضم كل تراث القرن التاسع عشر، وسيد درويش بعد ذلك والإنشاد الديني الإسلامي والمسيحي المشرقي، ثم انطلق يهضم الإنجازات الأوربية العظيمة في حقل الموسيقى، في القرون الثلاثة الأخيرة، فخرج بشخصية موسيقية وغنائية ضاربة بعمق شديد في جذور الهوية الحضارية العربية والإسلامية، ومشرئبة العنق بشدة نحو الآفاق الرحبة لثقافات وموسيقى الشعوب الأخرى، خاصة ما أنجزته أوربا من كلاسيكية موسيقية شامخة في القرون الأخيرة. وهذا بالضبط ما شد وجدان وآذان كمال الطويل وأبناء جيله إلى موسيقى وغناء عبدالوهاب، وتلاميذه من أبناء الجيل الثاني، فعقد صداقة متينة مع عبقري الكمان أنور منسي (العازف الرئيسي في فرقة عبدالوهاب، وأحد المترجمين الرئيسيين لأفكاره الموسيقية المتطورة)، حتى روى لي كمال الطويل أن معرفته الشخصية الأولى بعبد الوهاب، كانت عندما اصطحبه أنور منسي لحضور تمارين الفرقة الموسيقية على لحن عبدالوهاب لليلى مراد (اتمختري واتمايلي يا خيل)، أولى أغنيات الفيلم الخالد (غزل البنات)، وكلها من ألحان عبدالوهاب. عشق للمقامات العربية ومع أن كمال الطويل لم يحسن العزف في حياته إلا على آلة البيانو، فإن ذلك لم يحمل أي تغريب لأعماله الموسيقية، بدليل أن لحنه الأول كان قصيدته الدينية العظيمة (إلهي ليس لي إلاك عونًا)، شعر والده وغناء المطربة الناشئة يومذاك فايدة كامل. وبدليل أن كل أعماله الكبيرة بعد ذلك، بالذات لحنجرتي نجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ، كانت مشبعة بالمقامات العربية الأصيلة التي لا تعزف على آلة البيانو، كالبياتي والهزام والراست والصبا وسواها. وبدليل أن السيدة أم كلثوم قد استدعته للمشاركة في تلحين قصائد الفيلم الديني رابعة العدوية إلى جانب زميله محمد الموجي والعملاق رياض السنباطي. وبدهي أن ألحان تلك القصائد كان لابد من أن تكون خالصة (العروبة الموسيقية)، وهكذا كان بالفعل لحن كمال الطويل الذي غنته أم كلثوم في رابعة العدوية (لغيرك ما مددت يدا)، الذي انطلق فيه بتأثر واضح بقصائد رياض السنباطي، ثم برزت في المقاطع التالية شخصية كمال الطويل الموسيقية الخاصة. وقد كان التعامل الثاني والأخير لكمال الطويل مع أم كلثوم نشيد صلاح جاهين (والله زمان يا سلاحي)، في أيام معركة تأميم قناة السويس، الذي تحول في عصر جمال عبدالناصر إلى نشيد وطني لمصر، وبقي كذلك حتى زيارة السادات للقدس المحتلة. لقد واصل كمال الطويل بإبداع كبير وبخصوصية واضحة المعالم، جهود التحديث الهائلة التي بدأها أسلافه الكبار (محمد عبدالوهاب، محمد القصبجي، محمد فوزي، بشكل خاص)، ولعل أبرز معالم الإضافات التجديدية لكمال الطويل برزت في خطين فنيين كبيرين: • خط الألحان الرومانسية الشديدة العذوبة والحداثة التي غناها كل من عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة بشكل خاص، وإن كان قد لحن قليلا منها لفايزة أحمد وصباح ووردة وعفاف راضي وسواهن.
68
length204suspicious-document0361segment
ظل خوسيه يدفع ثمن مواقفه من صحته ومن ضيق يده دومًا؛ فقد اضطر للعمل في مهن كثيرة أقل مما يناسبه ليتحمل مسؤولية أسرته التي دفعت معه ثمن نضاله، ولكن النفوس القوية هي التي تجعل من الألم والعذاب قناديل مضيئة..
69
length492suspicious-document0361segment
فكثيرا ما تسعى السلطات أيا كانت وخاصة في بلادنا إلى إبدال الكاتب أو البارع إلى مجرد بوق أو مهرج أو تابع، عليه أن يكون جاهزا تحت الطلب، فحين تتخاصم معا أرض أو فكر تريده أن يشتم تلك الدولة أو ذاك الفكر، قارعا معها طبول الحرب! وحين تتصالح تريده أن يمتدحها ويمجد السلام.. كذلك تسعى بعض المجتمعات الاستهلاكية لتحويله إلى مجرد سلعة.. انهم يحاولون استثمار الأدب لخدمة أيديولوجياتهم السياسية أو السلعية. وهنا نتلمس بوضوح خطورة الشاعر - أي شاعر - عندما يتحول إلى ببغاء للشعارات والبيانات التي تُملى عليه..
70
length198suspicious-document0361segment
غير أن من يأخذ هذه القصة على علاتها (وقد عقدت في ذلك نقاشا مطوّلا مع كمال الطويل) يمكنه أن يستنتج خطأ أن كمال الطويل قد انطلق من تلك (العقدة) المبكرة من آلة العود، إلى التغرب الموسيقي والفني الكامل.
71
length1295suspicious-document0361segment
كان السود يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والاحتقار، خاصة فيما يلقونه من شركة خطوط أتوبيسات المدينة التي اشتهرت بإهانة عملائها من الزنوج، حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية في حين لا تسمح لغير البيض بالمقاعد الأمامية، وعليه كان من حق السائق أن يأمر الركاب الزنوج بترك مقاعدهم لنظرائهم البيض، وكان الأمر لا يخلو من السخرية من هؤلاء "النسانيس السوداء"! وكان على الركاب الزنوج دفع أجرة الركوب عند الباب الأمامي، ثم يهبطون من السيارة، ويعاودون الركوب من الباب الخلفي فكان بعض السائقين يستغلون الفرصة، ويقودون سياراتهم ليتركوا الركاب الزنوج في منتصف الطريق! واستمر الحال إلى أن جاء يوم الخميس أول ديسمبر 1955، حيث رفضت إحدى السيدات وهي حائكة زنجية أن تخلي مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين؛ فكانت البداية. مقاومة بلا عنف كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا مارتن لوثر كينج اختط للمقاومة طريقا آخر غير الدم. فنادى بمقاومة تعتمد مبدأ "اللا عنف" أو "المقاومة السلبية". وكان يستشهد دائما بقول السيد المسيح عليه السلام: "أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك". وكانت حملته إيذانا ببدء حقبة جديدة في حياة الزنوج الأمريكان. فكان النداء بمقاطعة لشركة الأتوبيسات امتدت عاما كاملا أثر كثيرا على إيراداتها، حيث كان الزنوج يمثلون 70 % من ركاب خطوطها، ومن ثم من دخلها السنوي.
72
length1029suspicious-document0361segment
خاصة وأن مقص الرقيب الحديدي لم يكمن يترك لنا أقل فسحة لنطل برءوسنا الضاجة خارج ما هو مسموح به.. كانت الكتابة فيه تحتاج إلى مهارة وبراعة كبيرتين.. وكان الأسلوب التأويلي الذي تعتمده، مجترحا من طبيعة الواقع والفن، شكلا ومضمونا، يأخذ من اللغة بهاءها الآسر وسطوعها، ومن اشكاليات الواقع حذره وشكله وشكه وتمويهاته، (كما تكون الحياة كذلك يكون المبنى - كوليردج) ووجدته أكثر استيعابا لقلقي وعصري، ووجدتني أكثر قدرة على تطويعه لتحميله ما أريد.. هذا التمويه الفني لجأ إليه بعض شعراء الداخل، كان عاملا مهما لتجاوز الخطوط الحمراء الكثيرة والواقع البوليسي الذي كان يخيم على كل شيء في الوطن، ليس في مجال الشعر فحسب بل في مختلف الفنون والآداب وشئون الحياة الأخرى، فكنا نجد فيه متنفسا تعبيريا وفنيا وحياتيا.. لكنه من جانب آخر، جر علينا ما جر من وشايات المخبرين والأدباء الفاشلين - في الداخل - (كنا نعرف الرقيب ونتحايل عليه، ولكن الجديد في الكتابة اليوم أننا لم نعد نعرف من يراقب من، وما المقاييس الجديدة في الكتابة - أحلام مستغانمي)، و - في المنفى - أخذ منه بعض المزايدين، على عذاباتنا، سطحه الظاهر ونسوا أعماقه التي تمور بالغضب والوجع والاحتجاج..
73
length1096suspicious-document0361segment
فأحضر الخازن أهل الصِّنْعة في ذلك، وبدأ العمل، ولم يكن بالعمل السّهل، حيث شقّت تلك القناة الجبال والصخور مسافة عشرة أميال! ولـما جاءها خازنها وقال لها: يلزمك نفقة كبيرة! أجابت جواب أهل الحزم: اعملها ولو كانت ضربة فأس بدينار!! وشاء الله تعالى أن يـحقّق لـهذه الـمصُونة أمنيتها.. فتدفَّقت تلك القناة على أهل مكة وقاصدي بيت الله الحرام.. فارتوى النَّاس بعد الظمأ.. وأخصبوا بعد الجَدْب! فكانت تلك حسنة زبيدة العظمى.. ومنقبتها الكبرى! فكم من ألسنةٍ بالدّعاء لصاحبتها لهجَتْ.. وكم من أكُفٍّ رُفِعَتْ! ألفا ألف دينار صبّتها هذه الصالحة في حفر هذه القناة! فما أكرم هذه الحسنة! وتالله تلك هي التجارة الرَّابحة! تلك همة امرأة لم تر الذُّخْر إلاَّ في اصطناع الـمعروف.. وإدمان الصَّالحات.. وحبّ الطاعات. وبعد اكتمال هذا العمل الجليل، جاء وكيلها وأحضر معه العمال لكي يكتبوا الحساب أمامها.. فقالت لهم : خلُّوا الحساب إلى يوم الحساب!! ثم أمرت بغسل الدفاتر والأوراق! فهنيئاً لك أم جعفر بهذا الشرف الخالد.. أبيْتِ إلاَّ عزماً.. وهمَّة! إنَّها التجارة مع الله تعالى! تجارةٌ لا تعرف الخسارة! ذاك هو الذُّخْر الخالد.. والرّبح الباقي! وزبيدة هي أمّ الأمين بن هارون الرَّشيد، والذي ولِي الخلافة بعد أبيه هارون الرشيد..
74
length3605suspicious-document0361segment
كان المتوقع أن يدّعي البطولة ويقول إنه عرض نفسه للاغتيال، وإنه تصدى لفوهة مسدس رجل الأمن الذي طلب منه أن يترك آله التصوير الخاصة به، ولكنه أخبرني أنه أصيب بإغماءة من هول المفاجأة، وأنه لم يدر أنه سيكون المصور الوحيد الذي يلتقط صورتين بالألوان لحادثة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في العرض العسكري الشهير. إنه محمد رشاد القوصي المصور العالمي الشامل الذي نقلت عنه كل وكالات الأنباء صورتيه الملونتين لحادثة اغتيال السادات، سوف يحيرك صدقه وإيمانه المطلق بأن التوفيق والحظ حالفاه كثيرا، خاصة في ذلك اليوم الذي غير تاريخه الصحفي، وساقه للعالمية بعدما ظن أنه لم يلتقط أي صورة لحادثة الاغتيال، وأرسل صور العرض العسكري لوكالة الأنباء التي كان يعمل لديها؛ ليفاجأ بجواب تهنئة يخبره بأن له صورتين لحادثة الاغتيال التقطتهما يداه المحترفة في غياب عقله. مصور منذ الصغر بدأ محمد القوصي التصوير وهو في العاشرة من عمره عندما كان في منزل جده لأمه الشيخ محمود القوصي رئيس المحكمة العليا الشرعية في منطقة الحلمية الجديدة بالقاهرة، وكان يستعير كاميرا التصوير الخاصة بخاله أو أبيه، وكان يستخدمها لتصوير عائلته أو إخوته الذين يكبرهم ليلتقط لهم الصور أعلى سطح منزلهم أو في حديقة جامع الرفاعي الذي يقع بالقرب من منزله، وكان يشتري الفيلم بثلاثة قروش ويطبعه بأربعة قروش من مصروفه الخاص، وكان يطبع أفلامه عند المصورين الأرمن في ميدان العتبة وشارع عبد العزيز، وكان يراقبهم ويعجب بعملهم. وقد ارتبط القوصي بالتصوير منذ طفولته، وفي المدرسة الثانوية انضم إلى جماعة التصوير التي أنشاها مدرس التربية الفنية بمدرسته، والتي كانت أولى خطواته لاحتراف التصوير، وقد تتلمذ فيها أيضا اللواء عبد الفتاح رياض، وهو أول مؤلف لكتاب في التصوير الفوتوغرافي في مصر وهو كتاب "آلة التصوير"، ولكن القوصي حرص على أن يكون تعليمه فنيا، بينما انضم زميله في الجماعة عبد الفتاح رياض لكلية البوليس، وفي بداية حياته التقط صورة جميلة للملك فاروق وهو يضع الورد على قبر والده الملك فؤاد بمسجد الرفاعي بعدما تسلل من حرسه وهرب من الرقابة المشددة عليه. الصدفة مدخله لعالم الصحافة عقب تخرجه في الجامعة عمل القوصي مدرسا بمدرسة ملحقة بدار للأيتام في منطقة العباسية واستمر بها سنتين، ثم انتقل إلى مدرسة الدرب الأحمر الابتدائية في منطقة باب الخلق القديمة بالقاهرة. وفي عام 1946 نشرت له أول صورة صحفية وكانت لوزير المعارف الإيراني ووزير المعارف المصري، وكانا في زيارة لقبر الملك فؤاد بالقرب من منزله، وعندما رأى الشاب رشاد الموكب توجه إليه والتقط لهما صورتين وطبعهما في معمله المتواضع بمنزله، ثم توجه بهما إلى جريدة الأهرام وعرضهما على المسئول آنذاك "نجيب كنعان" وسلمه الصورتين بعد أن كتب عليهما "تصوير القوصي"، ونشرت إحداهما في اليوم التالي لتكون أول اتصال له بعالم الصحافة. وبعدها بعامين عرض عليه الشيخ حسن البنا الذي كان يسكن نفس شارعه العمل معه في جريدة "الإخوان المسلمين" التي كان يعتزم إصدارها، فقبل القوصي عرضه على أن يعمل بها بعد الظهر، وبالفعل استمر القوصي مصورا للإخوان حتى اغتيال حسن البنا وإغلاق الجريدة، ولكنه سرعان ما استأنف عمله كمصور صحفي بعدما طلبه صديقه "أرشاك مصرف" وهو مصور أجنبي مشهور للعمل بجريدة "الزمان" و"جورنال دي إيجيبت" اللتين تصدران عن مؤسسة صحفية واحدة، ويملكهما "إدجار جلاد" أحد رجال الملك، وذلك مقابل 25 جنيها، بينما كان يتقاضى من التدريس 10 جنيهات فقدم استقالته من المدرسة فورا. أول مصور عسكري كان القوصي ينتظر مجده في حرب 1948؛ فحين اندلعت الحرب انتدب القوصي بأمر من رئيس الوزراء النقراشي باشا ووزير الحربية محمد حيدر؛ للعمل على الجبهة بعد رفض كل المصورين الأجانب الذين كانوا يحتكرون مجال التصوير آنذاك، وكان القوصي هو أول مصور عسكري عربي يذهب إلى الحرب ممثلا لوزارة الدفاع التي كانت تتولى توزيع الصور على الجرائد والوكالات؛ لتنشر صوره في كل أنحاء العالم، وكان معه مصور مصري واحد هو حسن مراد من جريدة "مصر الناطقة"، وعاد القوصي من الجبهة بعد الهدنة المصرية إلى جريدته "جورنال دي إيجيبت" بعدما تألق نجمه وعلا صيته، وارتفع راتبه المصري كذلك إلى 40 جنيها، واستمر بها حتى مارس 1952 عندما فوجئ بقرار إنهاء خدمته ومعه شيك بـ 500 جنيه دون سبب يذكر!!
75
length1539suspicious-document0361segment
وعرف الدجاني بصوته المتميز وتأنقه باللغة، فكان صوته يخرج هادئا ببحة جميلة، ولم يؤثر عنه أنه تكلم العامية في أحاديثه العامة أو الخاصة. وعربيته السليمة لم تكن متقعرة بل عفوية. كان الدجاني مثال العالم العامل، وظل كما قالت كريمته بسمة، يكتب ويشارك في المقال للصحف والمجلات. عطاؤه الفكري الدجاني مع الملك الراحل حسين في المجال الحضاري أكد الدجاني على ضرورة اهتمام العرب بدائرتهم الإسلامية الأوسع التي تضمن الهامش الإسلامي البعيد عن المركز، وكان يشدد على فكرة الديمقراطية والشورى وحقوق الإنسان كأولويات لبناء المشروع الحضاري العربي. ولم تشغله اهتماماته الأكاديمية الليبية ونشاطاته العروبية عن الاهتمام بقضيته الفلسطينية، فقد ظل عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مدة عشرة أعوام. ومع مشاركته الواسعة في النشاط الفلسطيني السياسي والثقافي، فإنه كان معارضا لنهج التسوية السياسة وإفرازات أوسلو، حيث كان من رافعي شعار "لا للحل العنصري الصهيوني في فلسطين"، وخلافه مع مهندسي أوسلو لم يلجئه ولو مرة إلى دعم أي حركة تدعو لشق الصف الفلسطيني، فقد كان الدجاني بطبعه وحدويا وداعيا للائتلاف الوطني والحوار مع كل فصائل المقاومة، وموقف كهذا جعله قريبا من كل فصائل العمل الفلسطيني، في الداخل والخارج. وأسس منذ عشرين عاما المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في منظمة التحرير الفلسطينية وظل رئيساً له حتى عام 2002 حيث استقال بسبب متاعبه الصحية. وانتخب الدجاني في عدد من المجالس والمؤسسات والأكاديميات العربية، فقد كان عضوا بالأكاديمية الملكية المغربية، ومؤسسة آل البيت، وكان أحد مؤسسي المؤتمر القومي الإسلامي والمؤتمر القومي العربي. وشغل منصب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. ومثل الدجاني فلسطين في العديد من اجتماعات الحوار العربي الأوربي.
76
length293suspicious-document0361segment
هناك ألقيتُ بعض المحاضرات عن الأدب العربي - الأمريكي، ودُعيتُ لأكون عضواً في الجمعية التاريخية لبلدة نوروود مسقط رأس فرد هولنداي راعي جبران قبل ماري هاسكل. تكررت زياراتي لبلدة وُلدِن حيث ولد كل من إمرسون وثورو وحيث أطلقا دعوتهما الاستعلائية في الأدب الأمريكي والتي تركت أثرها في الأدب المهجري.
77
length619suspicious-document0361segment
كنا نقضي أوقاتنا معا نذهب إلى المدرسة، نتنزّه في حقول الزيتون المجاورة للمدينة أو في شوارعها المكتظة بالمارة والبائعين، وكنا نتحدث في الدراسة والحياة والمستقبل ومغامرات المراهقة والشباب. ثم اختفى. اختفى وهو لايزال على كرسي الدراسة الجامعية. فذهب وكأن جزءاً من نفسي قد قضى. وأخيراً، منذ عام عدة، كاد الموت أن يخطف زوجتي، وهي أم لثلاث إبنة لم تبلغ كبراهنّ الحادية عشرة من عمرها. لكن الله أراح بما جاءت به المقادير، فعادت إلى الحياة الطبيعية بعد أن قنط الأطباء وأعيتهم الحيلة من شفائها. * * * تلك هي أماكن نشأت فيها، وتلك هي أزمنة أساسية وحوادث رئيسة خطرت ببالي عندما بدأت أفكر فيما أثر في إبداع شخصيتي العلمية والذاتية.
كنا نمضي أوقاتنا معا نذهب إلى المدرسة، نتجول في مزارع الزيتون الملاصقة للمدينة أو في شوارعها المزدحمة بالعابرين والبائعين، وكنا نتكلم عن الدراسة والحياة والمستقبل ومغامرات الصبى والشباب. ثم ذهب. ذهب وهو لايزال على كرسي التعليم الجامعي. فذهب وكأن قطعةً من نفسي قد فنيت. وأخيراً، منذ أعوام كثيرة، أوشك الموت أن يخطف زوجتي، وهي أم لثلاث فتيات لم تبلغ أكبرهنّ الحادية عشرة من عمرها. لكن الله لطف بما أتت به الأقدار، فعادت إلى الحياة الطبيعية بعد أن قنط الأطباء وأتعبتهم الحيلة من برءها. * * * تلك هي أمكنة ترعرعت فيها، وتلك هي أزمان رئيسة وحوادث أساسية حضرت بخاطري لما شرعت أفكر فيما أثر في إنشاء شخصيتي العلمية والنفسية
78
length1562suspicious-document0361segment
وهو في تقييمه السياسي للأوضاع في مصر لم يتخلَّ عن أدائه الأدبي الفريد؛ فهو يصف حال مصر مع المستعمر الإنجليزي بقوله: "غُرس المهماز البريطاني في خاصرة الحصان المصري، ولم يعد بد من المواجهة بين القرآن ودفتر الحسابات… إن ابن الصحراء الكريم يعض على السياط ويكسر يد الأناني ابن القارة العجوز…". يظل السر في حياة مارتي هو: كيف تأثر بهذه المنطقة من العالم؟ وكيف توغل في أركان الحضارة الإسلامية دون زيارة هذه الأماكن؟ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار صوره التي لا تخلو من دلالات أكيدة على أنه رأى هذه الأماكن بعينيه؛ فهو مثلا يشبه أيام الانتخابات في نيويورك بمصر ساعات الغروب، وحين يصف أماكن معينة فيها يفعل ذلك بدقة يحسده عليها الأدباء المصريون أنفسهم، وربما تكون إقامته في إسبانيا التي ظلت جزءا من الدولة الإسلامية لقرون عاملا مهمًّا.. وهناك أيضا اطلاعه الثري على مؤلفات وأعمال فنية أتاحت له كمًّا معقولا من مشاهدة البلاد العربية بأيدي الرسامين والمصورين الذين انبهروا بالطبيعة العربية ووهبوا جزءا كبيرا من فنهم لتصوير العرب، أمثال: ماريا نوفورتوني، وباسيل فيريشاغين، وبينجامين كونستانت، وأوجين فرومانتان، الذي سُمِّي "ابن النيل" لاقتصار لوحاته كلها على رسم النهر العظيم. ولم يكتفِ مارتي بمطالعة أعمال هؤلاء الفنانين، إنما تعرض لها بالنقد والتحليل في الصحف والمجلات والدوريات التي ظل يراسلها طويلا. ويظل هذان العاملان: اطلاعه على الفنون، وإقامته بالأندلس- من العوامل المساعدة، ولكن يكاد المرء يجزم بأنه قد أتى لبلادنا، وتعامل مع شعوبنا الطيبة، خاصة إذا التفتنا إلى كثرة أسفاره وارتحاله.. المصادر: - اعتمد المقال أساسًا على كتاب "الشعوب العربية في خدمة خوسيه مارتي"، تأليف: "خوسيه كانتون"، وكذا مقال ملخص لسيرة "خوسيه مارتي" بقلم: "إيملي رويج". والعملان من ترجمة: "توفيق حمد".
79
length876suspicious-document0361segment
وإن أنسى لا أنسى أمسيات رمضان المتلألئة في شوارع المدينة الضيقة، حيث العالم ينشطون في الأزقة، ويتزاحمون في الدكاكين أوفى المقاهي، يسهرون ويتسامرون، يصلون ويتعبّدون، حتى ارتفاع نقرات طبول المسحّرين إيذاناً بقرب أداة ضبط الوقت الإمساك. وأذكر من هذه الحقبة الجوامع العتيقة التي شهدت انتصارات القادة المسلمين على مرّ السنين. وخصوصاً (الجامع المنصوري الكبير) الذي يتوافد إليه الأهالي زرافات ووحدانا، الأجداد بصحبة الأحفاد، والرجال فيما بينهم، جميع واحد منهم يحتفظ بموقع له في باحة المسجد، هذا في شكل زاوي وذاك قرب الحائط، أما الآخر فقد أخذ مكان والده الذي توفي أخيراً بجوار المنبر، في عندما يأبى ابن عمه إلا أن يصلي لصق الصندوق الذي يحضن خصلةً من شعرات النبي أمتع الله عليه وسلم، وكانوا جميعهم يأتون خاشعين لقراءة القرآن، أو للاستماع لدروس الشيخ، أو لإقامة استرحام التراويح. وأجمل ذكريات الطفولة أيام إحتفال الفطر السعيد، حيث كنا نقضي آخر أيام رمضان المبارك ونحن نبحث في الأسواق المزدحمة عن الثياب الجديدة.
80
length752suspicious-document0361segment
في الموقفين ينطلق الكبيسي من أرضية ثابتة، هي رؤية مصلحة الشعب العراقي وقراءة الواقع في ضوء الشرع، ومن ثم يصل إلى رأيين يتميزان في جميع الأحوال بالجرأة والمغايرة. نقبل أيهما أو نختلف معه!! تلك ليست هي القضية! أصر الكبيسي القضية دائمًا هي أن "الاختلاف أساس" وأن "القبول أساس" .. الاختلاف أساس الرأي، والقبول أساس العلاقات الإنسانية. ولا تعارض!! ذكر في كلمات الخروج على حول الثقافة المهيمنة، استحسان الآخر والاختلاف كأساس شرعي ورحمة للبشر، الجرأة في الحق حتى لو صادم المألوف والمستقر، التأصيل اللغوي، التعامل المفتوح معا التطور العلمي والتاريخي، الرغبة في التيسير والتسامح تلك هي صفات الشيخ أحمد الكبيسي كما عرفناها عن قرب في مسامراتنا معه على مقاهي عاصمة الأردن التي ما زلنا نحتفظ منها بأفكار جديدة وذكرى جميلة وبقصيدة ساخرة أودعها بيت وداع ومحبة وقفشات غزل !!.
81
length310suspicious-document0361segment
من هؤلاء شارل صاحب ووليد الخالدي وفايز صايغ، أول يقطع صالة الصف ذهاباً وإياباً، يعالج الفلسفة الأخلاقية، يناقش انعكاساتها على الشئون السياسية والاجتماعية، يطرح مشكل العقل إزاء سلّم القيم، يسألنا، لا يُرضيه الجواب فيروح يفنّد تفاصيل المسألة المطروحة وكأنه يرسم خريطة التشابك الفكري وظلالها النقدية المتشعّبة.
82
length2052suspicious-document0361segment
جاب د. زغلول البلاد طولاً وعرضًا داعيًا إلى الله عز وجل.. ولا يذكر أن هناك بلدًا لم يتحدث فيه عن الإسلام من خلال الندوات والمؤتمرات أو عبر شاشات التلفزة، أو حتى من خلال المناظرات التي اشتهرت عنه في مجال مقارنة الأديان. يوجه د. زغلول حديثه إلى كل شاب وفتاة بأن عليهم فَهْم هذا الدين، وحمل تعاليمه إلى الناس جميعًا؛ فيقول في إحدى محاضراته: "نحن المسلمون بأيدينا الوحي السماوي الوحيد المحفوظ بحفظ الله كلمة كلمة وحرفًا حرفًا قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأنا أؤكد على هذا المعنى؛ لأني أريد لكل شاب وكل شابة مسلمة أن يخرج به مسجلاً في قلبه وفي عقله؛ ليشعر بمدى الأمانة التي يحملها على كتفيه". كما يؤمن د. زغلول بأن علينا تسخير العلم النافع بجميع إمكاناته، وأن أحق من يقوم بهذا هو العالم المسلم: "فنحن نحيا في عصر العلم، عصر وصل الإنسان فيه إلى قدر من المعرفة بالكون ومكوناته لم تتوفر في زمن من الأزمنة السابقة؛ لأن العلم له طبيعة تراكمية، وربنا سبحانه وتعالى أعطى الإنسان من وسائل الحس والعقل ما يعينه على النظر في الكون واستنتاج سنن الله"، ويقول في موضع آخر: (ولما كانت المعارف الكونية في تطور مستمر، وجب على أمة الإسلام أن ينفر في كل جيل نفر من علماء المسلمين الذين يتزودون بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كتاب الله). إلا أن د. زغلول وبرغم اهتمامه الشديد بما في القرآن من إعجاز علمي، يؤكد أنه كتاب هداية للبشر وليس كتابًا للعلم والمعرفة موضحًا ذلك في قوله: (أشار القرآن في محكم آياته إلى هذا الكون ومكوناته التي تحصى بما يقارب ألف آية صريحة، بالإضافة إلى آيات تقترب دلالتها من الصراحة.. وردت هذه الآيات من قبيل الاستشهاد على بديع صنع الله سبحانه وتعالى، ولم ترد بمعنى أنها معلومة علمية مباشرة تعطى للإنسان لتثقيفه علميًّا)، ويدعو د. زغلول دائمًا إلى أن يهتم كل متخصص بجزئيته في الإعجاز العلمي ولا يخوض فيما لا يعلم (أما الإعجاز العلمي للآيات الكونية فلا يجوز أن يوظف فيه إلا القطعي من الثوابت العلمية، ولا بد للتعرض لقضايا الإعجاز من قبل المتخصصين كلٌّ في حقل تخصصه). تحية من الجيل.. تحية من كل شاب مسلم وفتاة مسلمة.. عمَّا قدمه عالمنا للعلم والحياة والإنسان.. ويقف إعجازه العلمي إعجازًا لا يُنْكَر من أي عالم يقدر العلم والعلماء.. ندعو جيل علمائنا إلى أن يقتدي به.. وهذا أفضل طريقة لتقديم الشكر للدكتور زغلول على ما قدمه.. وهو أن يكون منا زغلول.. آخر..
83
length1065suspicious-document0361segment
كانت غايتي أن أبحث (كيف يتم التلاحم بين الفكرة والتعبير عنها). صدرت تلك الدراسات في كتاب بعنوان (مدار الكلمة) عام 1980 في بيروت والقاهرة. وشغل عند صدوره عدداً كبيراً من النقاد تناولوه بالدرس والتحليل. من هؤلاء وضاح شرارة الذي وجد فيه (مرجعاً... وقد تكون أغنى دراسة مرجعية)، وجوزف صايغ الذي تساءل: (بأي رزانة وشمول ثقافة، بأي تقميش فعل كل هذا؟!)، فكتبت روز غريّب وكأنها تجيب: (يحرص على الافتنان في العبارة كما يحرص على كشف المصطلحات النقدية المستجدة وإثباتها...). وقد دفعتني هذه الكتابات عن (مدار الكلمة) لأن أجمع مقالاتي التي نشرتها في صحيفة (النهار) لتصدر عام1982 في كتاب بعنوان (مرايا متعاكسة). وفيها شيء من الأدب وشيء من النقد الأدبي حول مختارات من النتاج الأدبي المعاصر من دنيا العرب ومن سائر الآداب الشرقية والغربية. عام 1987 التحقت بكلية بيروت الجامعية (الجامعة اللبنانية - الأمريكية اليوم)، وعملت أستاذاً مساعداً لمادة المدارس الأدبية ومديراً لمكتب القبول في حرم الجامعة في جبيل. أجمل ما في تلك الأيام رائحة الأرض الندية على الطريق الساحلي الممتد شمالاً بين القرى والدساكر وبينها البساتين والبيوت الحجرية القديمة التي تناديك وتهذّب ذوقك المعماري دون أن تدري.
84
length1324suspicious-document0361segment
ألتقط غصن شجرة يابس وأرميه في البركة الصغيرة لقصر Torup لترسم دوائر مائية سرعان ما تتلاشى، ولا أثر كأن كل ما لا يُكتب لا يكون له أثر أتأمل أفكاري معكوسة على صفحة البحيرة الساكنة، ترى كم من الأمم والشعوب والفنون والآداب والمثقفين مروا على سطح بحيرة الحياة ولم يتركوا غير دوائر مائية زائلة. كم من الكتاب اندثروا دون أن نسمع بهم، ربما لأنهم لم يتركوا لنا أثرا أو سطرا في كتاب.. وليتهم بدلا من أن يظلوا منفوشين بغصونهم اليابسة أخذوا نصيحة لوركا على محمل الجد وهو يقول: (أيها الحطاب أقطع ظلي، أنقذني من عذاب أني بلا ثمر). إنهم في يباسهم الدائم سيبقون أبدا - رغم تعالي أصوات هسيسهم في الريح - مجرد أحطاب. وكما وصفهم غليفيك: (يتركون لنا قصائد كثيرة ولم يجدوا الشعر بعد). إذ ليس كل من يكتب أو يترك شيئا يبقى، وليس كل نقش خالدا. فقد تسهم عوامل الطبيعة والتعرية نفسها وتقلبات الحياة والحضارات والأذواق والمدارس الفنية أحيانا في ضياع الكثير من الآثار، غير أن لسلطة الإبداع أثرها على الزمن والطبيعة والحياة والإنسان حين تنتقل من الحجر أو الورقة إلى الروح والفكر والأنفاس، وهذا ما يحفظ للمبدع بقاءه إلى الأبد سواء تغيرت الحضارات من الحجر إلى الإلكترون أو من الإلكترون إلى الحجر أو دارت الطبيعة دوراتها المتعاقبة. وإذ أتذكر مقولة سارتر: إن الإبداع مشروط بالحرية، وخيبة أدونيس من أن الكتاب العربي يقرأ خارج لغته، أسرح بنظري بعيدا في الغابة فلا أرى سياجا أو حارسا أو شرطيا أو قطعة تشير إلى (ممنوع) أو أخرى تشير إلى (حقل ألغام) كما في بلادي.
85
length1742suspicious-document0361segment
يقول المثل الفلسطيني "الكف ما بتلاطم مخرز" وهو مثل واقعي إلى حد ما؛ لكن هبة دراغمة وأخواتها أثبتن عكس ذلك، فهاهي تنضم إلى قافلة أخذت تغذ السير نحو الشهادة بإرادة قوية وعزم لا يلين، لتسجل لنفسها الرقم 5 بين عذارى الأقصى المبارك اللواتي تخضبن بالدماء بدلاً من التخضب بالحناء وآثرنا الزفاف إلى الجنان على الزفاف إلى أعشاش الزوجية! كانت "وفاء إدريس" أولى من سارعن إلى تدشين هذا العرس البهي خلال غضبة الأقصى التي ثارت في سبتمبر 2000؛ حيث نفذت عمليتها في مدينة القدس يوم 28/1/2002؛ فقتلت أحد الجنود المغتصبين وجرحت مئة وأربعين آخرين. ثم أعقبتها "دارين أبو عيشة" التي نفذت عمليتها في حاجز عسكري إسرائيلي شمال الضفة الغربية في 27/2/2002؛ وهو ما أدى إلى إصابة 3 جنود إسرائيليين. وقامت "آيات الأخرس" من مدينة بيت لحم بعمليتها في 29/3/2002 بأحد أسواق القدس الغربية؛ وهو ما أدى إلى مقتل إسرائيليين وإصابة العشرات، ثم نفذت "عندليب طقاطقة" من مدينة بيت لحم أيضاً عمليتها يوم الجمعة 12/4/2002، وأسفرت عن مقتل ستة إسرائيليين، وإصابة 85 وذلك في مدينة القدس. هبة العروس ولدت هبة عازم أبو خضير دراغمة عام 1982م "طوباس"، وهي طالبة بالفرقة الأولى جامعة القدس المفتوحة، قسم اللغة الإنجليزية، ببلدتها طوباس، التابعة إداريا لمدينة جنين. كان لديها من الشقيقات ثلاث كلهن متزوجات إلى جانب أربعة أشقاء أكبرهم بكر -20 عاما- وهو طالب في الثانوية الصناعية بـ"نابلس" ومعتقل حالياً في سجون الاحتلال بتهمة التخطيط لشن هجوم استشهادي على إسرائيل. كانت هبة التي التزمت بتعاليم الدين الإسلامي منذ فترة مبكرة من عمرها القصير(19 عاماً) وارتدت النقاب، قد تعرفت قبل فترة على حركة "الجهاد الإسلامي" التي بدأت تعدها لليوم الموعود. وقد جاءت عملية هبة مفاجأة للمحيطين بها وهم الذين عرفوها هادئة وداعة؛ حتى والديها لفتهم الدهشة والذهول من هول ما سمعوا فل يكن يتوقع أحدهما أن تكون هبة على هذا القدر من الجرأة والإصرار، بل لم يتوقعا أن تكون هموم فلسطين قد سيطرت على هذا القلب الأخضر الطري!
86
length951suspicious-document0362segment
ويعلق المودودي: "هذا الحادث لقنني درسًا، ولم أجرؤ طول حياتي أن أعتدي على الضعفاء". التحق بالمدرسة الثانوية في (أوزنك آباد) وهو في الحادية عشرة بعد 3 سنوات، فما إقامة أن أثار الإعجاب لذكائه وتفوقه، إجبار أنه كان يعيش في عدم شديد، وكان بيته يبعد عن مدرسته مسافة 15 كيلومترًا يقطعها على الأقدام ذهابا وعودة. الصحافة في خدمة الإسلام.. الدرس الثاني في "الدعوة" وعقب وفاة الوالد عام 1917 أدرك الابن أنه أصبح لا يملك إلا عمار الذات؛ فاتجه إلى الصحافة فانضم إلى صحيفة مدينة "بجنوز" 1918، ومنها إلى صحيفة (تاج) الأسبوعية، وفيها كتب افتتاحيات عديدة تتحمس للمحافظة على الخلافة الإسلامية، أوفى هذه الأثناء كتب كتاب "النشاطات التبشيرية في تركيا". ونتيجة احتكاكه بحركة الخلافة انتقل إلى دهلي عاصمة الهند، وقابل مفتي الديار الهندية الشيخ "كفاية الله" والشيخ "أحمد سعيد"، وكانا من كبار جمعية العلماء بالهند، ووقع الاختيار عليه لرئاسة إعفاء الصحيفة التي ستصدرها الجمعية تحت اسم "المسلم" (بين 1921 و1923)، أوفى عام 1924 أصدرت صحيفة الجمعية، ورأس المودودي تحريرها حتى 1948.
87
length1146suspicious-document0362segment
ها هي رسالة تأتي ذات مرة من الفلبين إلى مكتب سند المحتاجين.. والرسالة من امرأة تقول فيها: "إن زوجي مسلم أخذوه النصارى، وألقوه في بئر، وأصبحت أرملة، وأطفالي يتامى، وليس لي أحد بعد الله عز وجل، فقلت: لمن أكتب له في هذه الأرض لكي يساعدني؟ قال الناس لي: لا يوجد إلا الشيخ عبد العزيز بن باز! فآمل أن تساعدني". فكتب الشيخ إلى الجهات المسؤولة لمساعدتها؛ فجاءت الإجابة: "إنه لا يوجد بند لمساعدة امرأة ألقي زوجها في بئر، فالبنود المالية محددة". ولكن السماحة.. والجود.. وإغاثة الملهوف كانت فوق ذلك؛ فأتت الإجابة من ذاك الإمام إلى أمين الصندوق: "اخصم من راتبي عشرة آلاف ريال وأرسله إلى هذه المرأة!". وهنالك.. وفي أدغال أفريقيا؛ ذهب وفد سعودي في إحدى المهمات، فجاءت إلى الوفد امرأة عجوز، وقالت لأحدهم: أنتم من السعودية؟ فقال: نعم!. فقالت: أبلغ سلامي إلى الشيخ ابن باز! فقال: كيف عرفتيه؟! فقالت: لقد كنت أنا وزوجي عائلة نصرانية وأسلمنا، ولكن طاردنا أقرباؤنا وضاقت بنا الدنيا، فسألت عن معاون بعد الله، فقالوا: مالك بعد الله إلا ابن باز! فكتبت إليه وكنت لا أتوقع وصول الرسالة، ولكن فجأة إذا بالسفارة السعودية تتصل بي وتطلبني بمراجعتها، وإذا بسماحته قد أرسل لها بمساعدة عشرة آلاف ريال، فهذا الرجل كان له فضل بعد الله في ذلك، بعد أن عرف أننا في بلاء ونحن مسلمون!.
88
length3083suspicious-document0362segment
الرحلة، في الخطوات الأولى، انطلقت من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوجت، وتشردت مع عائلتي لظروف قاهرة، عبر أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقمت خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام، هذه المرة، طويلاً، حتى قارب العشرة من الأعوام، لم أكتب فيها حرفاً واحداً، وبذلك ضاع استواء رجولتي بين الثلاثين والأربعين من عمري، سدى، فالنبتة قلّما تعيش إلا في تربتها! هناك استثناءات كثيرة طبعاً، لكن غربتي، وهي مهنتي الشاقة، تختلف جداً، بسبب ما ترتّب عليّ من كدح لإعالة أسرتي، التي كان نصفها معي، والنصف الآخر في اللاذقية. لقد تزوجت مريم دميان سمعان، أصلها من بلدة السويدية، مصب نهر العاصي قرب أنطاكية، وكانت مقيمة في اللاذقية عندما التقيتها وتعارفنا بعد هجرة العائلة من اللواء العربي السليب، إنها إنسانة طيبة، شعبية، لم تتجاوز دراستها الصفوف الابتدائية، أي أنها مثلي من ناحية التحصيل العلمي، لكنها بذكائها الفطري، تفهّمت ظروفي كمناضل سياسي ضد الانتداب الفرنسي قبل الزواج، كما تفهمت ظروفي بعد الزواج ككاتب، فوفّرت لي، في الحالتين، جوّاً أسرياً سعيداً، قوامه نكران الذات إلى حد التضحية، في سبيل إنشاء الأسرة، ومشاطرتي آلام الغربة، وتوفير الهدوء والصفاء اللازمين لي ككاتب، وإني مدين لها بنجاحي، وهذه مناسبة أتحدث فيها لأول مرة عن هذه الإنسانة الرائعة، التي كانت معي على الدهر، لا مع الدهر علي، وهذه مأثرة المرأة الرائعة دائماً، التي تتحلى بصفات نبيلة، ومنها الصبر، والتدبير، والخلق الكريم، حتى أجد نفسي عاجزاً عن الكلام الذي يفيها حقها، بسبب أنها تفانت، ولاتزال، لإسعادي، وللسهر على الأسرة في غيابي وحضوري. إننا، هي وأنا، نقترب من نصف قرن من الزواج الناجح، والفضل في نجاحه يعود إليها حصراً، لأنها تتيح لي حرية اكتساب التجارب من جهة، والمناخ الملائم للكتابة عن هذه التجارب من جهة أخرى. رزقنا خمسة أولاد، بينهم صبيان، هما سليم، توفي في الخمسينيات، في ظروف النضال والحرمان والشقاء، والآخر سعد، أصغر أولادي، وهو ممثل ناجح جداً الآن، شارك في بطولة المسلسل التلفزيوني (نهاية رجل شجاع) المأخوذة عن رواية لي بهذا الاسم، فأبدى مقدرة غير عادية، في أدار دور (مفيد الوحش) عندما كان صغيراً، وهذا المسلسل لقي إعجاباً مثيراً، وبث إلى كل أنحاء العالم، كما شارك بدور البطولة (شاهين) في المسلسل التلفزيوني المهم (الجوارح) وكلا المسلسلين من إخراج نجدت إسماعيل أنزور، هذا الإنسان الموهوب إلى درجة الإبهار. لدينا ثلاث بنات: سلوى (طبيبة)، سوسن (مخدرة وتحمل شهادة الأدب الفرنسي)، وأمل (مهندسة مدنية) وقد تزوجن، ولم يتبعنني على طريق جهنم: طريق الأدب! شكاوى الناس بداياتي الأدبية الأولى كانت متواضعة جداً، فقد أخذت، منذ تركت المدرسة الابتدائية (هذه التي تعلمت فيها فكّ الحرف كما يقولون) بكتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة، كنت لسان الحي إلى ذويه، وسفيره المعتمد لدى الدوائر، أقدم لها، بدلاً من أوراق الاعتماد، عرائض تتضمن شكاوى المدينة ومطالبها، هنا كنت صدامياً ومنذ يفاعتي: إننا جياع، عاطلون عن العمل، مرضى، أميّون، فماذا يريد أمثالنا؟ العمل، الخبز، المدرسة، المستشفى، رحيل الانتداب الفرنسي، مطالبة الحكومة، في فجر الاستقلال، أن تفي بوعودها المقطوعة لأمثالنا. هذه كانت بدايتي، وقد دفعت الثمن، لأن المسئولين، آنذاك، وجدوا فيّ مخلوقاً يطالب بقوة، بإلحاح، بجرأة، مع أمثاله، بما هو حق لهم، وماذا كنا نخشى؟ في السجن نجد اللقمة، وفي تحقيق هذا المطلب أو ذاك نلقى العزاء، ولم يكن لدينا ما نخاف عليه، لأننا، أصلاً، مخلوقات العالم السفلي.
89
length451suspicious-document0362segment
ولعل عمل وحشي الجرح الفلسطيني وفداحة النكبة كانا من وراء حرارة النغم الذي أدى به هذا الشاعر الموهوب المرهف الحس الأصيل الانتماء، وهو يفتتح الجزء أول من القصيدة بنداء جياش مقيت يثير جميع المواجد: أناديك في الصرصر العاتية وبين قواصفها الذَّارية وأذكر جرحك في حربنا أوفى ثورة المغرب القانية دولة فلسطين يا استهل الأنبيا ويا لثم العرب الثانية ويا حجة الله في أرضه ويا هدية الأزل السامية أما الجزء الثاني فقد صاغه الشاعر على لسان فلسطين، فهو ينزف أسى ولكنه يسمو شموخا.
90
length198suspicious-document0362segment
وصرت أقيم كل عام معرضاً في بيتنا في الحريقة ومعرضي الثالث شاركني فيه نذير نبعة واسكندر لوقا وأخي الأصغر رجائي.. وكتب عنا أحمد جفان مقالاً في جريدة الميادين بدمشق بعنوان في معرض هواة الرسم لعام 1952.
91
length392suspicious-document0362segment
ولندع الكلمات الكبيرة، فإنني لا أنسجم معها، إجبار أن الحديث قد اضطرني إلى مقاربتها، فما أقوله لقرّائي أنني ولدت في حيّ فقير بائس في مدينة اللاذقية، أوفى حصل تتقاسم عائلات فقيرة غرفها، وقد اضطرت أمي إلى حرماني من نصف حليبها، وبيع النصف الآخر إلى ابن عائلة ثرية كانت تعمل عندها، يُقال إن أخوة في الرضاعة كان (جول فيتالي) وهو من الأغنياء الذين عاشوا حياة ترفة، ولم أر له وجهاً، لأنه ارتحل أدخل أعوام.
92
length218suspicious-document0362segment
حتى لاحت له الفرصة للالتحاق بجامعة عين شمس معيدًا بقسم الجيولوجيا بشرط عدم تلاحمه مع الطلاب أو التقصير في أي من محاضراته.. وبالفعل التزم الدكتور زغلول بهذه الشروط.. حتى كان يوم زيارة رئيس الحكومة في ذلك الوقت للجامعة..
93
length908suspicious-document0362segment
وتصف ميساء حال أهالي طوباس بالضفة الغربية بعد وصول أخبار قيام هدية بعملية استشهادية إليهم، قائلة: "الذهول والاستغراب مخيم على أهل المدينة بأكملها عندما علموا بنبأ قيام هدية بعملية استشهادية، فلم يكن أحد من أهل أهل المدينة يتوقع أن تنفذ هدية التي عرفها المقربون بالوداعة والهدوء". كما أشارت إلى أن أسرة هدية لم تصدق أخبار وقوفها أدرك العملية الاستشهادية في "العفولة" لأنهم كانوا يعتقدون أن هدية غادرت المنزل في ساعات الظهر قاصدة حلف أورشاليم المفتوحة في طوباس حيث تدرس اللغة الإنجليزية. أما والد هدية فبعد أن فهم من العالم في الشارع عن تطبيق ابنته لعملية استشهادية، ذهب مسرعاً لمنزله، فلم يجدها هناك، وبعدها ذهب لمنازل شقيقاتها الثلاث ، فلم تكن هناك أيضا، فأيقن شرعية الأنباء التي يتناقلها أهالي البلدة. "ثأر العفولة" في نفس العصر الحاضر الذي كانت فيه وزارة "أبو مازن" تتلقى التهاني بعد مصادقة المجلس التشريعي عليها، أيام الثلاث 29/4/2003م إنتصب العدو الإسرائيلي باغتيال "محمود صلاح" مرشد كتائب شهيد الأقصى في بيت لحم ومساعده "عدنان الجواريش".
94
length248suspicious-document0362segment
وكنت ألقي المحاضرات عن الواقع التربوي والثقافي في العالم العربي وأعطي الأمثلة من لبنان ومصر وأنقل إليهم تجربتي في العراق والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث سبق لي ونظّمت عدداً من الدورات التدريبية لأساتذة الأدب العربي.
وكنت ألقي الدروس عن الواقع التربوِي والثقافي في الوطن العربي وأعطي النماذج من لبنان ومصر وأنقل إليهم تجربتي في العراق والبحرِين والإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربية السعودية حيث سبق لي ونظّمت بعضا من الدورات التدريبية لمدرسي الأدب العربي.
95
length524suspicious-document0362segment
لا تفهموني خطأ، الحياة أعطتني، وبسخاء، يقال إنني أوسع الكتّاب العرب انتشاراً، معا نجيب محفوظ بعد نوبل، ومع نزار قبّاني وغزلياته التي أعطته أن يكون أقام إبن أبى ربيعة القرن العشرين. يطالبونني، في الوقت الحاضر، بمحاولاتي الأدبية الأولى، التي تنفع النقاد والدارسين، لكنها، بالنسبة إلي، ورقة خريف سقطت! وقد كنت، كما هو معروف، يسارياً وسأبقى، أما لماذا الأمر كذلك، فإن هذه (اللماذا) في اختلف محلها! تصوّروا ابن العالم السفلي، العاري، الحافي، الجائع، مثلي ومثل ناسي، ثم نكون في اليمين، الذي يتغذى أطفاله بالشيكولاته، ويركبون الكاديلاك!
96
length235suspicious-document0362segment
كثيراً ما أنسى أنني مع أم الود (وديعة الحافظ) زوجتي التي ترافقني في كل مشاوير الفن خاصة خارج المرسم.. وبين أحضان الطبيعة.. أنسى كل من حولي يقدمون لي الشاي فأغمس فرشاتي الملونة فيه، على عادتي بأن أغمسها بفنجان زيت الكتان مع التربانتين..
غالبا ما أنسى أنني مع أم الود (وديعة الحافظ) زوجتي التي ترافقني في كل خرجات الفن خاصة خارج المرسم.. وبين أحضان الطبيعة.. أنسى كل المحيطين بي يقدمون لي الشاي فأغمس فرشاتي الملونة فيه، على عادتي بأن أغمسها بكوب زيت الكتان مع التربانتين..
جزاكما الله خيرا حنان و مروة
97
length294suspicious-document0362segment
ويقول أيضا مؤلف "سيقهر الماء صم الحجر" في تفنيده لهذا الادعاء: "إن مجرد التمني لا يعني أن الكاتبة قد أطلقت حكمها على صلاح النظام أو خلافه. كما أكدت شمل أن زياراتها لباكستان كانت دومًا زيارات علمية، فضلاً عن لقائها بجميع عناصر المعارضة خلالها، وفي مقدمتهم أسرة الرئيس السابق ذو الفقار علي بوتو".
98
length481suspicious-document0362segment
ومن جانبٍ آخر كنت أرى فيه الرد الحقيقي على الفاشيين والظلاميين أو المزايدين والموهومين أو السماسرة.. (غاية الأدب هي أن لا يطلق الغبار العنصر الرابع والتسعون الوعي. - وول سوينكا)، منتبها أيضا لمقولة لوكاش: (قد تخطئ حركات وأحزاب ولكن على المثقف أن يرفع صوته عاليا بوجه هذا الخطأ).. لقد انجاز جنرالات الحروب وتجار السياسة والعقائد على تغييب الوعي ومن ثم غيبوا الإنسان ثم غيبوا الوطن.. وهذا الغياب المقصود هو الذي أطال في أقام الدكتاتورية وأتمنى أن لا يتكرر هذا الغياب ليطيل من أقام خرابنا واحتلالنا وشتاتنا..
ومن ناحية ثانية كنت أرى فيه الإجابة الحقيقية على الفاشيّين والظلاميّين أو المزايدين و غير الواقعيين أو الدلالون.. (هدف الأدب هي أن لا تطلق الغبرة بل الإدراك. - وول سوينكا), منتبها أيضا لقول لوكاش: (ربما تخطئ حركات وأحزاب ولكن على المفكر أن يرفع صوته عاليا بوَجْه هذا الخلط).. لقد عمِل لواءات الحروب وتجار السياسة والعقائد على طمس الإدراك ومن ثم غيّبوا الإنسان ثم غيّبوا البلد. وهذا الغياب المتعمد هو الذي زاد في عمر الدكتاتورية وأرجو أن لا يعاد هذا الغياب ليزيد من عمر دمارنا واستعمارنا وفرقتنا..
99
length171suspicious-document0362segment
وقد أخذ بيدي، وهدّأ مخاوفي، وحمل عني أعباء كثيرة، وأصبح (توأم روحي) الذي أشكّل معه منذئذ (1960) (ثنائيا) في الحياة، وأسمع الناس بأذني يقولون: (السعيد بدوي ومحمود الربيعي).
100
length144suspicious-document0362segment
ثم توجه إلى قطر عام 1978م إلى عام 1979م، وشغل فيها نفس المنصب السابق. وقد عمل قبلها أستاذًا زائرًا بجامعة كاليفورنيا لمدة عام واحد في سنة 1977م.
ثم توجه نحو قطرسنة 1978م إلى عام 1979م، وشغل فيها ذات المنصب السابق. وقد اشتغل قبلها معلما زائرًا بكلية كاليفورنيا لفترة سنة واحدة في عام 1977م.
جزاكما الله خيرا حنان و مروة