1 of 9

مفاهيم بلاغية

أ.د. لقاء عادل حسين

2 of 9

المدارس البلاغية

المدرسة الكلامية: كان للفلسفة وعلم الكلام أثر في الفكر العربي والاسلامي، ولم يسلم علم من العلوم من الأثر الفلسفي والكلامي، وكان للبلاغة نصيب عظيم من ذلك الأثر فتوثقت الصلة منذ عهد مبكر بينها وبين المنطق والفلسفة، وأخذت هذه الصلة تزداد قرناً بعد قرن حتى بلغت اوجها في القرن السادس للهجرة وما بعده، وقد انعكس ذلك في الدرس البلاغي، فكانت المدرسة الكلامية التي اهتمت:

  1. بالتحديد الدقيق والتقسيم العقلي.
  2. جعل التعريف جامعاً مانعاً.
  3. استعمال اساليب المتكلمين في بحث الموضوعات وحصرها.
  4. الاكثار من الالفاظ الفلسفية والمنطقية.
  5. وقد ساق البلاغيون كثيراً من المقولات، عند القول في الملكة حين وردت في تعريف الفصاحة والبلاغة، وما صدروا به البيان من بحوث الدلالات الوضعية والعقلية. وأدخلوا فيها بعض مسائل الفلسفة الطبيعية والإلهية والخلقية كالكلام في الالوان والطعوم والروائح والحواس الإنسانية ومقرها، والوهم والخيال والمفكرة والحس المشترك والأسباب والمسببات وغيرها.
  6. وأدخلوا فيها من الألفاظ الفلسفية والكلامية الشيء الكثير، مما لا صلة له بالبحث البلاغي الذي يعتمد اول ما يعتمد على الذوق السليم.

3 of 9

7. ومن شواهد الاثر الفلسفي في هذه المدرسة الاقلال من الأمثلة الادبية، لأن رجالها اهتموا بالاقلال من الأمثلة الأدبية اهمها:

  1. التلخيص للخطيب القزويني.
  2. ودلائل الاعجاز لعبد الناصر الجرجاني.
  3. نهاية الايجاز في دراية الاعجاز للرازي.
  4. مفتاح العلوم السامي المطول على التكلف والمختصر للتفتازاني.

8. فكانوا يذكرون لكل قاعدة شاهداً واحداً أو مثالاً قصيراً، وليتهم وقفوا عند ذلك، فهم كثيراً ما يذكرون أمثلة لا جمال فيها، لأن صحة الشاهد أو المثال عندهم أصل كل شيء، أما جماله وما يبعث في النفس من احساس أو شعور فني فلم يوجهوا عنايتهم إليه .

9. ولعل اهتمام المتأخرين منهم بالاختصار وتلخيص الكتب المتقدمة كان سبب الاقلال من الأمثلة والشواهد والاكتفاء باقلها وأقصرها وبما ينسجم مع أذواقهم التي سيطرت عليها النزعة العقلية، وخير مثال على ذلك كتاب التلخيص للخطيب القزويني (- ٧٣٩هـ) الذي أوجز فيه مباحث البلاغة التي ذكرها السكاكي (-٦2٦هـ) في كتابه "مفتاح العلوم" فأصبحت جافة لا تنفع كثيراً مما اضطره إلى شرح كتابه بالإيضاح ، ودفع الآخرين كالتفتازاني ، وبهاء الدين السبكي ، وعصام الدين الاسفراييني وغيرهم إلى شرحه أيضاً.

4 of 9

  • شاعت المدرسة الكلامية في المناطق الشرقية من الدولة الإسلامية حيث يقطن خليط من الفرس والترك والنتر، وكانت خوارزم أكبر البيئات التي ظهر فيها اقطاب هذه المدرسة :
  • فخر الدين الرازي (- ٦٠٦هـ) صاحب "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" والسكاكي صاحب "مفتاح العلوم".
  • وأهم كتبها "دلائل الإعجاز" العبد القاهر الجرجاني
  • و"نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" للرازي
  • و"مفتاح العلوم" للسكاكي
  • و"المصباح في اختصار المفتاح" لبدر الدين بن مالك
  • و"تلخيص المفتاح" و"الإيضاح" للقزويني
  • و"عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح" لبهاء الدين السبكي
  • و"المطول على التلخيص" و"المختصر" لسعد الدين التفتازاني
  • و"مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح" لابن يعقوب المغربي، وغيرها من شروح التلخيص الأخرى.

5 of 9

المدرسة الأدبية

كان القرآن الكريم من أهم العوامل التي طبعت بحوث البلاغة بطابع أدبي يعتمد على الذوق الرفيع قبل اعتماده على التحديد والتقسيم. وكان للكتاب والشعراء أثر واضح في البلاغة، فقد صبغوا كثيراً من موضوعاتها بصبغة أدبية لما امتازوا به من أدب غزير وذوق سليم: وكانت نتيجة تلك العوامل أن اتجهت البلاغة منذ عهد مبكر اتجاهاً أدبياً وسلكت طريقاً بعيداً عن المدرسة الكلامية، وكانت لها خصائص واضحة تميزها عن المدرسة الأخرى ومن ذلك :

  1. أنها لم تهتم كثيراً بالتحديد والتقسيم وأن جنحت إلى ذلك فعلى غير تعمق ونفاذ والتزام للتصحيح التام للأصول المنطقية
  2. ولم تهتم باقتباس المنطقيات ومسائل الفلسفة بل نبذتها وحملت عليها وحاربتها، وكان ابن الأثير أحد أقطابها من الذين أنكروا ادخال الأساليب الفلسفية في البحث، قال: «أعلم أن ذلك الحصر كلي لا جزئي، ومحال أن تحصر جزئيات المعاني وما يتفرع عليها من التفريعات التي لا نهاية لها: لا جرم أن ذلك الحصر لا يستفيد بمعرفته صاحب هذا العلم ولا يفتقر إليه فإن البدوي البادي راعي الإبل ما كان يمر شيء من ذلك بفهمه ولا يخطر بباله، ومع هذا فانه كان يأتي بالسحر الحلال إن قال شعراً أو تكلم نثراً»

6 of 9

3. استعمال المقاييس الفنية في الحكم على الأدب ولذلك نجدها مرة تستطيع التعليل ومرة لا تستطيع ذلك، وترجعه إلى الذوق والإحساس الفني.

4. أسلوب كتبها سهل لا يحتاج إلى عناء كبير في فهمه كما يحتاج في قراءة كتب المدرسة الأخرى، وسبب ذلك أن معظم رجالها عاشوا في بيئات عربية كالعراق والشام ومصر، وكانوا إلى جانب ذلك شعراء أو كتاباً. أما رجال المدرسة الكلامية فقد عاشوا في بيئات أعجمية فغلبت على كتبهم العجمة ولم يكونوا أدباء بل كانوا من الفلاسفة والمتكلمين.

5. أسرف رجال المدرسة الأدبية في ذكر الشواهد والأمثلة، وكانوا يذكرون القاعدة أو التعريف ثم يأتون بالأمثلة الكثيرة. ولم تكن الأمثلة مقصورة على الجملة أو بيت الشعر وإنما تعدتها إلى القطعة الشعرية والرسالة الأدبية ، ويتضح هذا في جميع كتب المدرسة:

أ/فابن المعتز - مثلاً - يذكر تعريف الاستعارة أو التجنيس ويورد بعد ذلك امثلة كثيرة ويفرق بين الحسن والردىء ، وتبعه البلاغيون الآخرون في هذا المنهج .

ب/كابي هلال العسكري في "كتاب الصناعتين" ،

ت/وابن رشيق في "العمدة" ،

ث/وأسامة ابن منقذ في "البديع في نقد الشعر"

ج/وابن الأثير في "المثل السائرة" و"الجامع الكبير"

ح/وابن أبي الأصبع المصري في تحرير "التحبير"

7 of 9

6. وقد سادت هذه المدرسة في المناطق الوسطى من العالم الإسلامي كالعراق والشام ومصر وشمالي افريقية.

7. واهم كتبها التي تضمنت خصائصها :

أ. كتاب "البديع" لابن المعتز

ب. "كتاب الصناعتين" للعسكري

ت. "العمدة" لابن رشيق

ث. "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجي

ج. "اسرار البلاغة" لعبد القاهر الجرجاني

ح. "البديع في نقد الشعر" لابن منقذ

خ. "المثل السائر" و"الجامع الكبير" لابن الأثير

د. "بديع القرآن" و"تحرير التحبير" لابن أبي الاصبع

ذ. "حسن التوسل إلى صناعة الترسل" لشهاب الدين الحلبي

8 of 9

  • هاتان هما المدرستان البلاغيتان، وقد كانت لكل واحدة منهما خصائص عامة، ولكن هل يمكن وضع فاصل بين الذين اتجهوا اتجاهاً عقلياً والذين نهجوا نهجاً أدبياً؟ ليس من الممكن ذلك لأن البلاغي الواحد كثيراً ما يمزج بين الطريقتين ويستفيد من الإتجاهين، فالجاحظ مثلا - وهو رأس فرقة اعتزالية سميت الجاحظية - نراه يميل إلى الفن ويحكم الذوق في كثير من الأحيان، وأبو هلال العسكري مع تأكيده أنه لن يتبع طريقة المتكلمين نراه يتجه نحوهم في تقسيماته وتبويبه ويجري في مضمارهم ويخدم اغراضهم. وكان عبد القاهر الجرجاني يميل مرة إلى المدرسة الكلامية في كتابه "دلائل الإعجاز" ويتجه إلى المدرسة الأدبية في كتابه "أسرار البلاغة"، وهو في كتابه الأول يجادل جدلاً منطقياً فيكرر اساليب أهل الجدل كقوله: "إن قلتم قلنا ..." و"كيف لا يكون الأمر كذلك ..." "ما هو إلا كذا وكذا ..." وهو في كتابه الثاني أديب يعمد إلى التحليل الفني وابراز ما في الكلام من بلاغة وجمال لأنه لا يريد أن يدافع دفاعاً عقلياً كما دافع عن القرآن في كتابه "دلائل الإعجاز".

9 of 9

  • وممن جمعوا بين الطريقتين في كتاب واحد يحيى بن حمزة العلوي (-٧٤٩ه) صاحب "الطراز المتضمن الاسرار البلاغة وحقائق الإعجاز"، فهو في القسم الأول منه يسير على منهج أدبي واضح فيه التحليل والاكثار من الأمثلة، وهو في القسم الثاني من الكتاب يتبع طريقة المدرسة الكلامية في تصنيف موضوعات البلاغة وعرضها وفي الجدل وتقديم الأدلة، وقد يكون سبب ذلك أنه في هذا القسم تعرض لإعجاز القرآن، وهو مما يدفع الباحث إلى النظر العقلي ورد الشبهات بالأدلة والبراهين.