قارئة الفنجان
قارئَة الفنجانِ إحدى قصائدِ الشّاعرِ السّوريّ الكبيرِ نزار قبّاني، وهي لوحةٌ شعريّة عاطفيّة تقبلُ قراءاتٍ عدّة منها: قراءةٌ وجدانيّة، سياسيّة، فكريّة على المستويين الفرديّ والجماعيّ، وغير ذلك.
يتعاطى الشّاعرُ في قصيدته"قارئةالفنجان" مع أسلوبٍ فنّيّ يعتمدُ الرّمزيّة الشّفّافة، فهو يصوغُ مادّته الشّعريّة في قالبِ صورة شعريّة تتخلّلها عناصر قصصيّة معيّنة في مقدّمتها طابعُ الحدثِ، فهي تتناولُ سياقَ حدثِ قراءَةِ فنجانٍ وسردِ ما وراءَهُ من طوالعَ حاضرةٍو مستقبلية
يظهر استخدام مفردات غيبيّة، في سياق القصيدة، ومنها: "المكتوب، مرصود، بصَّرتُ، ونجّمت، مقدورك"، وكلّها تثير في القارئِ شعورًا بحتميّة القدرِ وعجزِ الإنسانِ عن مواجهتِهِ، وتلكَ إشارةٌ رمزيّة تدلُّ على ضعفِ العربيّ في معركتِهِ مع زمنهِ وعصرِهِ وواقعهِ المأزومِ، فحظُّه حزينٌ دائِمُ الحزنِ، وواقعهُ لا يشبهُ واقعَ أحدٍ من النّاسِ.
���������يستخدمُ الشّاعر أفعالاً ماضية وأخرى مضارعة في سياقِ القصيدةِ، ويبدو أنّه يرمي من خلال هذه التّركيبة إلى تأكيد دلالات الامتداد في الصّورة الشّعريّة للقصيدة، وتوجيهِ المعاني نحو استمرارِ الحالِ طويلاً، ممّا يعمّقُ أزمةَ ذلكَ الولدِ المُخاطبِ عبرَ سياقها،�( لا تحزن، جلست، تتأمّل، ستحبّ، مات، ترجع) هذه الأفعال تتراوح بين الأفعال الماضية والمضارعة ممّا يعطي القصيدة شكلا ممتدّا عبر العصور المتعدّدة والمختلفة مستحضرا للصّورة الشّعريّة في كلّ العصور. كما أنّ استخدامه للأفعال المضارعة يعطي للصّورة التّجدّد والاستمرار.
وتؤكّد معظم الجملُ الاسميّة البارزة في القصيدة معنى الثّباتِ والرسّوخ والاستقرار في حالٍ واحدةٍ لا تتغيّرُ، ومنها: "الخوف بعينيها، الحبّ عليكَ هو المكتوب، فنجانك.. دنيا مرعبةٌ، طريقك.. مسدودٌ.. مسدودْ"، ويتأكّدُ ذلك أيضًا باستخدامِ الشّاعرِ لصيغٍ اشتقاق (من المشتقات) معيّنة منها صيغة الصّفة المشبّهة باسم الفاعل، والّتي تدلّ على الثّبات والاستدامة معًا، وقد ظهرت تلك الصّيغة في عدّة كلمات في سياق القصيدة منها: "شهيدًا، كبيرٌ، وحيدًا، حزينًا".
يُكثرُ الشّاعرُ من توظيفِ الأسلوبِ الخبريّ التّقريري في صياغةِ الجملِ في القصيدةِ، ويلاحظُ أنّها تؤكّد بشكل ما على دلالة لغويّة وبلاغيّة تدعّمُ الثّباتَ واليقينيّة في المصير والحتميّة في بقاء الحالِ كما هوَ، ويظهرُ ذلك من خلال كثيرٍ منها، ومن أهمّها مطالعُ المقاطع الأربعة في سياقها
وظّف الشّاعر الأساليب الإنشائيّة بدلالات لغويّة: "يا ولدي" أسلوب إنشائي- نداء- للتّعجّب والدّهشة." لا تحزن" أسلوب إنشائي- نهي للالتماس. جاءت هذه الجمل تعكس انفعال قارئة الفنجان وتعاطفها مع المحبّ...
لقد استخدم الشّاعر كثيرا من الكلمات المعرّفة، وقد حاول تعريفها بأشكال متعدّدة منها: التّعريف ب (أل) التعريف: (الخوف، المقلوب، الحبّ، المكتوب، المحبوب، الأرض، العنقود) وكلّها جاءت معرّفة ب(أل) للدّلالة على التّعظيم ومنها ما جاء معرّفة ب(أل) التّعريف للدّلالة على العموم والشّمول، منها: (الأصداف، الصّفصاف). كما أنّ الشّاعر استخدم نوعا آخر من المعارف وهو التّعريف بالإضافة
كما في قوله: (دين المحبوب، كلّ نساء الأرض، أميرة قلبك، حجرتها، يدها سور حديقتها، ضفائرها، حدّ الخنجر، بغير قلوع،) وكلّها جاءت للدّلالة على الارتباط التّامّ بين المُضاف والمُضاف، ومنها ما يدلّ على التّخصيص والتّوكيد، كما في فنجاني- بحياتك-فنجانك- أحزانك- بحر الحبّ
. لقد استخدم الشّاعر التّنكير في بعض الكلمات، منها: (شهيدا)- نكرة للدّلالة على تعظيم مكانة شهيد الحبّ، ( دنيا- مرعبة) نكرة للدّلالة على التّهويل من خوض الأسفار، (مسدود) نكرة للدّلالة على استحالة اختراق حجب المحبوبة، ( قصر)
نكرة للدّلالة على عظمة هذا القصر ومكانته في قلوب المترصّدين، (كلاب) نكرة للدّلالة على التّهويل من أمر كلاب الحراسة حول القصر ( مفقود) نكرة للدّلالة على التّحقير من شأن كلّ من تسوّل له نفسه اختراق الحجب والأسوار. (وحيدا- حزينا) نكرة للدّلالة على التّحسّر.
3-قدّم الظّرف (أبدا) في أكثر من موضع داخل القصيدة:�(لم أعرف أبدا فنجانا يشبه فنجانك)، (لم أقرأ أبدا أحزانا تشبه أحزانك)، (أن تمشي أبدا في الحبّ)، (أن تمضي أبدا في بحر الحبّ) وتقديم الظّرف في الحالات السّابقة، للدّلالة على استقبال الأفعال الحالية واحتمالية مواجهتها في المستقبل.��4-في عبارة (كلاب تحرسه) حيث أفاد تقديم كلمة (كلاب) على الجملة الفعليّة (تحرسه) التّنبيه إلى شراسة كلاب الصّيد التي تحرس القصر، ولا تغفل عنه أبدا.�
��استخدم الشّاعر أسلوب التّوكيد بأشكال متنوّعة، منها:�التّوكيد بالتّكرار: في تكرار النّداء (يا ولدي)- (كثيرا) – (مسدود)- (مفقود)�التّوكيد بـ (قد والفعل الماضي) كما في : ( قد مات شهيدا)�التّوكيد بضمير الفصل، كما في: (الحبّ عليك هو المكتوب)����.