الأغذية المصنعة من الجيلاتين المشتق من الخنزير
* المبحث الأول : تصور النازلة .
المطلب الأول : في التعريف بالجيلاتين وأنواعه .
المطلب الثاني : مصطلحات النازلة .
المطلب الثالث : نشأة الجيلاتين .
المطلب الرابع : تصنيع الجيلاتين .
المطلب الخامس : استخدامات الجيلاتين في الصناعات الغذائية .
* المبحث الثاني : التكييف الفقهي للمسألة ، وذكر أصولها.
المطلب الأول : التكييف الفقهي للمسالة .
المطلب الثاني : آراء الفقهاء في استحالة النجاسة بالتطهير .
المطلب الثالث : آراء الفقهاء في استحالة النجاسة بفعل آدمي . * المبحث الثالث : آراء الفقهاء في الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس « الخنزير «.
تعريف الجيلاتين
الجيلاتين كلمة لاتينية مشتقة من جيلاتس (GELATUS) ، وتعني : مجمد أو قاسي .
وهو عبارة عن ألياف بيضاء بروتينية تذوب في الماء ، وتُستخرج من التحليل الجزئي للكولاجين ، الصادر من الأربطة العضلية للحيوانات ، أو من عظام ومفاصل الحيوانات ، أو من جلودهم بواسطة الغليان في الماء .
كما يحتوي الجيلاتين على مواد حيوانية غير جيلاتينية ، كالسكريات ، والحمض النووي ، بنسبة لا تتجاوز 1% ، وهي صادرة من الحيوان مصدر الجيلاتين .
وتتكون المواد البروتينية من أحماض أمينية ترتبط ببعضها بواسطة الروابط الببتيدية .
وأساس اختلاف البروتينات فيما بينها يعود إلى اختلاف سلاسل جانبية توجد عند ارتباط الأحماض الأمينية ببعضها . ويسوّق الجيلاتين في شكل رقائق أو مسحوق خشن ، يمتص الماء ، ويذوب في الماء الحار .�
أنواع الجيلاتين بحسب ما يستخلص منه :
أنواع الجيلاتين بحسب استخداماته :
مصطلحات النازلة
الجيلاتين أو الجلاتين ، ورمز وجوده في الأغذية ( E441 ) .
الاستحالة : لغة : من استحال الشيءُ: إِذا تغيّر عن حاله ، واستحال الكلامُ: أي صار محالًا .
اصطلاحاً : هي الحركة الكيفية ، وهي الانتقال من كيفية إلى كيفية أخرى تدريجياً .
وقيل : أن يخلع الشيء صورته
ويلبس صورة أخرى .
نشأة الجيلاتين
ظهر الجيلاتين عند الفراعنة على شكل مادة لاصقة و قد وجدت في أحد قبور الملوك , و في ذلك الوقت كان يعتبر الجيلاتين مادة ثمينة لا يمكن أن يمتلكها إلا الأغنياء . |
في التاريخ الحديث كان أول ظهور للجيلاتين في عام 1682م ، حيث قام شخص فرنسي يدعى دينس بابين بإجراء تجربة تتمثل بغلي عظام و جلود الحيوانات , و نتج عن هذه التجربة مادة الجلاتين . |
بعد هذه التجربة بما يقارب مئة عام أصبح الجيلاتين يصنع في انجلترا بكميات تجارية ، و يتم تصديره للعالم الجديد أو الولايات المتحدة . |
* سبب انتشار استخدام شحوم الخنزير في كثير من المنتجات الغذائية إلى الانخفاض الكبير في الاستهلاك المباشر لشحم الخنزير وغيره من الشحوم الحيوانية .
* أدى ظهور جنون البقر إلى زيادة استهلاك الخنزير ، وبالتالي ازدياد الجيلاتين المستخرج من الخنزير .
تصنيع الجيلاتين
يتم تسخين الكلاجين المستخرج من أربطة وعظام وجلود الحيوانات في ماء يبلغ درجة حرارته 60-70مْ .
وتتضمن عملية تحويل الكلاجين إلى جيلاتين الخطوات التالية :
والتغير الحادث في الخطوة الأخيرة هو التغير الوحيد الضروري لتحويل الكلاجين إلى جيلاتين ، وتحدد الطريقة المتبعة في إنتاج الجيلاتين صفاته وخواصه ، فإذا حدث هدم للروابط الببتيدية فإن عديداً من الروابط الجانبية ستبقى سليمة على حالتها دون تحطم مع إنتاج أجزاء ذائبة .
خطوات تصنيع الجيلاتين
* الصنف (A) يحضّر بواسط الحمض ، ويستخلص من جلود الخنازير الطازجة ، ويمكن تصنيع كميات قليلة منه من عظام وجلود الأنعام ، و تكون فيها الحالة الجزيئية غير محطمة ، ويستخدم الجيلاتين الناتج عنها في المواد الغذائية .
* الصنف (B) يحضّر بواسطة القاعدة ، ويستخلص من العظام في أوروبا ، ويكثر استخراجه في أمريكا من الجلود غير المدبوغة ، يتم الاستخلاص فيها باستخدام طرق خشنة ، وتبعاً لذلك فإن الأوزان الجزيئية الناتجة بعد الاستخلاص تكون متباينة وذات صفات متغايرة .
يصنّف الجيلاتين ضمن زمرتين كبيرتين
خطوات تصنيع الجيلاتين بواسطة الحمض / صنف (A) :
عادةً ما تستخدم هذه الطريقة في الجلود ذات المصدر الخنزيري وعلى العظام على النحو التالي :
2. المعالجة : بعد الغسل وإزالة الدهون يتم تنقيع الجلود في حامض غير عضوي بتركيز 5 % ، باستخدام حامض الهيدروكلوريك أو السلفوريك أو حامض الفوسفوريك ، مما يجعل الكولاجين ينتفخ ويصبح بشكل ذائب .
بعد 10-72 ساعة من التنقيع يتم التخلص من الحامض ويغسل الكولاجين الذي يبقى بشكل منتفخ .
3. الاستخلاص : بعد المعاملة بالحامض فإن الكولاجين يتم استخلاصه بدرجة حرارة منخفضة أولية مقارنة بالجلود البقرية ، ثم يتم رفع درجة الحرارة إلى درجة الغليان لبرهة ، ثم يبرد الجيلاتين حتى يتجمد ، ثم يكبس في شبكة مثقوبة ليخرج على هيئة خطوط رفيعة ، تقطع بعد ذلك قطع صغيرة ، ثم تطحن إلى مسحوق ناعم أو خشن .
والجيلاتين المنتج من جلود الخنزير بهذه الطريقة ، يكون ذات قوة أعلى وذات لون وصفاء أفضل مقارنة بالجيلاتين المنتج من جلود الماشية والمستخلص باستخدام المعاملة القاعدية .
خطوات تصنيع الجيلاتين بواسطة القاعدة / صنف (B) :
3. المعالجة : يتم تحويل مادة " الأوسين " إلى الكلاجين ؛ ليسهل تحلله بالماء لاستخلاص الجيلاتين . ويتم ذلك عن طريق نقل العظام إلى أحواض بها جير يتم تقليبها باستمرار ليتخللها الهواء حتى لا تتحلل بالميكروبات ، وحتى يصل الجير إلى أنسجة العظام الداخلية ، فيحسن من النتاج النهائي للجيلاتين .
وتبقى العظام مخمرة في الجير لمدة تتراوح ما بين أربعة أسابيع إلى ثمانية ، ثم يتم غسل العظام مراراً للتخلص من الجير ، وإضافة كميات من الأكسجين المركز أو حمض الكريتوز المزيل للألوان والذي يعمل كمادة حافظة وقاتلة للميكروبات .
4. التركيز والتجفيف والتعبئة : يتم ترشيح المحاليل ذات التركيز الخفيف - المحتوية على جيلاتين ذائب في الماء وهي ساخنة – خلال مرشحات ، ثم يتم نقلها إلى أجهزة التركيز تحت ضغط جوي منخفض ، لتصل نسبة التركيز إلى 35% ، وعند ذلك يتم رفع درجة الحرارة إلى درجة الغليان لبرهة ، ثم يبرد الجيلاتين حتى يتجمد ، ثم يكبس في شبكة مثقوبة ليخرج على هيئة خطوط رفيعة ، تقطع بعد ذلك قطع صغيرة ، ثم تطحن إلى مسحوق ناعم أو خشن .
استخدامات الجيلاتين في الصناعات الغذائية
كالنقانق وبعض أنواع اللحوم والأسماك المغلفة .
كالكعك والفطائر .
التكييف الفقهي للمسألة
• اختلاف الفقهاء في تأثير الاستحالة في التطهير .
وذلك بـ : 1- القياس على استحالة الخمر إلى خل .
2 -القياس على الخنزير والميتة إذا وقعتا في المملحة فاستحالتا ملحاً .
• اختلاف الفقهاء في الاستحالة بفعل الآدمي .
وذلك بـ : 1- القياس على طهارة الجلد بعد دبغ الآدمي له .
2- النص الوارد في النهي عن تخليل الخمر .
آراء الفقهاء في استحالة النجاسة بالتطهير
اختلف الفقهاء قديماً في أثر الاستحالة في التطهير على قولين :
القول الأول : طهارة نجس العين بالاستحالة ، وهو قول الحنفية وبه يفتى عندهم ، والمالكية ، ورواية عن الإمام أحمد ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثاني : أن نجس العين لا يطهر بالاستحالة ، وهو قول أبو يوسف من الحنفية ، والشافعية ، وظاهر مذهب الحنابلة.
أدلة القول الأول القائل بطهارة العين النجسة بالاستحالة
وجه الدلالة : أن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث ، كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب ، فالأعيان النجسة بعد استحالتها وتغيُّر أوصافها وزوال النجاسة عنها ليس فيها من وصف الخبث ، وإنما أصبحت من الطيبات ، فهي طاهرة .
2. عن أنس بن مالك، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى بني النجار ، فجاءوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته ، وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب ، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ، ويصلي في مرابض الغنم ، وأنه أمر ببناء المسجد ، فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال: « يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا »، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ، فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين ، وفيه خرب وفيه نخل ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين ، فنبشت ، ثم بالخرب فسويت ، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: «اللهم لا خير إلا خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره» .
3. القياس على الخمر النجس الذي يصير خلاً فيطهر باتفاق الفقهاء ، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها .
نوقشت طهارة استحالة الخمر إلى الخل بما يلي :
أن الخمر نجست بالاستحالة ، فطهرت بالاستحالة ، بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير فإنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها .
يرد عليه :
أن هذا الفرق ضعيف ؛ لأن جميع النجاسات نجست أيضا بالاستحالة ، فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة ، وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة.
4. الاستقراء الدال على أن كل ما بدأ الله بتحويله وتبديله من جنس إلى جنس مثل جعل الخمر خلاً ، والدم منياً ، والعلقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر ، ولحم الجلالة الخبيث طيباً وكذلك بيضها ولبنها ، والزرع المسقي بالنجس إذا سقي بالماء الطاهر وغير ذلك ، فإنه يزول حكم التنجيس ويزول حقيقة النجس واسمه التابع للحقيقة ، وهذا ضروري لا يمكن المنازعة فيه ؛ فإن جميع الأجسام المخلوقة في الأرض فإن الله يحولها من حال إلى حال ، ويبدلها خلقاً بعد خلق ، ولا التفات إلى موادها وعناصرها .
5. أن الخنزير والميتة إذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً فإنه يطهر ؛ لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة ، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل؟ فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح .
دليل القول الثاني القائل بأن نجس العين لا يطهر بالاستحالة
* استصحاب حكم النجاسة العينية ، فما حكم بنجاسة عينه لا يزول حكمه ولو استحال لمادة أخرى ما دامت عينه باقية ، على خلاف ما كان نجساً لمعنىً معقول كالخمر فإنه يطهر بزوال المعنى المعقول .
ويمكن أن يناقش بما يلي :
أنه من الممتنع الحكم بالخبث على الشيء وقد زال اسمه ووصفه ، والحكم تابع للاسم ، والوصف دائر معه وجوداً وعدماً ، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الرماد والتراب والملح والخل لا لفظاً ولا معنىً ولا نصاً ولا قياساً .
يرد عليه :
أن هذا القول منقوض بجلد الميتة قبل الدبغ وبعده ، فإنه يصدق عليه مسمى جلد الميتة في كلا الحالين ، وإن كان حكمه بعد الدبغ مخالفاً لحكمه قبله .
الترجيح :
الراجح - والله أعلم – طهارة العين النجسة بالاستحالة التي تغيّر صفات العين النجسة وتزيل أوصافها ؛ لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراض .
آراء الفقهاء في استحالة النجاسة بفعل آدمي
اتفق الفقهاء على طهارة الخمر إذا استحال إلى خل بنفسه ، واختلفوا فيما إذا قُصد تخليلها ، - أي : بفعل الآدمي - على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يحرم تخليل الخمر بفعل الآدمي ، وهو المشهور عند المالكية، وقال به الشافعية، والحنابلة.
القول الثاني : يحلّ تخليل الخمر بفعل الآدمي ، وبه قال الحنفية، وهو قول عند المالكية، وقول عند الحنابلة.
القول الثالث : يكره تخليل الخمر بفعل الآدمي ، وهو قول عند المالكية .
أدلة القول الأول القائل بتحريم تخليل الخمر بفعل الآدمي
* ما روي عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا، قال: " أهرقها " ، قال: أفلا أجعلها خلا ؟ قال: " لا " .
وجه الدلالة : نص النبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن التخليل ، وحقيقة النهي للتحريم ، ولأنه لو جاز لندبه إليه لما فيه من إصلاح مال اليتيم.
نوقش هذا الدليل : أنه يحمل على النهي عن التخليل لمعنى في غيره وهو دفع عادة العامة ؛ لأن القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر ، فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر ، وفي البيت غلمان وجوار وصبيان ، وكانوا ألفوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة ، والنزوع عن العادة أمر صعب ، فقيّم البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة فقلّ ما يسلم الأتباع عنها لو أمر بالتخليل ؛ إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر فيؤدي إلى فساد العامة وهذا لا يجوز، وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها ؛ حمل على هذا دفعا للتناقض عن الدليل ، وبه تبين أن ليس في حلّ التخليل احتمال الوقوع في الفساد .
* أن في الاشتغال بالتخليل احتمال الوقوع في الفساد ، ويتنجس الظاهر منه ضرورة ، وهذا لا يجوز بخلاف ما إذا تخللت بنفسها .
نوقش هذا الدليل : بأنه وإن كان فيه تنجيس الظاهر من غير ضرورة ، لكنه لحاجة ، وأنه جائز كدبغ جلد الميتة .
*أنه إذا طرح فيها الخل نجس الخل ، فإذا زالت الشدة المطربة بقيت نجاسة الخل النجس فلم تطهر .
أدلة القول الثاني القائل بحلّ تخليل الخمر بفعل الآدمي
* قوله عليه الصلاة والسلام : " نعم الإدام الخل " .
وقوله أيضاً : "خير خلكم ، خل خمركم" .
وجه الدلالة : امتدح الرسول صلى الله عليه وسلم الخل مطلقاً من غير تفصيل .
* ما روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " كالخمر إذا تخلل فيحل .
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم حقق التخليل ، وأثبت حل الخل شرعاً .
كما أن التخليل يقاس على دبغ الجلد ، والدبغ يكون بصنع العباد فيطهر به لا بطبعه ، وكذا التخليل فإنه يكون بصنع العباد ، والمعنى فيه أن هذا لصلاح جوهر فاسد .
* أن التخليل سبب لحصول الحل ، إذ يزول الوصف المفسد ، وتثبت صفة الصلاح من حيث كسر الشهوة ، والتغذي به ، فيكون مباحا استدلالا بما إذا أمسكها حتى تخللت، والدليل على أنه سبب لحصول الحل : أن بهذا الصنع صار المائع حامضا بحيث لا يبين في الذوق أثر المرارة ، فلا يخلو إما إن كان ذلك لغلبة الحموضة المرارة مع بقائها في ذاتها، وإما إن كان لتغير الخمر من المرارة إلى الحموضة لا سبيل إلى الأول ؛ لأنه لا حموضة في الملح لتغلب المرارة ، وكذا بإلقاء حلو قليل يصير حامضا في مدة قليلة لا تتخلل بنفسها عادة، والقليل لا يغلب الكثير فتعين أن ظهور الحموضة بإجراء الله تعالى العادة على أن مجاوزة الخل يغيرها من المرارة إلى الحموضة في مثل هذا الزمان ، فثبت أن التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا ؛ لأنه حينئذ يكون اكتساب مال متقوم عندنا .
* القول الثالث لم أجد فيه أدلة .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – حل تخليل الخمر بفعل الآدمي ؛ قياساً على طهارة الجلد بعد دبغ الآدمي له ، وحمل حديث أبا طلحة على أنه في بداية الإسلام ، ولسلامة أدلة القول القائل به من الاعتراض .
آراء الفقهاء في الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس
القول الأول : حلُّ تناول الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس وطهارته بعد معالجته واستحالته ، قال به بعض المعاصرين أمثال الشيخ يوسف القرضاوي ، والدكتور وهبة الزحيلي ، والدكتور نزيه حماد ، وهو ما جاءت به توصيات الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (مايو – أيار 1995م ) ، والمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، وبعض المختصين في مجال الكيمياء كأمثال البرفسور محمد عبد السلام ، والبروفسور محمد الهواري .
القول الثاني : حرمة تناول الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس ، وعدم تأثير الاستحالة في طهوريته ، إليه ذهب مجمع الفقه الإسلامي، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخ محمد الحسن الشنقيطي ،
والشيخ الطريفي ، ومجموعة من الباحثين المعاصرين أمثال الدكتور باحمد بن محمد رفيس ، وأحمد الشافعي ومصطفى آدم وصابر فتحي، والباحثة بدرية الحارثي .
أدلة القول الأول القائل بحلّ تناول الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس بعد استحالته�
وجه الدلالة : فالجيلاتين من الطيبات التي زال عنها الخبث ، وتبدل حالها فاستحالت من النجس إلى الطهارة .
أدلة القول الثاني القائل بحرمة تناول الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس حتى بعد استحالته
1. أن التغيرات الحاصلة في صناعة الجيلاتين لا تعدوا أن تكون كسراً لبعض الروابط الجانبية في جزيء الكلاجين على نحو ما يلي :
وتعتبر الخطوة الأخيرة التغير الضروري الوحيد لتحويل الكلاجين إلى جيلاتين .
فبذلك تبقى السلاسل الحمضية في الجيلاتين سليمة ، كما تبقى كثير من الروابط الجانبية على حالها دون تحطم.
2. إمكانية التعرف على أصل الجيلاتين المشتق من الحيوان النجس بواسطة التحليل الطيفي ، يؤيد ذلك قول الدكتور وفيق الشرقاوي - رئيس مجلس الإدارة بالشركة العربية للمنتجات الجيلاتينية بمصر - : " إن جلود الخنازير وعظامها لا تستحيل استحالة كاملة وإنما تستحيل استحالة جزئية ، ويمكن بطريق التحليل الطيفي التعرف على أصل الجيلاتين المستخلص من جلود الخنازير وعظامها بعد العمليات الكيميائية التي يتم بها استخلاصه ؛ وذلك لوجود بعض الخصائص في هذا الجيلاتين يمكن التعرف على أصله هذا ، فلا يمكن القول بأن أجزاء الخنزير التي تحولت إلى جلاتين قد استحالت استحالة كاملة ".
كما أنه بواسطة تحليل الـ DNA تم ملاحظة أن جيلاتين الخنزير لا يختلف كثيراً عن كولاجينه ، والتغيير الحاصل بواسطة الحلمأة لا يعدوا جعله منحلاً في الماء ، أما مكوناته الأساسية فهي هي لم تتغير .
3. أن الجيلاتين ينتج من حلمأة الكلاجين في الحرارة والوسط الحمضي أو القاعدي ، وعملية الحلمأة معروفة في مجال التصنيع الغذائي ، إذ تقوم بتحسين الخصائص التغذوية والوظيفية لبعض أنواع الأطعمة ، ويمكن من خلال بعض الأنزيمات تحسين خصائص الذوبان والاستحلاب والرغوية ، وإضفاء النكهة للبروتينات دون الحكم عليها بالاستحالة . فمثلاً حلمأة اللحوم بقصد تليينها تعتبر من أهم العمليات التي تجري على اللحم ؛ لأن لحوم الحيوانات المسنة تتميز بخشونة الألياف العضلية التي تؤدي إلى نفور المستهلكين منها ، وتعمل التطرية على إحداث تغيرات في تركيب العضلات والأنسجة العضلية بحيث تحدث تحلّلاً جزئياً في البروتينات وذلك باستخدام إنزيمات نباتية أو حيوانية وطرق أخرى ، لكن هذه التغيرات في البروتينات لا تخرجها عن كونها بروتينات وإن تغيرت في بعض صفاتها كاللون والذائبية وعدد الأحماض الأمينية المشكلة للسلسلة .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – القول الثاني القائل بتحريم تناول ما يدخل الجيلاتين المشتق من حيوان نجس في صناعته ؛ وذلك لعدم الجزم باستحالته تماماً في كافة جزيئاته ، فيبقى ما كان متيقناً من نجاسته على ما هو عليه ، لا يزول بالشك في حصول الاستحالة من عدمها ، خصوصاً وأن أكثر ما يتم تصنيعه في الدول الأوربية التي لا يهمها أمر استحالته أو بقاؤه على حال نجاسته .
وما تناوله المرء جاهلاً بحكمه ، أو بوجود مادة الجيلاتين المشتقة من الحيوان النجس في صناعته فإنه يعذر بجهله ، على أن يحرص في حلّ وجودة ما يتناوله .
هذا ما تيسّر إعداده ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم