«أربع من أمر الجاهلية لا يتركن: الفخر بالأحساب, والطعن في الأنساب, والاستسقاء بالنجوم, والنياحة على الميت, والنائحة إذا لم تتب قبل موتها, تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب»

الآية: 43 {مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}

43.  Mereka datang bergegas-gegas memenuhi panggilan dengan mangangkat kepalanya, sedang mata mereka tidak berkedip-kedip dan hati mereka kosong.

قوله وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ
يقول تعالى: ولا تحسبن الله يا محمد غافلاً عما يعمل الظالمون, أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم, بل هو يحصي ذلك ويعده عليهم عداً {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} أي من شدة الأهوال يوم القيامة, ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر, فقال: {مهطعين} أي مسرعين, كما قال تعالى: {مهطعين إلى الداع} الاَية, وقال تعالى: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ـ إلى قوله ـ وعنت الوجوه للحي القيوم}, وقال تعالى: {يوم يخرجون من الأجداث سراعاً} الاَية. وقوله {مقنعي رؤوسهم} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: رافعي رؤوسهم {لا يرتد إليهم طرفهم} أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر, لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم, عياذاً بالله العظيم من ذلك, ولهذا قال: {وأفئدتهم هواء} أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف, ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقال بعضهم: هي خراب لا تعي شيئاً لشدة ما أخبر به تعالى عنهم, ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:) 
الآية: 44 {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}

44.  Dan berikanlah peringatan kepada manusia terhadap hari (yang pada waktu itu) datang azab kepada mereka, Maka berkatalah orang-orang yang zalim: "Ya Tuhan kami, beri tangguhlah kami (kembalikanlah kami ke dunia) walaupun dalam waktu yang sedikit, niscaya kami akan mematuhi seruan Engkau dan akan mengikuti rasul-rasul". (kepada mereka dikatakan): "Bukankah kamu Telah bersumpah dahulu (di dunia) bahwa sekali-kali kamu tidak akan binasa?

قوله تعالى: "وأنذر الناس" قال ابن عباس: أراد أهل مكة. "يوم يأتيهم العذاب" وهو يوم القيامة؛ أي خوفهم ذلك اليوم. وإنما خصهم بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب، لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي. "فيقول الذين ظلموا" أي في ذلك اليوم "ربنا أخرنا" أي أمهلنا. "إلى أجل قريب" سألوه الرجوع إلى الدنيا حين ظهر الحق في الآخرة. "نجب دعوتك ونتبع الرسل" أي إلى الإسلام فيجابوا: "أولم تكونوا أقسمتم من قبل" يعني في دار الدنيا. "ما لكم من زوال" قال مجاهد: هو قسم قريش أنهم لا يبعثون. ابن جريج: هو ما حكاه عنهم في قوله: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت" [النحل: 38]. "ما لكم من زوال" فيه تأويلان: أحدهما: ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة؛ أي لا تبعثون ولا تحشرون؛ وهذا قول مجاهد. الثاني: "ما لكم من زوال" أي من العذاب. وذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله أربعة، فإذا كان في الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا، يقولون: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل" [غافر: 11] فيجيبهم الله "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وأن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير" [غافر: 12] ثم يقولون: "ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون" [السجدة: 12] فيجيبهم الله تعالى: "فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون" [السجدة: 14] ثم يقولون: "ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل" فيجيبهم الله تعالى "أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال" فيقولون: "ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل" [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالى: "أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير" [فاطر: 37]. ويقولون: "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين" [المؤمنون: 106] فيجيبهم الله تعالى: "اخسؤوا فيها ولا تكلمون" [المؤمنون: 108] فلا يتكلمون بعدها أبدا؛ خرجه ابن المبارك في {دقائقه} بأطول من هذا - وقد كتبناه في كتاب {التذكرة} وزاد في الحديث "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال. وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" [إبراهيم:44 - 45] قال هذه الثالثة، وذكر الحديث وزاد بعد قوله: "اخسؤوا فيها ولا تكلمون" [المؤمنون: 108] فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعضهم في وجه بعض، وأطبقت عليهم؛ وقال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: "هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون" [المرسلات:35 - 36].
الآية: 45 {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال}
قوله تعالى: "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" أي في بلاد ثمود ونحوها فهلا اعتبرتم بمساكنهم، بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن. وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي "ونبين لكم" بنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي؛ وليناسب قوله: "كيف فعلنا بهم". وقراءة الجماعة، "وتبين" وهي مثلها في المعنى؛ لأن ذلك لا تبين لهم إلا بتبيين الله إياهم.
الآية: 46 {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
قوله تعالى: "وقد مكروا مكرهم" أي بالشرك بالله وتكذيب الرسل والمعاندة؛ عن ابن عباس وغيره. "وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" "إن" بمعنى "ما" أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه؛ "وإن" بمعنى "ما" في القرآن في مواضع خمسة: أحدها هذا. الثاني: "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك" [يونس: 94]. الثالث: "لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا" [الأنبياء: 17] أي ما كنا. الرابع: "قل إن كان للرحمن ولد" [الزخرف: 81]. الخامس: "ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه" [الأحقاف: 26]. وقرا الجماعة "وإن كان" بالنون. وقرأ عمرو بن علي وابن مسعود وأبي "وإن كاد" بالدال. والعامة على كسر اللام في "لتزول" على أنها لام الجحود وفتح اللام الثانية نصيبا. وقرأ بن محيصن وابن جريج والكسائي "لتزول" بفتح اللام الأول على أنها لام الابتداء ورفع الثانية "وإن" مخففة من الثقيلة، ومعنى هذه القراءة استعظام مكرهم؛ أي ولقد عظم مكرهم حتى كادت الجبال تزول منه؛ قال الطبري: الاختيار القراءة الأولى؛ لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة؛ قال أبو بكر الأنباري: ولا حجة على مصحف المسلمين في الحديث الذي حدثناه أحمد بن الحسين: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالرحمن بن دانيل قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن جبارا من الجبابرة قال لا أنتهي حتى أعلم من في السماوات، فعمد إلى فراخ نسور، فأمر أن تطعم اللحم، حتى اشتدت وعضلت واستعلجت أمر بأن يتخذ تابوت يسع فيه رجلين؛ وأن يجعل فيه عصا في رأسها لحم شديد حمرته، وأن يستوثق من أرجل النسور بالأوتاد؛ وتشد إلى قوائم التابوت، ثم جلس هو وصاحب له من التابوت وأثار النسور، فلما رأت اللحم طلبته، فجعلت ترفع التابوت حتى بلغت به ما شاء الله؛ فقال الجبار لصاحبه: افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: أرى الجبال كأنها ذباب، فقال: أغلق الباب؛ ثم صعدت بالتابوت ما شاء الله أن تصعد، فقال الجبار لصاحبه: افتح الباب فانظر ما ترى؟ فقال: ما أرى إلا السماء وما تزداد منا إلا بعدا، فقال: نكس العصا فنكسها، فانقضت النسور. فلما وقع التابوت على الأرض سمعت له هدة كادت الجبال تزول عن مراتبها منها؛ قال: فسمعت عليا رضي الله عنه يقرأ "وإن كان مكرهم لتزول" بفتح اللام الأولى من "لتزول" وضم الثانية. وقد ذكر الثعلبي هذا الخبر بمعناه، وأن الجبار هو النمرود الذي حاج إبراهيم في ربه، وقال عكرمة: كان معه في التابوت غلام أمرد، وقد حمل القوس والنبل فرمى بهما فعاد إليه ملطخا بالدماء وقال: كفيت نفسك إله السماء. قال عكرمة: تلطخ بدم سمكة من السماء، فذفت نفسها إليه من بحر في الهواء معلق. وقيل: طائر من الطير أصابه السهم ثم أمر نمرود صاحبه أن يضرب العصا وأن ينكس اللحم، فهبطت النسور بالتابوت، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنسور ففزعت، وظنت أنه قد حدث بها حدث من السماء، وأن الساعة قد قامت، فذلك قوله: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال". قال القشيري: وهذا جائز بتقدير خلق الحياة في الجبال. وذكر الماوردي عن ابن عباس: أن النمرود بن كنعان بنى الصرح في قرية الرس من سواد الكوفة، وجعل طول خمسة آلاف ذراع وخمسين ذراعا، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعا، وصعد منه مع النسور، فلما علم أنه لا سبيل له إلى السماء اتخذه حصنا، وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه. فأتى الله بنيانه من القواعد، فتداعي الصرح عليهم فهلكوا جميعا، فهذا معنى "وقد مكروا مكرهم" وفي الجبال التي عني زوالها بمكرهم وجهان: أحدهما: جبال الأرض. الثاني: الإسلام والقرآن، لأنه لثبوته ورسوخه كالجبال. وقال القشيري: "وعند الله مكرهم" أي هو عالم بذلك فيجازيهم أو عند الله جزاء مكرهم فحذف المضاف. "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" بكسر اللام؛ أي ما كان مكرهم مكرا يكون له أثر وخطر عند الله تعالى، فالجبال مثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: "وإن كان مكرهم" في تقديرهم "لتزول منه الجبال" وتؤثر في إبطال الإسلام. وقرئ "لتزول منه الجبال" بفتح اللام الأولى وضم الثانية؛ أي كان مكرا عظيما تزول منه الجبال، ولكن الله حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كقوله تعالى: "ومكروا مكرا كبارا" [نوح: 22] والجبال لا تزول ولكن العبارة عن تعظيم الشيء هكذا تكون.
الآية: 47 {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام}
قوله تعالى: "فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله" اسم الله تعالى و"مخلف" مفعولا تحسب؛ و"رسله" مفعول "وعده" وهو على الاتساع، والمعنى: مخلف وعده رسله؛ قال الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه وسائره باد إلى الشمس أجمع
قال القتبي: هو من المقدم الذي يوضحه التأخير، والمؤخر الذي يوضحه التقديم، وسواء في قولك: مخلف وعده رسله، ومخلف رسله وعده. "إن الله عزيز ذو انتقام" أي من أعدائه. ومن أسمائه المنتقم وقد بيناه في "الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى".
الآية: 48 {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}
قوله تعالى: "يوم تبدل الأرض غير الأرض" أي اذكر يوم تبدل الأرض، فتكون متعلقة بما قبله. وقيل: هو صفة لقول: "يوم يقوم الحساب" [إبراهيم: 41]. واختلف في كيفية تبديل الأرض، فقال كثير من الناس: إن تبدل الأرض عبارة عن تغير صفاتها، وتسوية آكامها، ونسف جبالها، ومد أرضها؛ ورواه ابن مسعود رضي الله عنه؛ خرجه ابن ماجة في سننه وذكره ابن المبارك من حديث شهر بن حوشب، قال حدثني ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وزيد في سعتها كذا وكذا؛ وذكر الحديث. وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تبدل الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في الثانية في مثل مواضعهم من الأولى من كان في بطنها ففي بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها) ذكره الغزنوي. وتبديل السماء تكوير شمسها وقمرها، وتناثر نجومها؛ قال ابن عباس. وقيل: اختلاف أحوالها، فمرة كالمهل ومرة كالدهان؛ حكاه ابن الأنباري؛ وقد ذكرنا هذا الباب مبينا في كتاب {التذكرة} وذكرنا ما للعلماء في ذلك، وأن الصحيح إزالة هذه الأرض حسب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك؛ وذكر الحديث، وفيه: فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الظلمة دون الجسر). وذكر الحديث. وخرج عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات" فأين الناس يومئذ؟ قال: (على الصراط). خرجه ابن ماجة بإسناد مسلم سواء، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي لسائلة، قال: هذا حديث حسن صحيح؛ فهذه الأحاديث تنص على أن السماوات والأرض تبدل وتزال، ويخلق الله أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر. وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصه النقي ليس فيها علم لأحد). وقال جابر: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل: "يوم تبدل الأرض غير الأرض" قال: تبدل خبرة يأكل منها الخلق يوم القيامة، ثم قرأ: "وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام" [الأنبياء: 8]. وقال ابن مسعود: إنه تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة. وقال ابن عباس: بأرض من فضة بيضاء. وقال علي رضي الله عنه: تبدل الأرض يومئذ من فضة والسماء من ذهب وهذا تبديل للعين، وحسبك. "وبرزوا لله الواحد القهار" أي من قبورهم، وقد تقدم.
الآية: 49 {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد}
قوله تعالى: "وترى المجرمين" وهم المشركون. "يومئذ" أي يوم القيامة. "مقرنين" أي مشدودين "في الأصفاد" وهي الأغلال والقيود، وأحدها صفد وصفد. ويقال: صفدته صفدا أي قيدته والاسم الصفد، فإذا أردت التكثير قلت: صفدته تصفيدا؛ قال عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
أي مقيدينا. وقال حسان:
من كل مأسور يشد صفاده صقر إذا لاقى الكريهة حام
أي غله، وأصفدته إصفادا أعطيته. وقيل: صفدته وأصفدته جاريان في القيد والإعطاء جميعا؛ قال النابغة:
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد
فالصفد العطاء؛ لأنه يقيد ويعبد، قال أبو الطيب:
وقيدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
قيل: يقرن كل كافر مع شيطان في غل، بيانه قوله: "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" [الصافات: 22] يعني قرناءهم من الشياطين. وقيل: إنهم الكفار يجمعون في الأصفاد كما اجتمعوا في الدنيا على المعاصي.
الآية: 50 {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار}

50.  Pakaian mereka adalah dari pelangkin (ter) dan muka mereka ditutup oleh api neraka,

قوله تعالى: "سرابيلهم من قطران" أي قميصهم، عن ابن دريد وغيره، واحدها سربال، والفعل تسربلت وسربلت غيري؛ قال كعب بن مالك:
تلقاكم عصب حول النبي لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
"من قطران" يعني قطران الإبل الذي تهنأ به؛ قال الحسن. وذلك أبلغ لاشتعال النار فيهم. وفي الصحيح: أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من فطران ودرع من جرب. وروي عن حماد أنهم قالوا: هو النحاس. وقرأ عيسى بن عمر: "قطران" بفتح القاف وتسكين الطاء. وفيه قراءة ثالثة: كسر القاف وجزم الطاء؛ ومنه قول أبي النجم:
جون كان العرق المنتوحا لبسه القطران والمسوحا
وقراءة رابعة: "من قطران" رويت عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب؛ والقطر النحاس والصفر المذاب؛ ومنه قوله تعالى: "آتوني أفرغ عليه قطرا" [الكهف: 96]. والآن: الذي قد انتهى إلى حره؛ ومنه قوله تعالى: "وبين حميم آن". [الرحمن: 44]. "وتغشى وجوههم النار" أي تضرب "وجوههم النار" فتغشيها.
الآية: 51 {ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب}
قوله تعالى: "ليجزي الله كل نفس ما كسبت" أي بما كسبت. "إن الله سريع الحساب" تقدم.
الآية: 52 {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب}
قوله تعالى: "هذا بلاغ للناس" أي هذا الذي أنزلنا إليك بلاغ؛ أي تبليغ وعظة. "ولينذروا به" أي ليخوفوا عقاب الله عز وجل، وقرئ. "ولينذروا" بفتح الياء والذال، يقال: نذرت بالشيء أنذر إذا علمت به فاستعددت له، ولم يستعملوا منه مصدرا كما لم يستعملوا من عسى وليس، وكأنهم استغنوا بأن والفعل كقولك: سرني أن نذرت بالشيء. "وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب" أي وليعلموا وحدانية الله بما أقام من الحجج والبراهين. "وليذكر أولو الألباب" أي وليتعظ أصحاب العقول. وهذه اللامات في "ولينذروا" "وليعلموا" "وليذكر" متعلقة بمحذوف، التقدير: ولذلك أنزلناه. وروي يمان بن رئاب أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وسئل بعضهم هل لكتاب الله عنوان؟ فقال: نعم؛ قيل: وأين هو؟ قال قوله تعالى: "هذا بلاغ للناس ولينذروا به" إلى آخرها. تم تفسير سورة إبراهيم عليه السلام والحمد لله

فأما النفخات في الصور فثلاث; نفخة الفزع ، ثم نفخة الصعق ، ثم نفخة البعث ، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله . وقد قال مسلم في " صحيحه " : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون " . قالوا : يا أبا هريرة ، أربعون يوما؟ قال : أبيت . قالوا : أربعون شهرا؟ قال : أبيت . قالوا : أربعون سنة؟ قال : أبيت . قال : " ثم ينزل الله من السماء ماء ، فينبتون كما ينبت البقل " . قال : " وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا ، وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " . ورواه البخاري من حديث الأعمش .

وحديث عجب الذنب ، وأنه لا يبلى ، وأن الخلق يبدأ منه ومنه يركب يوم القيامة - ثابت من رواية أحمد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن [ ص: 325 ] أبي هريرة . ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق . ورواه أحمد أيضا ، عن يحيى القطان ، عن محمد بن عجلان ، ثنا أبو الزناد ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل ابن آدم يبلى ، ويأكله التراب إلا عجب الذنب ، منه خلق ، وفيه يركب " . انفرد به أحمد ، وهو على شرط مسلم . ورواه أحمد أيضا ، من حديث إبراهيم الهجري ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بنحوه .

وقال أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه " . قيل : ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال : " مثل حبة خردل ، منه تنبتون " .

والمقصود هنا إنما هو ذكر النفختين ، وأن بينهما أربعين; إما أربعين يوما ، أو شهرا ، أو سنة ، وهاتان النفختان هما ، والله أعلم ، نفخة الصعق ، ونفخة القيام للبعث والنشور ، بدليل إنزال الماء بينهما ، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان ، وفيه يركب عند بعثه يوم القيامة . ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق ، وهو الذي نريد ذكره في هذا المقام . وعلى كل تقدير فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق .

[ ص: 326 ] وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام ، من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها ، وميدانها بأهلها ، وتكفيها يمينا وشمالا ، قال الله تعالى : إذا زلزلت الأرض زلزالها [ الزلزلة : 1 ] . وقال تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [ الحج : 1 ] . وقال تعالى : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا الآيات كلها إلى قوله : هذا نزلهم يوم الدين [ الواقعة : 1 - 56 ] .

ولما كانت هذه النفخة - أعني نفخة الفزع - أول مبادئ القيامة ، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله ، كما ثبت في " صحيح البخاري " ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " . وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع ، وعبر عن نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها ، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة .

وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم ، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق ، وأن نجومها تتناثر ، ويخسف شمسها وقمرها . والظاهر ، والله أعلم ، أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق حين : [ ص: 327 ] تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [ إبراهيم : 48 - 50 ] . وقال تعالى : إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الآيات [ الانشقاق : 1 ، 2 ] . وقال تعالى : فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إلى قوله : ولو ألقى معاذيره [ القيامة : 7 - 15 ] .

وسيأتي تقرير هذا كله ، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصعق ، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة ، وفرار الناس إلى أقطارها وأرجائها - فمناسب أنه بعد نفخة الفزع ، وقبل الصعق ، قال الله تعالى ، إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال : ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [ غافر : 32 ، 33 ] . وقال تعالى : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 33 - 36 ] .

وقد تقدم الحديث في مسند أحمد ، وصحيح مسلم ، والسنن الأربعة ، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات " . فذكرهن ، إلى أن قال : " وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر " . وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها ، وهي بقعة المحشر والمنشر .