98 - شرح تجلي خراب البيوت .كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي شرح بن سودكين
98 - شرح تجلي خراب البيوت
محوتني عنك وأثبتني فيك ! . . . فعين المحو عين الثبوت
عجبت منكم حين ابعدتم . . . من جائكم من خلف ظهر البيوت
إن صح لي الساكن ، يا سيدي . . . فما أبالي من بيوتٍ تفوت
أو من بيتٍ قد ابنتيم لنا . . . هو الذي يعزى إلى العنكبوت
لا فرق عندي بينه في القوى . . . وبين ما عاينت في الملكوت
ما قوة البيت ، سوى ربه . . . ويخرب البيت إذا ما يموت
98 - إملاء ابن سودكين :
«ومن تجلي خراب البيوت ، نصه :
( محوني عنك وأثبتني في … ويخرب البيت إذا ما يموت)
قال جامعه سمعت شيخي يقول ما هذا معناه :
قوله : "محوتني عنك"، البيت . أي : أفناك عنك وأبقاك فيه فإن لم تعلم في حال رؤيته أنك تراه . فأنت محو العين في وجوده .
لكونه محاك عن معرفتك بالشهود مع ثبوت الشهادة لك وجريان حكمها فيك وظهور آثارها عليك.
قوله : «عجبت منكم حين أبعدتم .." إلى آخر البيت .
أي : عجبت كيف أخذتم طريقة مخصوصة؟ مع كون جميع الطرق موصلة .
فلم يثبت القرب والتخصيص إلا لطريق خاص ، دعوتم العباد من بابها خاصة دون غيرها قوله : «إن صح لي الساكن…" ، إلى آخر البيت .
أي : إني وإن فاتني الطريق الخاص وثبت لي أنك معي في كل طريق فلا أبالي ، بعد شهودي لك ما فاتني من الطرق .
وقوله : «أوهن بیت. » ، إلى آخر البيت أراد بالعنكبوت ما ضرب الله به المثل في قوله تعالى: "كمثل العنكبوت اتخذت بيتا " [العنكبوت:41] وهو كونها لم تتخذ بيتا يحصنها فقال : أنا إذا كنت أنت معي فلا أبالي ولو كان بيتي مثل هذا البيت الضعيف المضروب به المثل . وكل ذلك لوجود الاستغراق .
ومعلوم قطعا أنه إذا صح الساكن انطرد كل ضرر وشر وقوله: «لا فرق عندي ..»، البيت .
أي : إن العرش إذا لم تكن عليه، لا فرق بينه وبين بيت العنكبوت ، وإذا كنت فيهما معا فالسرور بك وبشهودك يغيب عن البيت ، لوجود شرف الساكن.
ولهذا قال ما ختم به المعنی وهو: «ما قوة البيت سوی ریه...» إلى آخر البيت »
98 - شرح تجلي خراب البيوت
473 - (محوتني عنك وأثبتني فيك) أي أفنيتني عنك من حيث أنا بي ، وأبقيتني من حيث أنا بك. (فعين المحو عين الثبوت) يقول : سقوط إضافة الوجود إلي ، عين ثبوته له.
474 - (عجبت منكم حين أبعدتم من جاءكم من خلف ظهر البيوت) يقول : عجبت منكم كيف خصصتم القرب والوصلة والرضى بطريق مخصوص وجعلتم من هو على هذا الطريق المخصوص أنه دخل البيوت من أبوابها .
ومن هو على غيره ، أنه جاءها من خلف ظهرها. وفي الحقيقة . أنتم الأخذون بناصية الجميع وأنتم على الصراط المستقيم المنهي بهم إلى البيوت التي هي مواطنهم الأصلية وإلى أبوابها التي هي منتهی طرقهم .
وأنتم دعوتم الجميع إلى باب مخصوص دون غيره مع علمكم بأن لا يدخل أحد بيت موطنه الأصلي إلا من طریق تعين له ، باقتضائه في السابقة عندكم، وحكم علمكم لا يتغير أبدا فمن أفضت حقيقته أن يكون على صراط المضل، امتنع مشيه على صراط الهادي ودخوله من بابه .
ففائدة أمر الآمر تميز الاقتضاءات الأصلية بعضها من البعض.
475 - (إن صح لي الساكن يا سيدي …. فما أبالي من بيوت تفوت)
يقول : إن صحت لي مشاهدة ساكن بيت الوجود ووصاله ، من حيث أحدية جمعه بين الظاهر والباطن ، الهادي والمضل، والجلال والجمال، فلا أبالي إن فاتني دخول البيت من طريق مخصوص .
فإن المصيبة العظمی فوت وصال الساكن وشهوده ، لا فوت الطريق . هذا ظاهر معنى البيت المبادر إلى الفهم والعقيدة فيما شرحناه في هذا الكتاب وغيره من هذا المهيع، موقوفة على الظفر بتحقيقه . ثم قال :
476 - (أوهن بيت قد أبنتم لنا … هو الذي يعزى إلى العنكبوت) يقول : شأن كل بيت أن يصون الساكن فيه من تطرق المضار والحوادث عليه. لاسيما إذا كان قوي البنيان .
وبيتي ولو كان في الضعف والوهن كبيت العنكبوت الذي ضرب الله في الضعف والوهن به مثلا لا أبالي إذا كان الساكن معي ، وأنا مستغرق في مشاهدة جماله بل:
(لا فرق عندي بينه في القوى …. وبين ما عاينت في الملكوت)
يقول : إذا صح لي أن أنظر في مشهودي وأستغرق فيه استغراق من لا تزاحمه الشبهة والشرك
وسوء العقيدة فيه ، فلا فرق عندي بين قوى هذا البيت الموصوفة بالضعف والوهن وبين ما عاینت في الملكوت من القوى المتينة القائمة الحمل أعباء ملك الوجود . وفي الحقيقة ، قوة الدار بقدر قوة ربها ، وشرف البيت بحسب شرف ساكنه .
ولذلك قال :
(ما قوة البيت سوى ربه ….. ويخرب البيت إذا ما يموت)