Published using Google Docs
10 - حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
Updated automatically every 5 minutes

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )  

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا

[ حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز ]

قصة ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز واقترض كثيرا على أمل ذلك الراتب دون أن يعلم بوفاته . . .

والنتيجة أن ديونه لم يقضها حي قط ولم تقض إلا من المحتسب المتوفى كما قيل :

ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء

 

- جاء أحد الدراويش من أطراف الديار إلى تبريز مدينا .

- كان مدينا بتسعة آلاف دينار ذهبي ، على أمل أن بدر الدين عمر موجود في تبريز .

 

3025 - كان محتسبا قلبه كالبحر ، وكل طرف شعرة منه موضعٌ " لجواد " كحاتم .

- ولو كان حاتم موجوداً لكان قد تسول منه ، ولطأطأ رأسه ولصار ترابا تحت قدمه .

 

« 262 »

- ولو كان يعطى الظمآن البحر الزلال ، لكان خجلا في كرمه من ذلك النوال ! .

- ولو أعطى إحدى الذرات شمسا ، لكان ذلك غير جدير بهمته .

- جاء ذلك الغريب على رجائه ، فقد كان للغرباء قريب ونسيب .

 

3030 - كان ذلك الغريب معتادا على بابه ، وكان قد قضى ديونا لا حد لها من عطائه .

- ولقد استدان أيضاً معتمدا على ذلك الكريم ، فقد كان الرجل واثقا من عطاياه .

- واعتمادا عليه صار لا مباليا مدينا ، على أمل البحر المتطبع بالكرم .

- فالمدينون عبوسون وهو متهلل الوجه ، ضاحك كالورد من ذلك الذي هو روض الكرام .

- ومن صارت له شمس العرب ظهيرا قويا ، أي حزن له من شوارب أبى لهب .

 

3035 - فما دام عنده عهد السحاب وعلى صلة به ، متى يمنع عنه السقاة الماء ؟ ! .

- والسحرة المتفهمون لقدرة الله ، متى يبدون لهذه الأيدي والأقدام اهتماماً ؟ !

- والثعلب الذي يكون له عون من ذلك الأسد ، يكسر جماجم النمور بقبضته .

 

مجىء جعفر رضى اللّه عنه الاستيلاء على قلعة وحده واستشارة ملك تلك القلعة

وزيره في دفعه وقول ذلك الوزير للملك : احذر وسالم ولا تتهور جهلا فهذا الرجل مؤيد

وله من الحق جمع عظيم في روحه . . . إلى آخره . . .

 

- عندما ذهب جعفر نحو إحدى القلاع ، والقلعة أمام فمه الظمآن جرعة واحدة .

« 263 »

 

- وهاجم وهو راكب وحده القلعة كارّا ، حتى أغلقوا أبواب القلعة من الحذر .

 

3040 - ولم تكن لأحد الجرأة على أن يتقدم لمنازلته ، فأين جرأة لراكب السفينة على التمساح ؟ ! .

- واتجه ذلك الملك إلى الوزير قائلا : ما الحل الأن أيها المشير ؟ !

- قال : " الحل " هو أن تترك الكبرياء والحيلة ، وأن تتقدم إليه بالسيف والكفن .

- قال : أليس رجلا واحداً آخر الأمر ؟ ! ، قال " الوزير " لا تنظر باستهانة إلى فردية المرء .

- فافتح عينك وانظر جيدا إلى القلعة ، إنها مرتعدة مثل الزئبق أمامه ! ! .

 

3045 - وهو متربع على سرجه ثابت الجأش ذاك ، وكان الشرق والغرب معه .

- ولقد انطلق عدد من الأشخاص بفدائية مهاجمين إياه وألقوا بأنفسهم عليه .

- فكان يضرب كل واحد منهم بمقمعه ، ويجندله تحت أقدام جواده .

- كان صنع الحق قد أعطاه جماعة ، بحيث كان يهجم وحده على أمة .

- وعندما أبصرت عيني وجه ذلك العظيم ، سقطت كثرة الأعداد ، من عيني .

 

3050 - وبالرغم من أن النجوم كثيرة والشمس واحدة ، إلا أن بناء النجوم مندك أمامها .

- وإذا أطلت آلاف الفئران من جحورها ، فليس عند القط خوفٌ منها ولا حذر .

- وإن صاحوا أن الفئران تتقدم يا فلان ، فليس هناك جماعة داخل أرواحها .

- بل هي جماعة مجتمعة بالصور ، فاطلب جمع المعنى من الخالق .

- وليست الجماعة من كثرة الأجسام ، فالأجسام قائمة على الرياح كالأسماء .

 

3055 - ولو كانت هناك جماعة في قلوب الفئران ، لاجتمع عددٌ من الفئران حمية ؛

 

« 264 »

- ولهجمت بحملة فدائية ملقيت بأنفهسا على القط دون إمهال .

- ولا قتلع ذاك عينه بمخلبه ، ولمزق هذا أذنه بنابه .

- ولثقب ذلك جنبه ، ولقل خروجه عليه ، من تجمعهم .

- لكن أرواح الفئران لا جماعة فيها ، فيهرب الوعي من أرواحها عندما يموء القط .

 

3060 - ويتجمد الفأر في مكانه من ذلك القط العيار ولو بلغت الفئران مئات الآلاف عدداً .

- وأي حزن لدى القصاب من القطيع الكبير ، وهل يمكن للوعى الكثير أن يسد طريق النوم ؟ !

- إن مالك الملك يعطى الجماعة للأسد ، بحيث يهجم على جماعة من حمر الوحش .

- فكيف تصير مئات الآلاف من حمر الوحش ذات القرون العشرة عدما أمام صولة الأسد ؟ !

- وإن مالك الملك ليعطى ليوسف عليه السّلام مُلك الحسن ، حتى يصير مثل ماء المزن .

 

3065 - ويضع في وجه ما ضياء كوكب ، بحيث يصبح أحد الملوك غلاما لفتاة .

- ويهب نوره لوجه آخر ، بحيث يرى في منتصف الليل كل خير وكل شر .

- ولقد استمد يوسف وموسى عليهما السلام النور من الحق ، في الوجه والوجنة وفي ذات الصدور .

- كان وجه موسى عليه السّلام يلقى بالضياء ، فعلق حجابا أمامه وجهه ! !

 

« 265 »

 

- كان نور وجهه يعشى بالبصر ، مثلما يفعل الزمرد بقوته بعين الحية .

 

3070 - وطلب من الله حتى يصبح ذلك الحجاب ساترا لذلك النور القوى .

- فقال : اصنع هذا الحجاب من خرقتك ، فهي لباس أمين بالنسبة للعارف .

- فإن ذلك الكساء وجد صبرا على النور ، إذ تألق نور الروح في سداه ولحمته .

- ولن يصبح وجاءًا سوى مثل هذه الخرفة ، ولن يتحمل نورنا سواها .

- ولو أن جبل قاف تقدم ليمنع ذلك النور ، لدكه النور كما دك جبل الطور .

 

3075 - ومن كمال القدرة أن أبدان الرجال ، وجدت الاحتمال للنور الذي لا مثيل له .

- وإن ما لا يتحمل الطور ذرة منه ، تجعل قدرته زجاجة مكانا له « 1 » .

- صارت المشكاة والزجاجة مكاناً للنور ، الذي يندك من نوره ذاك قاف والطور .

- فاعلم أن أجسادهم هي المشكاة وقلوبهم الزجاجة ، وقد أضاء هذا السراج فوق العرش والأفلاك .

- فكان نورهم حائرا ممحوا في هذا النور ، وفنى فيه كالنجم في هذا الضحى .

 

3080 - ومن هنا روى خاتم المرسلين ، عن ذلك المليك الأزلي الأبدي ؛

- إذ قال : لا يسعني فلك ولا خلاء ، ولا عقول ولا نفوس عالية ؛

- ويسعني كالضيف قلب المؤمن ، بلا شكل وبلا كيف وبلا كيفية .

- حتى أنه بواسطة هذا القلب ، يجد الفوق ويجد التحت أنواع الملك والإقبال .

- وبدون مثل هذه المرآة ، لا الزمان ولا المكان يتألقان من حسنى .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 246 :

- وذلك الذي لا يتحمله الطور ذرة منه أيها العظيم ، اتخذ مكانا له من زجاجة .

 

« 266 »

 

3085 - ولقد سقنا جواد الرحمة على الكونين ، وصنعنا مرآة شديدة الاتساع .

- وهناك من هذه المرأة في كل لحظة خمسون عرس ، فاستمع إلى المرآة ، لكن لا تسأل عن تفسير " ما تسمع " .

- الخلاصة أن " موسى " صنع حجابا من خرقته ، فقد كان يعلم نفوذ ذلك القمر .

- ولو كان هذا الحجاب من غير لباسه ، لتحطم ، حتى ولو كان الجبل الأشم .

- ولنفذ من الجدران الحديدية ، وماذا كان الحجاب يفعل من فيه مع نور الحق ؟

 

3090 - كان ذلك الحجاب قد صار صاحب نور ، إذ كان عند الوجد خرقة عارف « 1 » .

- ومن هنا تصير النار منقادة عند المحترق الذي جرب النار من قبل .

- ومن الهوى وعشق نور الرشاد ذاك ، أذهبت " صافورا " كلتا عينيها أدراج الرياح .

- لقد فتحت عينا واحدة في البداية ورأت نور وجهه فضاعت تلك العين .

- ثم لم يبق لها بعدها صبر ، وفتحت العين الأخرى ، وضحت بها من أجل ذلك القمر .

 

3095 - مثل ذلك الرجل المجاهد يهب الخبز ، وعندما يسطع عليه نور الطاعة يبذل الروح .

- فقالت لها امرأة : أمن أجل تلك العين الجميلة التي ضاعت منك تتحسرين ؟ ! .

- قال إنني أتحسر على أنه لو كانت لي ألف عين لكنت ضحيت بها كلها .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 247 :

- كان ذلك الحجاب قد صار ساترا للنور ، إذ كان من خرقة صاحب حضور .

 

« 267 »

 

- لقد خربت كوة عيني من القمر ، لكن القمر قبع في الخرابات كالكنز .

- فمتى يسمح الكنز أن تذكر خراباتى هذه رواقى ومنزلي ! !

 

3100 - وكان نور وجه يوسف عليه السّلام عند سيره ينفذ من نوافذ كل القصور .

- فكانوا يتهامسون داخل الدور قائلين ، ها هو يوسف هنا في جولانه ومروره ! !

- ذلك أنهم كانوا يرون على الجدار ذلك الشعاع ، فكانوا يفهمون ، سكان تلك البقاع .

- والمنزل الذي يكون له كوة على تلك الناحية ، يكون له الشرف من طواف يوسف ذاك .

- فانتبه ، وافتح كوة ناحية يوسف ، وابدأ في المشاهدة من فرجتها .

 

3105 - وإن مزاولة العشق هي صنع تلك الكوة ، فمن جمال الحبيب بكون الصدر منورا .

- إذن فانظر إلى وجه المحبوبة دائما ، وهذا في يدك فاسمع أيها الأب .

- واجعل طريقا متجها نحو بواطنك ، وأبعد الإدراك الذي يفكر في الغير .

- وعندك كيمياء اجعلها دواءً للفشور ، واجعل الأعداء بهذه الصنعة أصدقاء .

- وعندما تصير جميلا تصل إلى ذلك الجميل الذي يخلص الروح من العزلة والوحدة .

 

3110 - فإن ظله تربية لبستان الأرواح ، ونَفَسُه إحياء لقتيل الغم .

- أليس هو الذي يهب كل ملك الدنيا الدون ، ويمنح مئات الآلاف من أنواع الملك المختلفة ؟

- وفوق ملك جماله أعطاه الحق ملكه التعبير دون درس أو تمرين ! !

 

« 268 »

 

- وملك الحسن جره نحو السجن ، أما ملك العلم فقد سما به إلى عطارد .

- صار الملك غلاما له لعلمه وفضله ، ذلك أن مُلك العلم محمود عن ملك الحسن ! !

 

عودة إلى حكاية ذلك الشخص المدين ومجيئه إلى تبريز

على أمل عناية ذلك المحتسب

 

3115 - لقد جد ذلك الغريب الممتحن خوفا من الدين في الطريق نحو دار سلامه .

- ذهب صوب تبريز وحى كلستان ، وقد استرخى أمله فوق محفة من الورد .

- وطرقه نور فوق نور من تبريز دار الملك السنية ، على أمله .

- فضحكت روحه من روضة الرجال ، ومن نسيم يوسف ومصر الوصال .

- قال : " يا حادي أنخ لي ناقتي ، جاء إسعادى وطارت فاقتي ؛

 

3120 - ابركى يا ناقتي طاب الأمور : إن تبريز مناخات الصدور

- إسرحي يا ناقتي حول الرياض ، إن تبريز لنا نعم الوفاض " « 1 » .

- أيها الجمال ، أنزل الأحمال من فوق الجمال ، فهذه هي مدينة تبريز وهذا هو حي كلستان .

- إن لهذه المزرعة بهاء الفردوس ، ولتبريز هذه نور العرش .

- وفي كل لحظة نور للروح ، مثير للروح ، من فوق العرش ، على أهل تبريز .

 

3125 - وعندما طلب منزل المحتسب ذلك الغريب ، قال له الناس لقد توفى ذلك الحبيب .

..............................................................

( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .

 

« 269 »

 

- لقد انتقل أول أمس من دار الدنيا ، والرجال والنساء في حزن على وفاته .

- لقد مضى ذلك الطاووس العرشى نحو العرش ، عندما وصلته من الهاتفين رائحة العرش .

- وبالرغم من أن ظله كان ملجأ للخلق ، إلا أن الشمس سرعان ما طوته ! ! .

- لقد ساق سفينته من هذا الساحل أول أمس ، فقد مل هذا السيد من دار الحزن هذه ! ! .

 

3130 - فصاح الرجل وخر مغشيا عليه ، وكأنه هو الأخر قد أسلم الروح في أثره .

- فرشوا وجهه بماء الورد والماء ، وبكى رفاقه على أحواله .

- وظل مغشيا عليه حتى الليل ، ثم عادت روحه من الغيب بين الحياة والموت .

 

علم ذلك الغريب بوفاة المحتسب واستغفاره عن الاعتماد على المخلوق

وتعويله على عطاء المخلوق وتذكره للنعم التي أنعم الله بها عليه

وإنابته إلى الحق من جرمه  ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ

 

- وعندما أفاق ، قال : أيها الإله : لقد كنت مجرما إذ كنت آملا في الخلق .

- وبالرغم من أن " السيد " كان قد أبدى من السخاء الكثير ، إلا أن سخائه ذاك لم يكن قط كفو عطائك .

 

3135 - لقد وهب قلنسوة بينما وهبت أنت رأسا مليئة بالعقل ، وهو وهب قباءً وأنت وهبت القوام .

- لقد أعطاني الذهب وأعطيتني أنت اليد التي تعد الذهب ، لقد أعطاني الدابة ، وأعطيتني أنت العقل الذي يسوسها ! ! .

 

« 270 »

 

- لقد أعطاني السيد شمعا وأنت أعطيتني العين القريرة ، وأعطاني السيد " النُقل " وأعطيتني أنت شيهة الطعام .

- لقد أعطاني الراتب ، وأنت أعطيتني العمر والحياة ، ووعده بالذهب ، ووعدك أنت بالطيبات .

- لقد أعطاني المنزل ، وأنت أعطيتني الفلك والأرض ، وفي مأواك هو ومائة من العظام أمثاله « 1 » .

 

3140 - والذهب أيضاً منك وهو لم يخلق الذهب ، والخبز ملك لك ، وهو موصل له .

- وذلك السخاء وتلك الرحمة أنت أيضاً وهبتها إياه ، فقد كنت تزيده سروراً من سخائه .

- ثم جعلته هو قبلة لي ، وتركت صانع تلك القبلة في الأصل .

- وأين كنا نحن ، عندما كان ديان الدين يزرع العقل في الماء والطين ؟ !

- عندما كان يبدع الفلك من العدم ، وعندما كان يمد هذا البساط الترابى .

 

3145 - وعندما كان يضع مصابيح من الكواكب ، وعندما كان يصنع من الطبائع أقفالًا ذات مفاتيح .

- وما أكثر الأبنية الظاهرة والخفية ، التي أدرجها في هذا السقف وفي هذا الفراش .

- وآدم عليه السّلام هو اصطرلاب أوصاف العلو ، ووصف آدم هو مظهر لآياته .

- وكل ما يبدو فيه انعكاس له ، مثل انعكاس ضوء القمر في ماء النهر .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 263 :

- كل ما أعطاه أيها الملك أعطاه منك ، إذ خلقت قلبه ويده عظيمين ! !

 

« 271 »

 

- وعلى اصطرلابه نقوش العنكبوت ، ذات إثبات لأوصاف الأزل .

 

3150 - حتى يلقى عنكبوته بالدروس من الشروح ، عن فلك الغيب وعن شمس الروح .

- والعنكبوت وهذا الأصطرلاب للرشاد ، سقطا بلا منجم في أيدي العوام .

- لكنه أعطى الأنبياء حق التنجيم هذا ، إذ ينبغي للغيب عين ترى الغيب .

- وقد سقط " أهل " القرون في بئر الدنيا ، ورأى كل منهم صورته داخل البئر .

- رأوا صورهم في البئر ولم يروها خارجه ، وكالأسد المخدوع انطلقوا داخل البئر .

 

3155 - فاعلم أنه من الخارج ذلك الذي ظهر لك في البئر ، وإلا فأنت ذلك الأسد الذي سقط في البئر .

- أضله أرنب عن طريقه قائلا له : يا فلان ، إنه في قاع البئر ذلك الأسد الهصور .

- فامض داخل البئر وانتقم منه ، واقطع رأسه ما دمت أكثر قوة منه .

- إن ذلك المقلد صار مسخرا للأرنب ، وصار شديد الغضب من خياله هو .

- إنه لم يقل ، ليست هذه صورة من عطاء الماء ، وليست إلا غشا من ذلك الغشاش .

 

3160 - وأنت أيضا عندما تنتقم من العدو يا عبد " الجهات " الستة ، فأنت شديد الخطأ بالنسبة للجهات الستة .

- إن تلك العداوة فيه انعكاس للحق ، فهي مشتقة من صفات القهر هناك .

- وذلك الذنب فيه من جنس جرمك ، فينبغي أن تغسل هذه الخصلة من طبعك .

- لقد بدى خلقك القبيح فيه ، فقد كان لك مثل صفحة المرأة .

 

« 272 »

 

- فما دمت قد رأيت قبحك أيها الجميل ( ! ! ) في المرأة ، فلاتهجم على المرأة ! !

 

3165 - إن نجمة سنية تنعكس على الماء ، وأنت تحثو التراب على انعكاس النجمة ؛

- قائلًا : إن هذه نجمة نحس ظهرت في الماء حتى تجعل سعدنا دنيا .

- وتحثو تراب الغضب على رأسها ، ما دمت تظنها من خطنك نجمة .

- واختفت الصورة وسيقت نحو الغيب ، وأنت تظن أن تلك النجمة لم تبق .

- إن نجمة النحس تلك موجودة في السماء ، وينبغي أن تعالجها من تلك الجهة .

 

3170 - بل ينبغي أن يعلق القلب بحيث لا جهة ، إن النحس هنا هو انعكاس النحس الذي لا جهة له .

- فاعلم أن العطية هي عطية الحق وهبته هي انعكاس ذلك العطاء في " الحواس " الخمسة وفي " الجهات " الستة ! !

- وإذا كانت عطايا الأخساء أكثر عددا من الرمل ، فإنك تموت وتبقى هي ميراثا من بعدك ! ! .

- فحتام يمكن ناظرك في انعكاس " الأمور " ، اشتغل برؤية الأصل يا ضال الرؤية .

- فعندما جاد الحق على أهل الضراعة ، وهبهم مع العطاء العمر الطويل .

 

3175 - لقد صارت النعمة خالدة والمنعم عليه ، وهو محيى الموتى فاجتازوا إليه .

- إن عطية الحق تمتزج بك كالروح ، بحيث تصير هي أنت وأنت هي .

- ولو لم يبق الاشتهاء للخبز والماء ، فإنه يعطيك بلا هذين القوت المستطاب .

 

« 273 »

 

- وإن ذهبت عنك السّمنة فإن الحق يعطيك في النحول سمنة مختفية من ذلك الصوب ! !

- فما دام يعطى الجنى قوتا من الرائحة ، ويعطى لكل مَلَك قوت الروح .

 

3180 - فماذا تكون الروح حتى تتخذ منها أنت سنداً ، إن الحق يبقيك حيا بعشقه .

- فاطلب منه حياة العشق ولا تطلب الروح ، أطلب منه ذلك الرزق ولا تطلب الخبز .

- واعلم أن الخَلْق كالماء الصافي الزلال ، تتألق فيه صفات ذي الجلال .

- وعلمهم وعدلهم ولطفهم بمثابة " انعكاس " نجمة الفلك في الماء الجاري .

- والملوك هم مظهر لملوكية الحق ، والفضلاء مرآة لمعرفة الحق .

 

3185 - لقد مرت القرون ، وهذا قرن جديد ، والقمر هو القمر لكن هذا الماء ليس ذاك الماء .

- والعدل هو ذلك العدل ، والفضل هو ذلك الفضل ، لكن هذا القرن وهذه الأمم قد استبدلت .

- وتوالت القرون وراء القرون أيها الهمام ، وهذه المعاني مستقرة ودائمة ! !

- لقد تبدل الماء في هذا الجدول عدة مرات ، وانعكاس القمر وانعكاس النجم دائمان .

- إذن فليس أساسها هو الماء الجاري ، بل على أقطار عرض السماوات .

 

3190 - وهذه الصفات مثل النجوم المعنوية ، اعلم أنها مستندة على فلك معنوي .

- والحسان مرآة لحسنه ، وعشقهم صورة لطلبه .

 

« 274 »

 

- وهذا الخد والخال يمضيان إلى أصلهما ، فمتى يبقى الخيال في الماء دائما ؟ !

- إن كل الصور انعكاس لماء النهر ، وعندما تحك عينك فكل الأشياء هي هو .

- ثم قال له عقله : أترك هذا الحول ، فإن الخل هو الدبس والدبس هو الخل .

 

3195 - فكيف قلت أن السيد كغيره من القصور ، اخجل أيها الأحول من الملك الغيور .

- ولا تعتبر ذلك السيد الذي جاوز الأثير من جنس فئران الظلام هذه .

- فانظر إلى السيد الروح ، ولا تنظر إلى الجسد الثقيل ، انظر إليه كَلُب ولا تنظر إليه كعظام .

- ولا تنظر إلى السيد بعين إبليس اللعين ، ولا تنسبه إلى الطين .

- ولا تسم رفيق الشمس خفاشا ، ومن صار مسجودا له لا تعتبره ساجداً .

 

3200 - إن هذا يشبه الصور وليس بصورة ، فليس للحق ظهور على مثال الصورة .

- لقد رأى شمساً ، ولم يبق جامداً ، وزيت الورد لا يشبه زيت السمسم .

- وعندما بدلهم إبدال الحق ، " لم يعودوا " من الخلق فدعك من هذا .

- وكيف تصير قبلة الوحدانية اثنتين ؟ ! وكيف يصير التراب مسجودا للملائكة ؟

- ولما كان ما رآه المرء في هذا الجدول خيال تفاحة ، وملأت هذه الرؤية حجره بالتفاح ؛

 

3205 - فمتى كان ما رآه في الجدول خيالا ، وقد امتلأت من رؤيته مائة جوال ؟ ! « 1 »

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 266 :

- إن هذا يشبه الصور وليس بصورة ، والمعنى في الحقيقة يكون عكس الصورة .

 

« 275 »

 

- فلا تنظر إلى الجسد ، ولا تفعل ما فعله أولئك الصم والبكم ، إذكَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ *! !

- إن " أحمد " هو مصداقما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، ومن ثم صارت رؤيته هي رؤية الخالق « 1 » .

- وخدمته هي خدمة الحق ، ورؤية النهار هي رؤية هذه الكوة .

- وبخاصة تلك الكوة المتألقة من ذاتها ، ليست تلك التي تكون رهنا بالشمس والفرقد .

 

3210 - وأيضاً من تلك الشمس التي طرقت الكوة ، لكن ليس عن الطريق والصوب المعهود .

- فبين الشمس وهذه الكوة طريق ، ليس للكوات علم به .

- هذه حتى أنه عندما يأتي سحاب ويغطى الفلك ، يكون نورها جياشا في هذه الكوة .

- فهو غير طريق هذا الجو والجهات الستة ، هناك ألفة بين هذه الكوة والشمس .

- إن مدحه وتسبيحه هو تسبيح الحق ، فإن الثمار تنبت من نفس هذا الطبق .

 

3215 - فالتفاح ينبت من هذه السلة بوفرة ، وليس عيبا إذا سميتها شجرة ،

- فسم تلك السلة شجرة تفاح ، فبينهما ، امتد طريق في الخفاء .

- وأن ما ينمو من الشجرة المثمرة ، ينمو من تلك السلة نفس ذلك النوع من الثمر .

- فانظر إلى السلة على أنها شجرة الإقبال ، واجلس سعيداً في ظل هذه السلة .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 266 :

- وقد اصطفاه الحق من بين الإنس والجان - ومن هنا سماه رحمة للعالمين ! !

 

« 276 »

 

- وما دام الخبز قد سبب لك الإسهال ، لا تسمه خبزاً بل سمه عقار المحمودة .

 

3220 - وإذا أضاء تراب الطريق الروح والبصر ، انظر إلى ترابه ككحل وسمه كحلا .

- وما دام الشروق يسطع من فوق هذه الأرض ، لماذا أرفع وجهي إذن إلى العيوق ؟ !

- لقد صار فناءً فلا تسمه وجودا أيها الوقح ، ومتى يبقى المدر جافا في مثل هذا النهر ؟

- ومتى يطلع الهلال أمام هذه الشمس ، ومع ذلك البطل « 1 » ، ماذا تكون قوة العجوز . . .

- إن ذلك الإله طالب وغالب ، حتى يدمر هذه الموجودات بأجمعها .

 

3225 - فلا تنطق بالاثنين ، ولا تعتبره اثنين ، ولا تسمه اثنين ، بل اعتبر العبد فانيا في سيده .

- ولقد فنى السيد في نور خالق السيد ، ومات وانتهى ودفن .

- فكيف تعتبر هذا السيد منفصلا عن الحق ، فتفقد المتن والديباجة على السواء ؟

- وهيا ، واعبر بالعين والقلب من هذا الطين ، إن هذه قبلة واحدة ، فلا تعتبرها قبلتين .

- فما دمت قد رأيتهما اثنين ، فقد عجزت من كل ناحية ، لقد اندلعت النار في المرخ ، وذهب المرخ .

..............................................................

( 1 ) حرفيا : رستم .

 

« 277 »

 

مثل الأحول مثل ذلك الغريب في مدينة كاشان المسمى بعمر ،

ولهذا السبب حولوه من هذا الدكان إلى ذلك الدكان ولم يفهم أن كل الحوانيت واحدة

في أنها لا تبيع لمن يسمى عمر ، فقال في نفسه : لأتدارك الأمر في التو واللحظة

وأقول : لقد أخطأت ، ليس اسمى عمر ، وعندما أتوب وأتدارك الأمر أمام هذا الحانوت فإني أحصل على الخبز من كل حوانيت هذه المدينة ،

وإذا لم أتدارك الأمر وأظل اسمى بعمر ، أمر من هذا الحانوت محروما ،

وأكون أحول إذ اعتبرت كل هذه الحوانيت مختلفة عن بعضها ! !

 

3230 - إذا كان اسمك عمر وتكون في مدينة كاشان ، فإن أحداً لن يبيعك فطيرة واحدة ولو بمائة دانق ! !

- وعندما تقول أمام حانوت : أسمى عمر ، فبيعوا لعمر هذا الخبز كرماً .

- يقول لك : امض إلى ذلك الحانوت الأخر ، فإن رغيفاً واحدا منه أفضل من خمسين رغيف من هذا الحانوت .

- ولو لم يكن أحول في رؤيته ، لقال : ليس هناك حانوت آخر .

- ولأصاب إشراق عدم الحول قلب الكاشاني ، ولصار عمر علياً .

 

3235 - ومن هنا يقول لذلك الخباز ، بع الخز لعمر هذا أيها الخباز .

- وعندما سمع هو أيضاً اسم عمر سحب الخبز ، ثم أرسلك إلى حانوت بعيد .

- قائلًا : أعط عمر هذا الخبز يا شريكي ، ومعناه افهم السر من صوتي .

- وسوف يحولك هو أيضاً من ناحيته ، صائحاً : انتبهوا لقد جاء عمر ليحصل على الخبز .

- وإذا كنت عمر في حانوت واحد فامض ، وصر محروما من الخبز في كل كاشان .

 

« 278 »

 

3240 - وإذا قلت أن اسمك " على " في حانوت واحد ، فهيا خذ الخبز من هذا الحانوت ، دون تحويل ، ودون مشقة .

- وما دام الأحول ذو النظرتين قد حرم من الشرب ، فما بالك أنت وأنت ترى الشئ عشرة يا بائع أمك ! !

- وفي كاشان الدنيا هذه دوام على الطواف من حولك كعمر ، ما دمت لست عليا .

- فللأحول في هذا الدير الخرب انتقال مستمر من ناحية إلى أخرى ، لعل خيرا يقع .

- ولو كان لك عينان عارفتان بالحق ، فانظر إلى ساحة الدارين مليئة بالحبيب .

 

3245 - ولنجوت من التنقل من مكان إلى آخر ، في كاشان هذه المليئة بالخوف والرجاء .

- وانك إن رأيت في هذا الجدول برعمة أو شجرة ، فلا تتخيل أن كل جدول يشبهه .

- وأن يكون لك من نفس هذه الصور حق حقيقي وبيع للثمار ! !

- فالعين من هذا الماء تتحرر من هذا الحول ، فترى الصور ، وتمتلئ السلة .

- ومن ثم يكون هذا بالمعنى بستاناً ليس نهراً ، إذن فلا تخف كبلقيس من الصرح الممرد ! !

 

3250 - إن الأحمال متنوعة على ظهور الحمر، فانتبه ولا تسق كل هذه الحمر بعصا واحدة.

- فعلى ظهر حمار حملٌ من الياقوت والجوهر ، وعلى ظهر حمار آخر حمل من الحجر والمرمر .

 

« 279 »

 

- فلا تسق هذه الحكمة على كل الجداول ، وانظر إلى القمر في هذه الجداول ، ولا تعتبره صورته .

- إن هذا هو ماء الخضر ليس ماء الوجود والفخاخ ، وكل ما يظهر فيه يكون حقيقة .

- فمن قاع هذا الجدول يقول القمر أنا القمر ، لست صورة قمر ، أنا محادثك ورفيقك .

 

3255 - إن ما هو أعلى موجود في هذا الجدول، فاحصل عليه سواء من عل أو من الجدول.

- ولا تعتبر هذا الجدول مثل بقية الجداول ، واعتبره قمرا ذلك الشعاع من قمري الوجه « 1 » .

- إن هذا الكلام لا نهاية له وذلك الغريب ، بكى كثيرا من ألمه على السيد ، وصار كئيباً .

 

طواف رجل شهم بكل مدينة تبريز وجمعه لشئ قليل وذهاب ذلك الغريب

إلى قبر المحتسب زائرا وروايته لقصته على قبره نائحاً . . . إلى آخره

 

- لقد اشتهرت واقعة دينه هذا ، فتألم رجل شهم لألمه .

- ومن أجل جمع المال له طاف بكل المدينة ، كان يروى في كل مكان قصته طامعاً .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 281 :

- وانظر إلى كل ما تريده في هذا الجدول من نعيم وتاج وإقبال بل ومن دين .

- ففي هذا الجدول كل ما تريده ، انظر إليه ثانية واشكر من أجل الزيادة .

- وكل ما يطلبه الخلق في الكونين ، صار موجوداً فيه دون بعد أو بون ! !

 

« 280 »

 

3260 - لكن ذلك العابد للكدية لم يجمع عن طريق الكدية سوى مائة دينار .

- فجاءه الرجل الشهم وأخذ بيده ، وذهب به إلى قبر ذلك الكريم العجيب " في كرمه " .

- وقال : إذا وفق الله العبد إلى النزول على أحد السعداء ؛

- ثم يؤثره بماله ، ويقدم جاه " ضيفه " على جاهه ؛

- فإن شكره يكون شكر للإله يقينا ، إذ وفقه إلى أن يكون للإحسان قرينا .

 

3265 - فترك شكره ترك لشكر الحق ، وحقه بلا شك ملحق بحق الحق .

- فداوم على شكر الله تعالى في النعم ، وأيضاً داوم على شكر السيد وذكره .

- ورحمة الأم وأن كانت من الله ، إلا أن خدمتها أيضاً فريضة واجبة .

- ولهذا السبب قال الله تعالى :صَلُّوا عَلَيْهِ، ذلك أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم تحال إليه " أحوال أمته " .

- ويوم القيامة يقول الله للعبد : هه . . . ماذا فعلت بما أعطيتك إياه ؟

 

3270 - يقول : يا رب : قمت بشكرك بالروح ، إذ كان منك أصل ذلك الرزق والخبز .

- يقول له الحق : لا . . . لم تقم بشكرى ، عندما لم تشكر ذلك الذي ديدنه الكرم .

- لقد ارتكبت الظلم والجور في حق كريم ، ألم تصلك نعمتي من يده ؟ !

- وعندما وصل إلى قبر ولى النعم ذاك ، بكى في حرقة وبدأ في الرثاء .

- وقال : يا ظهيرا لكل نبيل وملجأ له ، ويا أيها المرتجى والغوث لأبناء السبيل .

 

3275 - يا من هم أرزاقنا في خاطرك ، ويا من إحسانك وبرك كالرزق العام .

- ويا من أنت للفقراء الوالدان والعشيرة ، في الخراج وفي النفقة وفي إيفاء الديْن .

 

« 281 »

 

- ويا من أنت كالبحر ، أعطيت الجوهر للقريبين منك ، واتحفت البعيدين بالمطر .

- كانت ظهورنا محمية بك أيتها الشمس ، يا رونقا لكل قصر وكنزا في كل خرابة .

- يا من لم ير أحد على حاجبيك عبوس قط ، ويا من أنت عظيم كميكائيل ، موزع للرزق .

 

3280 - ويا من قلبك متصل بحر الغيب ، ويا من أنت عنقاء الغيب في قاف المكرمة .

- انك لم تذكر لي قط ولم تسألني ، ماذا ذهب من مالك ؟ ! يا من لم ينشق سقف همتك قط .

- ويا من أنا ومائة مثلي صاروا لشهور وسنين عيالا عليك كأنهم من نسلك .

- يا نقدنا ويا متاعنا ويا ثيابنا ، ويا سمعتنا وفخرنا وإقبالنا .

- إنك لم تمت ، بل مات عزنا وإقبالنا ، ومات سرورنا ورزقنا المستوفى « 1 » .

 

3285 - إنك واحد كالألف في القتال والكرم ، وأنت مائة من أمثال حاتم عند الإيثار بالنعم .

- وإذا كان حاتم يهب ميتا لميت ، فإنه يعطى مجرد جوزات معدودة .

- وانك لتهب في كل نَفَس حياة لا يستوعبها من نفاستها نفس .

- إنك تعطى حياة باقية جداً ، وتعطى الذهب نقدا لا يكسد ولا يعد .

- يا من لا وارث لخصلة من خصالك ، يا من لا يزال الفلك ساجداً في حيك ! !

..............................................................

( 1 ) ج : 14 : 288 :

- كان هذا كله من الحق وأنت الواسطة ، وكنت الرابط بيننا وبين الحق .

 

« 282 »

 

3290 - إن لطفك هو راعى الخلق " حارسهم " من ذئب الغم ، وأنت مثل كليم الله ، أنت راعى حنون « 1 » .

- لقد هرب كبش من كليم الله ، " ومن أجله " امتلأت قدم موسى بالبثور ، واهترأ نعله .

- وظل في أثره طوال الليل في بحث وتنقيب ، وذلك القطيع غائب عن نظره .

- ووهن الكبش من التخلف " عن القطيع " وعجز ، فنفض كليم الله التراب عن جسده .

- وأخذ يمسح براحة يده على ظهره ورأسه ، وأخذ يد لله حبا كأنه أمه .

 

3295 - ولم تكن عنده ولا نصف ذرة من الحدة والغضب ، فلا شئ عنده إلا الحب والشفقة ودمع العين .

- وقال : لا فرض أن إحساسا بالرحمة لم يبدر منى عليك ، فلماذا أبدى طبعك الظلم عليك ؟ !

- فقال الله تعالى للملائكة في تلك اللحظة ، إن فلانا جدير بالنبوة .

- وحتى المصطفى نفسه قال : إن كل نبي قام بالرعي في صباه أو في شبابه .

- وبدون الرعى وامتحانه به لم يعطه الحق إمامة الدنيا .

 

3300 - وسأله أحدهم : حتى أنت أيها الهمام ؟ ! فقال : لقد قمت بالرعي حينا من الدهر .

- وليس هذا إلا لكي يظهر صبرهم ووقارهم ، قد جعلهم الله رعاة قبل نبوتهم .

- وكل أمير يقوم برعاية البشر بالطريقة التي أمر بها .

- ويقوم برعيه بحلم كحلم كموسى عليه السّلام ، وبتدبير وعقل .

..............................................................

( 1 ) " ج " ( 14 / 293 ) : عنوان : هروب خروف من كليم الله وشفقته عليه وحدبه به .

 

« 283 »

 

- فلا جرم أن الله تعالى يهبه الرعى الروحاني على قمة فلك القمر ! !

 

3305 - مثلما سحب الأنبياء من ذلك الرعى ، وأعطاهم رعى الأصفياء

- ولعلك - أيها السيد - قمت في رعيك هذا بما يعمى شانئك .

- فإنني أعلم أن الله كافأك هناك ، ومنحك الرئاسة الأزلية .

- وعلى أمل كفك الذي هو كالبحر ، وجودك الذي لا ينقطع ، وإيفائك ؛

- استدنت تسعة آلاف من الدنانير الذهبية جزافا ، فأين أنت حتى يصير هذا الكدر صافياً .

 

3310 - أين أنت ؟ ! حتى تقول وأنت ضاحك كالرياض ، خذ هذا منى وعشرة أضعافه ،

- أين أنت ؟ ! حتى تجعلني ضاحكاً وتجعلني بلطفك وإحسانك كأرباب " الأموال " .

- أين أنت ؟ ! حتى تحملني إلى خزانتك وتجعلني آمنا من الدين والفاقة .

- وأنا أقول لك ، كفى وأنت المتفضل على تقول لي : خذ هذا أيضاً من أجل خاطري .

- فكيف يسع ما تحت الطين عالماً ؟ ! وكيف تستوعب سماء في " بطن " الأرض ؟ ! .

 

3315 - حاشا لله ، إنك خارج هذا العالم ، سواء حين حياتك ، وسواء الآن .

- إن طائراً يخفق بجناحيه محلقا في هوى الغيب، لكن ظله "لا يزال" منعكسا على الأرض.

- والجسم هو ظل ظل ظل القلب ، ومتى يكون الجسم جديراً برتبة القلب ؟ !

- إن الرجل يكون نائما وروحه كالشمس ، متلألئة في الفلك ، والجسد نائم في الرداء .

 

« 284 »

 

- والروح مختفية في الخلاء كأنها في سجاف ، والجسد لا يزال يتقلب تحت اللحاف .

 

3320 - والروح ما زالت خفية "مصداقا لقوله أنها"مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وكل مثال أقوله ينتقى !!

- فوا عجبا أين ياقوتك الذي كان ينثر السكر ؟ ! وأين إجاباتك الحلوة وأسرارك ؟ !

- وواعجبا ، أين ذلك العقيق القاضم للسكر ، وذلك المفتاح لقفل المشاكل عندنا ؟ !

- وواعجبا ، أين ذلك النفس " الماضي " كذى الفقار ، ذلك الذي يجعل العقول بلا قرار ؟ !

- وحتام كالفاخنة الباحثة عن عشها ، أظل أصبح . .كوكو كوكو، أين ؟ . . .أين ؟ . . . أين؟!

 

3325 - أين نفس ذلك الموضع الذي كان يحتوى على صفات الرحمة والقدرة والنزاهة والفطنة ؟!

- أين نفس ذلك الموضع الذي قلبه وفكره ، كانا دائما هناك كالأسد وعرينه ؟

- أين نفس ذلك الموضع الذي كان رجاء الرجال والنساء يمضى إليه وقت الحزن والهم ؟ !

- أين نفس ذلك المكان الذي في وقت العلة ، تفر إليه العين على أمل الصحة ؟ !

- ذلك المكان الذي كان دائما من أجل دفع القبح ، باحثا عن الريح للزرع والسفينة ؟ !

 

« 285 »

 

3330 - إنه من ذلك الطرف الذي يشير إليه القلب عندما يصيح اللسان : يا هو ! !

- إنه مع الله فيما وراء المكان ذلك الذي كنت أقول من أجله " ماكو " كالنساج « 1 » .

- وأين عقولنا حتى ترى الغرب والشرق ، وتطرق الأرواح مائة نوع من البروق .

- كان جزره ومده في بحر ذي زبد ، وانتهى الجزر ، وبقي المد ! !

- وأنا مدين بتسعة آلاف ولا معين ، وهناك مائة دينار من كل هذا الجمع . . فحسب ! !

 

3335 - ولقد سحبك الحق وبقيت أنا في محنة ، وسأمضى قانطا يا حلو المثوى .

- فداوم على أعمال الهمة في شديد الحسرة عليك ، يا ميمون الوجه واليد والهمة .

- فلقد جئت إلى العين وأصل العيون ، فوجدت فيها دما بدلا من الماء .

- والفلك هو الفلك ، لكن ضوء القمر ليس موجوداً ، والجدول هو الجدول وليس ذلك الماء هو الماء .

- والمحسنون موجودون وأين ذلك المستطاب ، والكواكب موجودة وأين تلك الشمس ؟ !

 

3340 - لقد صرت إلى الله أيها المحترم ، وعلى أنا أيضاً أن أمضى صوب الحق ! !

- فهو مجمع العلم ومأوى القرون ، وهي حق كللَدَيْنا مُحْضَرُونَ *.

..............................................................

( 1 ) تلاعب لفظي بين " ماكو " أي مكوك النساج ، وكو بمعنى أين .

 

« 286 »

 

- فالصور سواءٌ علمت أو لم تعلم ، تكون مختصرة في كف النقاش .

- ولحظة بلحظة تكون في صفحات تفكيرهم ، تثبت وتمحى دون إمارة أو دليل .

- يثبت الغضب فيمحو الرضا ، وتثبت البخل فيمحو السخاء « 1 » .

 

3345 - ومدركاتى في الغدو الآصال ليست خالية للحظة واحدة من هذا الإثبات والمحو .

- إن الفخارى يكون صانعا للإناء ، ومتى يكون الإناء من نفسه عريضا أو طويلًا ؟ !

- والخشب رهن بيد النجار ، وإلا فكيف يصير مقطوعا ومتسقاً ؟ !

- والثوب يكون في يد الخياط ، وإلا فكيف يخاط أو يفصل من نفسه ؟ !

- والقربة تكون في يد السقاء أيها المنتهى ، وإلا فكيف تصير من نفسها ملأى أو فارغة ؟ !

 

3350 - وأنت في كل لحظة تمتلئ وتفرغ ، إذن فاعلم أنك في كف صنعه ! !

- فمتى تذهب كمامة العين يوماً عن العين ، ومتى يصير الصنع مفتوناً من الصانع ؟ !

- إن لك عينا فانظر بعينك ، ولا تنظر بعين سفيه جلف .

- ولك أذن فاسمع بأذنك ، فلماذا تصير مرتهنا بآذان المخدوعين ؟ !

- واحترف النظر دون تقليد ، وفكر أيضاً من أجل عقلك « 2 » .

..............................................................

( 1 ) ج : 14 / 295 :

- أحياناً يمحو الحقد ويثبت الصفاء ، يحصد العجز ويزرع العطاء

( 2 ) ج : 14 : 295 :

- واستمع إلى حكاية منى نظير " هذه الأفكار " ، حتى تبقى خبيرا بسر قولي .

 

« 287 »

 

رؤية خوارزمشاه رحمه الله وهو في موكبه لجواد نادر جداً

وتعلق قلب الملك بحسن ذلك الجواد وخفته ،

وتسخيف عماد الملك لذلك الجواد في قلب الملك واختيار الملك قوله على رؤيته مصداقا

 لما قاله الحكيم عليه الرحمة في " الهى نامه " :

عندما يصير لسان الحسد نخاساً * تجد مثيل يوسف بذراع من الكرباس فمن دلالة إخوة يوسف بحسد خفى ذلك الحسن الشديد في قلوب المشترين وأخذ القبح في الظهور ومصداقا لقوله تعالى :وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ

 

3355 - كان لأحد الأمراء جواد أصيل ، لم يكن له قرين في قطيع السلطان .

- وعندما ركب خوارزمشاه في الموكب صباحا ، وقعت أنظاره فجأة على الجواد .

- اختطف لونه وبهاؤه نظر الملك ، وحتى العودة كانت عينه عليه .

- وكل عضو كان يلقى عليه نظرة ، كان يبدو له أجمل من العضو الأخر .

- وغير الخفة والجمال والجاذبية ، كان الحق قد ألقى عليه صفات نادرة .

 

3360 - وقد بحث عقل الملك كثيرا في هذا الذي يقطع الطريق على العقل .

- " وتساءل " : أن عيني شبعى ومليئة وغنية ، ولها من مائتي شمس الضياء .

- ويا من فيلة الملوك بيدق بالنسبة لي ، هل يختطفنى نصف " حصان " دون حق ؟ ! - لقد قام بسحر خالق السحر ، إن هذه جذبة وليست خاصية فيه .

- وقرأ الفاتحة وحوقل كثيرا ، وكانت الفاتحة تزيد الألم في صدره .

 

3365 - ذلك أن الفاتحة في حد ذاتها كانت تجذبه ، فإن الفاتحة فريدة " التأثير " في جذب " الخير " ودفع " الشر " .

 

« 288 »

 

- فإن يبدُ الغير فمن تمويهه ، وإن يمضى الغير عن النظر فمن تنبيهه !

- فيتيقن أن انجذابه إليه من ذلك الصوب ، وأمر الحق في كل لحظة يأتي بالنوادر .

- والجواد الحجري والثور الحجري من الابتلاء ، يصيران من مكر الله معبودين .

- وعند الكافر لا ثاني للصنم ، وليس للصنم بهاء أو روحانية .

 

3370 - فما هو ذلك الجاذب ؟ ! خفاءٌ في خفاء ، قد سطع على الدنيا من العالم الأخر .

- إن العقل محجوب والروح أيضاً محجوبة عن هذا الكمين ، وأنا لا أراه ، وإن كنت تستطيع ، انظر .

- وعندما عاد خوارزمشاه من موكبه ، باح بالسر لخواص ملكه .

- ثم أمر القواد على الفور أن يأتوا بالجواد من " أصحابه " وهم أسرة من الأمراء .

- فوصلوا وكأنهم النار ، وصار الأمير الذي كالجبل كأنه العهن .

 

3375 - وبلغت روحه من الألم والغبن الحلقوم ، ولم ير من غياث إلا في عماد الملك .

- فقد كان عماد الملك قاعدة العلم ، لكل مظلوم ولكل قتيل للغم .

- ولم يكن هناك رئيس أكثر احتراما منه ، كأنه عند السلطان كنبي ! !

- كان خاليا من الطمع أصيلا زاهدا متقيا ، قائما بالليل ذا رياضة و " مثيلا " لحاتم في السخاء .

- كان مبارك الرأي عظيما ذا تدبير ، ورأيه مجرب في كل مراد .

 

3380 - فهو سخى في بذل الروح والمال ، وهو طالب لشمس الغيب كهلال .

 

« 289 »

 

- كان في الإمارة غريبا وحبيسا ، ومرتديا للباس الفقر والخلة .

- كان لكل محتاج كالأب ، وكان شفيعا أمام السلطان ودافعا للضرر .

- وكان سترا على الأشرار كالحلم الإلهى ، وكان خلقه على عكس الخلق منفصلا عنهم .

- كان يمضى مرات وحيدا نحو الجبل ، وكان الملك يمنعه بإلحاح شديد .

 

3385 - ولو كان يتشفع في كل لحظة لمائة جرم ، لكانت عين السلطان تستحى منه .

- لقد ذهب " الأمير " إلى عماد الملك العظيم عارى الرأس وسقط على التراب . . .

- قائلًا : قل له أن يأخذ جوارىّ . . . أن يأخذ كل ما لدى ، بل أن يأمر بكل ما لدى لكل مغير .

- وهذا الجواد ، روحي متعلقة به ، فلو أخذه مت يقيناً يا محباً للخير .

- وإذا سلب هذا الجواد من يدي ، فإنني لن أعيش يقيناً .

 

3390 - وما دام الله قد منحك الصلة به ، فامسح بيدك أيها المسيح على رأسي سريعاً .

- فهناك صبر على نسائي وذهبي وأملاكى ، وليس هذا بالتكلف أو بالتزوير

- وإن لم تكن تصدقني في هذا الحماس ، فامتحن ، امتحن قوتى وحماسى ! !

- فأسرع عماد الملك باكيا حاكا عينيه مضطرب الحال إلى السلطان .

- وعقد شفتيه ووقف أمام السلطان ، متحدثا بالسر مع الله رب العباد .

 

3395 - وكان يستمع إلى سر السلطان واقفا ، وفي داخله كان فكره يمور .

- قائلًا : يا الله ، إذا كان ذلك الشاب قد ضل الطريق ، فلا يجوز الالتجاء إلى سواك .

 

« 290 »

 

- فعامله بالرحمة، ولا تعامله بما فيه، وإن أراد الخلاص عن طريقي، أنا الأسير "لفضلك".

- ذلك أن هؤلاء الخلق محتاجون جميعا ، من الشحاذ فصاعداً وحتى السلطان .

- ومع حضور الشمس ذات الكمال ، أئمة بحث عن الهداية من الشمع والفتيل ؟ ! !

 

3400 - ومع حضور الشمس عذبة المساغ ، أبحثُ عن النور من الشمس والمصباح ؟ !

- فإن ذلك يكون بلا جدال تركا منا للأدب ، يكون كفرانا بالنعمة وفعلا عن الهوى .

- لكن أغلب الألباب عندما تفكر ، تكون كالخفافيش محبة للظلام .

- وإن أكل الخفاش دودة بليل ، فإن الشمس هذه هي التي رتبت روح تلك الدودة !

- وإن ثمل الخفاش من دودة بليل ، فقد صارت الدودة متحركة من الشمس .

 

3405 - ذلك أن الشمس التي ينبثق منها الضياء ، تعطى عدوها نوالها .

- لكن الصقر الملكي الذي ليس بخفاش ، عينيه المفتوحة ناظرة إلى الحقيقة وذات ضياء .

- فإن بحث عن النمو كالخفاش بليل ، فإن الشمس تؤدبه عاركة أذنيه .

- قائلة له : لأفرض أن ذلك الخفاش الضال مصاب بعلة فما ذا حدث لك ؟ !

- فلأؤدبك بشدة من حزنى " عليك " ، حتى لا تولى وجهك ثانية عن الشمس .

 

.

* * *

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز

وقد أورد الأنقروى الأبيات التالية لسعدى الشيرازي في نفس المعنى :

- تلقيت قطعة طين طيبة الرائحة ذات يوم في حمام .

- فقلت لها : أمسك أنت أم عبير * فقد ثملت من رائحتك المحببة .

فأجابت : كنت مدرة لا تذكر * لكنني عاشرت المحبوب فترة .

فأثر فيّ كمال الجليس * وإلا فأنا نفس التراب .

 

كما أن البيتين التاليين يبينان نفس المعنى :أصحب أخا كرم تحظى بصحبته * فالطبع مكتسب من كل مصحوب.فالريح أخذة مما تمر به * نتنا من النتن أو طيبا من الطيب. ( أنقروى 6 - 2 / 190 - 191 ) والنفس قابلة للطبع ، والمرء على دين خليله ، والجار ثم الدار والرفيق قبل الطريق ( أحاديث مثنوى / 212 ) وانظر : حتى تراب القبر يعامل بقيمة من يودع فيه ، وقد يكون مزارا إذا دفن فيه جسد طاهر :

 

« 572 »

 

والناس صنفان موتى في حياتهم * وآخرون ببطن الأرض أحياءكما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم :

[ من زار قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] . وقال صلى اللَّه عليه وسلم :

[ من زار قبرى وجبت له شفاعتي ] .

 

( 3023 ) : البيت المذكور في العنوان لأكثر من شاعر ، وضمنه البحتري في إحدى قصائده ( 1 / 94 من طبعة دار المعارف ) وفي الهامش ذكر أن البيتين في الغالب لعدى بن الرعلاء وهو شاعر جاهلي أو لصالح بن عبد القدوس المقتول على يدي المهدى بتهمة الزندقة .

والحكاية المذكورة ذات سوابق في كتاب المستجاد من فعلات الأجواد تأليف ابن علي محسن بن علي التنوخي كما وردت في الجزء الثالث من إحياء علوم الدين للغزالي ، وكيمياى سعادت ( الملخص الفارسي لإحياء علوم الدين للغزالي ) ( عن فروزانفر مآخذ / 213 ) وليس بطلها في الروايات السابقة على مولانا هو بدر الدين عمر محتسب تبريز الذي لم تذكر الشروح متى وفي أي عصر كان يعيش وهل هو شخصية حقيقة أو شخصية وهمية .

 

( 3034 - 3037 ) : شمس العرب هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، والمؤمنون يعتمدون على شفاعته ، ومن كان اعتماده عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أي خوف له من أمثال أبى لهب ، ( قرآن كريم / سورة 111 ، وانظر البيت 432 وما بعده من الكتاب الثاني ) والاعتماد على السحاب أي الاعتماد على المبدأ أو الأصل ، وسحرة فرعون متى كانوا يهتمون بقطع أيديهم وأقدامهم ( انظر الكتاب الرابع ، البيت 2100 وشروحه والكتاب الخامس الأبيات 4123 - 4139 وشروحها ) . والأسد هو الولي الكامل .

 

( 3038 - 3040 ) : قد يتبادر السؤال : كيف يستطيع فرد أن يكون حماية للجماعة وعونا لها ؟ ! ويجيب مولانا : عندما يكون هذا الفرد أمة وحدة ، فإن روح الجماعة تكون كامنة فيه بحيث لا تستطيع مجموعة من البشر تفتقر إلى روح الجماعة أن تتصدى له ، ويضرب مولانا المثل بجعفر عن أبي طالب وفدائيته في القتال المعتمدة في المقام الأول على روح الجماعة

« 573 »

 

( عن جعفر ، انظر 3580 من الكتاب الثالث و 2060 من الكتاب الرابع وعن روح الجماعة انظر 2042 و 3288 - 3290 من الكتاب الرابع ) وروح الجماعة هي الإيمان الساري في الجماعة والذي يعتبر قوة وحده .

 

( 3050 - 3066 ) : ظاهر الكلام هو الحديث عن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لكن الحديث هنا عن رجال الحق عموماً ، ويضرب مولانا الأمثال بالنجوم والشمس والفئران والقط ، فمهما كان عدد النجوم فإنها لا تطلع متى طلعت الشمس ، ومهما كان عدد الفئران فإن قطا واحدا يتغلب عليها ، مع أنها لو تميزت بروح الجماعة لاستطاعت أن تمزق القط إربا ، إنها الروح ، روح الإيمان ، وروح الجمع وهي ضد التفرقة وتستطيع أن تتغلب عليها مهما كان عددها ، إلا لولا هذه الروح هل كان أسد واحد يستطيع أن يمزق مئات من حمر الوحش ؟ !

إنها عطية الله ، وليست الشجاعة فقط هي التي تنتصر ، بل يمكن أن تكون عطية الجمال الذي يجندل البشر ، بحيث تقطع النسوة أيديهم من جمال يوسف عليه السّلام ويصير ملك غلاما لفتاة لجمالها ، ومن نفس هذا النور يكون لإنسان في ليل الدنيا المظم التفريق بين الخير والشر .

 

ويضيف الانقروى : قال أبو هريرة رضي اللّه عنه : " ما رأيت أحسن من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجرى في وجهه " . وعن جابر بن سمرة رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ليلة فجعلت انظر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هو عندي أحسن من القمر " ( 6 - 2 / 200 ) .

 

( 3067 - 3079 ) : هذا النور الذي كان ليوسف عليه السّلام ولموسى عليه السّلام وللأولياء جميعاً جعل ظواهرهم نورانية مثل بواطنهم ، ثم يشير إلى نور موسى عليه السّلام وكيف كان يشع من وجهه فلا يطيق أحد النظر إليه " مكث موسى بعدما تغشاه نور رب العالمين وانصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى أنه اتخذ لنفسه برنسا وعليه برقع لا يبدي وجهه لأحد مخافة أن يموت " ( قصص الأنبياء للثعلبي ، ص 174 ، عن فروزانفر ، مآخذ / 214 - سرني 1 / 303 ) ووردت في مصيبت نامه للعطار والرسالة القشيرية وأصلها من سفر

 

« 574 »

 

الخروج ( 34 / 35 ) .

ويلعب مولانا على موضوع البرقع ، ويضيف أن الله أوصاه بأن يتخذ حجاباً من خرقته ، لأن الخرقة مشبعة بالنور ، فلا يؤثر فيها هذا النور ، فلباس العارف من كثرة التصاقه به يصبر على نوره ، في حين أن أي شئ آخر لن يصبر على هذا النور حتى ولو كان جبل قاف ( اندك جبل الطور من التجلي ) ، هي قدرة الله التي جعلت أبدان أوليائه تتحمل هذا النور الذي لم يتحمله الطور ، وما أجساد رجال الله وقلوبهم إلا على مثل المشكاة والزجاجة التي ضرب الله بها المثل لنوره وأين المثل هنا من الممثول ( النور / 35 ) ؟ ! !

 

( 3080 - 3086 ) : ألا تصدق أن قلوب أولياء الله تسع هذا النور الإلهى إذن فاقرأ قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ ما وسعتنى أرضى ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ] ، وهذا ما لا يصل إليه ملك مقرب ، إنها معرفة تتم فحسب عن طريق القلب الذي هو بمثابة المرآة تنعكس فيها الأنوار الإلهية ، وبأمثال هؤلاء الذي ينعكس النور الإلهى على مرايا قلوبهم تنهمر الرحمة الإلهية ، وكم من القلوب التي وسعت الكونين بل ووسعت ما لا يسعه هذان الكونان ، وأنواع السرور التي تشعر بها هذا القلوب لا تصل إليها أنواع السرور التي تحدث من خمسين عرس ، وأي بيان يستطيع أن يعبر عنها . ويعلق السبزواري ( ص 478 - 479 )

 

لأنها تتحقق بتحقق مراتب الوجود من العوالم العشرة ، تسعة منها علوية فلكية وعالم واحد سفلى عنصرى ومراتب الوجود ستة أحدها الكون الجامع وهو المرآة وبقيتها خمس مراتب مرتبة الأحدية ومرتبة الواحدية وهي حضرة الأسماء والصفات ، ومرتبة الجبروت أي الأرواح المجردة المرسلة ، ومرتبة الملكوت الأرواح المجردة المضاعفة ، ومرتبة الملك أي عالم الشهادة والأجساد الطبيعية وهذه المراتب الخمسة للوجود بتعينات هذه العوالم العشرة بمقتضى النكاح الساري في جميع الذراري في عرس واحتفال ، والكون الجامع هو الإنسان الكامل هو الواسطة والمرآة .

 

( 3087 - 3099 ) : عودة إلى رواية نور موسى عليه السّلام والحجاب الذي صنعه من خرقته ،

 

« 575 »

 

والذي ما كان الحديث حتى يتحمله إذا لم يكن قد صنع من تلك الخرقة التي تشبعت بالنور من وجد موسى عليه السّلام وعشقه للخالق سبحانه وتعالى ، لقد ائتلفت هذه الخرقة بالنور مثلما يتحمل المحترق النار ، لم يكن نورا عادياً ، كان نور الرشاد ، كان ذلك النور الذي حرم " صافورا " ابنة شعيب وزوج موسى عليه السّلام من تلك العين الناظرة إلى الدنيا وفتحت منها عين الباطن فلما رأت اللذة المتأتية من مشاهدة الباطن ، ضحت بعينها الصورية الأخرى ، وتمنت لو كان لها ألف عين لضحت بها من أجل مشاهدة هذا الجمال ، لقد حصلت على الكنز وبعد الحصول عليه في الخرابات أيمكن أن يذكر أحد رواقه ومنزله ؟ !

 

إن ذلك النور الباطني الباطن بمثابة الكنز ، والعين الجسدية بمثابة الخرابة فهل يأسف أحد على ضياع العين الجسدية إذا ظفر بهذا النور ؟ ! وقال الشاعر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف. ( انقروى 6 - 2 / 205 )

 

( 3100 - 3114 ) : ونور الحق في صورة يوسف عليه السّلام ، كان ساطعا بحيث كان ينعكس على نوافذ الدور والقصور عندما يمر في الطرقات فكان الناس يعلمون انه يمر ، كانوا يعرفون نور الحق من مروره ، وكان هذا النور ينعكس حتى على الجدران ، فاطلب هذا النور وافتح كوة قلبك تجاه نور وليك ومرشدك ، وابدأ في المشاهدة ، فإن هذا المشاهدة هي العشق الحقيقي ، وبه يحل النور في الصدر ، وفي يدك أن تنظر إلى الوجوه المحبوبة ، وجوه رجال الحق ، وذلك إذا ركزت تفكيرك في أولئك الرجال ، وصحبتهم كمياء تحول المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة ، والقشور إلى لباب ، ويتحول الأعداء إلى أصدقاء ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، وظلال الرجال هي التي تنمى بساتين الأرواح ، وأنفاسهم تحيى قتلى الغم ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي أعطى يوسف عليه السّلام ملكة تعبير الرؤيا فوق جماله ، لقد جره الحسن إلى السجن ، بينما رفعه العلم إلى أعلى عليين ( التعبير مأخوذ من حديقة سنائي ) .

 

« 576 »

 

( 3115 - 3124 ) : عودة إلى حكاية المدين الذي جاء على أمل محتسب تبريز الجواد ، وحديث شديد العاطفية ملىء بالوجد لمولانا عن تبريز موطن مرشده وأستاذه ومثار وجده شمس الدين التبريزي ( حديثه عنها كحديثه عن بخارى في قصة عاشق صدر جهان في الكتاب الثالث ) فهي دار السلام بالنسبة له ، وهو محمول فوق محفة من ورود الآمال ، وتبريز هي روضة الرجال ، ومنها يأتي نسيم المحبوب كما كانت رائحة قميص يوسف تأتى نحو يعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، وكعادة مولانا جلال الدين عندما يشفه الوجد ينطلق بأشعار عربية ، وعلى لسان المريد الذي يخف إلى حلال مشاكله ، يتحدث عن رحلة في صحراء شاسعة على ناقة ( رحلة الحج ) ، حيث الجنة على الأرض وحيث مناخ الصدور ، وبهاء الفردوس ، فالنور لا يزال ينزل من فوق العرش على أهل تبريز ( ربما ببركة شمس الدين التبريزي ) فتسعد أرواحهم بهذه الأنوار .

 

( 3133 - 3152 ) : بينما يواصل مولانا حكايته لا يزال يتحدث عن عيوب الاعتماد على الدنيا وأهل الدنيا مهما كانوا يتمتعون به من مزايا ، ويفيق ذلك المدين من غشيته الواقعية عندما سمع خبر وفاة المحتسب وغشيته الروحية عندما وضع اعتماده كله على إنسان يفنى ولم يضعه إلى الحي الذي لا يموت ، وعندما انصرف عن المسبب معتمدا على الأسباب ، فمهما كان عطاء السيد ( المحتسب ) أين هو من عطاء الله الوهاب ؟ !

الله سبحانه وتعالى يهب الأصول التي بدونها لا تقوم الفروع التي كان يهبها المحتسب : فلا قلنسوة بلا رأس ، ولا ذهب دون يد تعد الذهب ، ولا دابة دون عقل يسوسها ولا شمع دون عين تبصر النور ، ولا راتب دون عمر ينفقه ، ولا منزل إلا بأرض ، بل إن رحمته جزءٌ من تلك الرحمة الكلية الإلهية ، والذهب من خلق الله وليس من خلقه ،

والرزق من الله وهو مجرد سبب ، إن رحمتك أيها الإله بنا رحمة أزلية ، كانت قبل أن توجد ، كل ما في الكون خلق لنا من قبل أن توجد ، فرحمته وعطاؤه سبقا خلقنا وأعدا لنا ما اشتقت منه طبائعنا وأعاننا على التعايش مع

 

« 577 »

 

هذه الطبيعة التي خلقها قبلنا ، وأراد أن يعرفنا عليه فجعل آدم عليه السلام دليلا عليه ومرصدا يطل علينا منه ومظهراً لآياته وأوصافه ، خلق آدم على صورته ( انظر الكتاب الرابع 1195 ) إن الوجود الصوري للإنسان بمثابة شبكة الأصطرلاب ، تثبت صفات الأزل وتبينها ، وهذا الوجود الهش ( العنكبوتى ) للإنسان وضع فيه من العلوم والفنون ما جعله يعلم به أسرار الغيب والروح المطلق لكافة المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " ، لكن هذا الأصطرلاب يريد منجما يستخدمه لكي يصل به إلى هذه الأسرار ، وإلا سقط فيها محتقرا بين أيدي العوام يعتبرونه هذا الجسد الذي يشترك فيه مع الدابة ، هؤلاء المنجمون القادرون على استخدام هذا الأصطرلاب هم الأنبياء .

 

( 3153 - 3159 ) : لكن بالرغم من وجود الأنبياء فإن أهل الأزمنة المتتالية سقطوا في بئر الغرور ، واغتروا بهذه الدنيا ، وما أشبههم في هذا بالأسد الذي أسقطه أرنب في البئر ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1313 - 1317 ) ،

وكل ما تراه في بئر الغرور هذا صورة لأصل موجود في عالم الغيب ، فما هجومك على الصورة وتركك للأصل ؟ !

إن هذا هو سبب هلاكك في هذا البئر ، وذلك الأسد لأنه كان مقلدا تجرع خداع الأرنب ( انظر للفرق بين المقلد والمحقق ، البيت 3095 من الكتاب الثالث والبيت 2778 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لقد خدع من خياله هو ، إن هذه الصورة ليست عطية حقيقية لكنها من عطاء ماء البئر إنها مجرد غش من ذلك الغشاش .

 

( 3160 - 3164 ) : وهكذا أنت أيضاً بالنسبة لعدوك ، محدود في مضيق هذه الدنيا وفي الجهات الستة وفي رأى في الحواس الستة ( الحواس الخمسة والحس المشترك ) ، وهي ما لم تتنور بنور الله لا تخلو من الخطأ .

 ( مولوى 6 / 435 ) أو يرى السبزواري أنها أغلاط المدارك الستة لأن للإنسان خمس مدارك ظاهرة يدرك بها عالم الشهادة والصورة وواحد لدرك العالم الباطن وهو العقل ( ص 395 ) .

إن جذور عداوة العدو انعكاس لقهر الله تعالى ،

 

« 578 »

 

فاطلب كشفها من الله تعالى ، ثم إن حقد العدو عليك لا بد وأنه نابع من عيب فيك أنت فعالج عينيك أولا وعالج نفسك أولا ، إن عدوك مرآة لك ، انعكس عليها جرمك أنت ، وبدلا من أن تعالج نفسك حتى ترى صورة حسنة في المرأة ، إذا بك تحطمها ، كيف تحطم المرأة والعيب فيك أنت ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 2698 والفكرة أصلا مأخوذة من حديقة سنائى ، الترجمة العربية ، الأبيات 4035 - 4042 ) .

 

( 3165 - 3169 ) : وهاك مثل آخر على سوء تقدير الإنسان : هل يأتي ذلك الإنسان الذي يؤمن بالنجوم على انعكاس صورة نجمة في الماء ويحثوها التراب ويعتبرها نحسا ؟ ! إنها مجرد صورة وهو يخلط بها وبين النجمة الحقيقية ، وعندما يحثوها بالتراب وتختفى تظن أن النجمة الحقيقية قد اختفت ، إن النجمة في السماء ، مثلما تكون جذور الخير والشر في داخلك أنت وتطلبها وتبحث عنها ، اطلب نجمة النحس من السماء . وقد يكون المقصود بالمرآة هو المؤمن مصداقاً للحديث النبوي : [ المؤمن مرآة المؤمن ] ( انقروى 6 - 2 / 220 ) .

 

( 3170 - 3181 ) : ما هذا الذي أقوله ؟ ! بل انظر إلى حيث لا جهة ، إلى من لا تحده الجهات ( انظر البيت 1021 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 351 من الكتاب الخامس ) ،

فلا نحس ولا سعد من النجوم ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل ما تأتيك به الحواس الخمسة والجهات الستة انعكاس للعطية الحقيقية ، فارجع إليه ، واطلب منه ، حتى ولو كانت عطايا الآخرين عدد الرمل ، فإنك لن تستفيد منها شيئا إلا فترة العمر وهو عمر قصير ، أما عطية الحق لرجال الحق فإنها تستمر أبد الدهور ، فارجع إليه وافن فيه

( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، إنه يطعى قوت الروح من المعرفة ومن الفيض ومن النور ( انظر 1268 من الكتاب الثالث وقوت الأرواح البيت 2113 من الكتاب الثالث ) وإن السمنة المختفية هي القدرة الباطنية التي تجعل الإنسان مستغنيا عن السمنة المادية ، إن رجل الله يحيا كما

« 579 »

 

يحيا الجن بالرائحة ( هكذا في معتقد القدماء ، انظر 3072 من الكتاب الثالث ) حتى الروح ليست سند الحياة ، لكنه عشق الروح للحق " من عاش بالعشق لم يمت أبداً " ، فاطلب منه العشق ، فبالعشق تحيا الروح ، واطلب منه رزق الروح من المعرفة والنور لا الطعام .

 

( 3182 - 3193 ) : إن كل الكائنات تتجلى فيها آثار الوجود الحق ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا من 3147 - 3150 ) مثل انعكاس النجمة في الماء ( انظر 3165 )

والحقيقة عبر القرون واحدة ، والحق هو الحق ، لكن تجلياته هي التي تتغير ، مثلما يمر الماء في الجدول ثم يحل محله ماء آخر ( إنك لا تنزل نفس الجدول مرتين ) ، هذه التجليات ليست تامة ، لكن أساسها ثابت ، وهذه الصفات التي تتجلى فينا معتمدة على صفات أخرى معنوية ، هي نجوم عالم المعنى تشاهد صورتها في وجودنا العابر الفاني ،

إن عشق الحسان على سبيل المثال هو مجرد صورة لعشق الجمال الكلى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 372 - 379 وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، ص 14 ) .

 

نقل الأنقروى ( 6 - 2 / 225 ) عن ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة. ومن ثم عندما يفنى الحسن يعود إلى أصله ( عندما يفنى كل شئ في الحقيقة يعود إلى أصله انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4440 وشروحها ) . إن كل الصور انعكاس له ، وعندما تنظر جيدا فليست كل الكائنات إلا إياه ، ( أساس فلسفة جلال الدين أن كل الموجودات فاضت عن الله تعالى ) .

 

( 3194 - 3201 ) : عودة إلى قصة المدين ومحتسب تبريز ، إن مولانا يجعل من محتسب تبريز في مرتبة أكمل الواصلين بحيث يقضى حاجة المدين بعيداً عن موازين هذا العالم ، وفيما سبق كان المدين يتأسف ويبدي ندمه على أنه حمل حاجته إلى المخلوق ولم يحملها إلى الخالق ، لكن عقله المدرك يعود فيقول له : ما هذا الحول ؟ ! ما هذه الإثنينية ؟ ! إن الخل هو

 

« 580 »

 

الدبس والدبس هو الخل ، أي أن عطاء الحق وعطاء رجل الحق من مصدر واحد ، وإن كان أحدهما شديد الحلاوة كالدبس والآخر كالخل ، إنه من تصور فهمك أن تظن أن السيد المحتسب كغيره من الناس ، وهذا يثير غيرة الحق الذي لا بد وأن تثور غيرته ، من أجل أوليائه ، فكيف تعتبر هذا السيد الذي جاوز الأثير بجوده ومآثره مثل بقية الخلق الذين يشبهون الفئران القابعة في جحورها ولا تقوى على الخروج في ضوء الشمس ؟ !

إنك أن فعلت هذا تكون كإبليس الذي لم ير من آدم إلا الطين ولم يدرك روح الحق التي نفخت فيه وكانت سبب الأمر بالسجود ، وإياك أن تعتبر مدرك شمس الحقيقة مثل أهل الدنيا ( الخفافيش ) ،

 إن خلقته وإن كانت مثل الناس بالصورة ، إلا أنه رباني لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى على مثال الصورة ، إنه أدرك شمس الحقيقة ، وزال عنه جمود الصورة وجمود الإنسانية ، وفيه رائحة من الحق مثلما يحمل زيت الورد رائحة الورد ويختلف بهذا عن زيت السمسم .

 

( 3202 - 3224 ) : إن رجال الحق عندما بدلوا ، لم يعودوا من الخلق ، أي لم يعد بينهم وبين الخلق وجه مشاركة ( عجنت أجسادهم أيضاً من النور ، الكتاب الثالث البيت 8 ) ، فدعك من كل خياراتك هذه وصحيح بصرك بالنسبة لهم ، إنهم أرواح فحسب والإنسان روح ، فكيف يأمر الله الملائكة بالسجود لآدم إذا كان يعتبر آدم مجرد جسد من تراب فحسب ؟

 لقد كان السجود لآدم لأنه روح ، روح واصلة ومتصلة بالوجود الحقيقي وجزء منه ، لكن هذا الوجود الصوري مجرد جدول ، وتجلى الحقيقة فيه بمثابة تجلى صورة تفاحة من هذا الجدول من شجر توجد خارجه ، لكن الإنسان من جرد هذا القبس المتجلى على هذه الصورة يمتلئ بمعارف الغيب ( الثمرة دليل على الشجرة وصورة الثمرة دليل على الثمرة ) فلا تكن مثل أولئك الذين نزلت فيهم الآية الكريمة ،وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ ( الأنعام / 39 ) ،

وما حاق بهم هذا الجزاء إلا لأنهم كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ( الأنعام / 5 ) ،

لكنك إن أسلمت أمرك كله لله ، ونشدت الحقيقة ، صارت رؤيتك هي رؤية الحق ، وفعلك فعل الحق ، مثل أحمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم الذي نزلت فيه الآية الكريمة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ

 

« 581 »

 

اللَّهَ رَمى( الأنفال / 17 ) ، إن هذه الكوة التي تتجلى فيها شمس الحقيقة هي التي تدل عليها [ من رآني فقد رأى الحق ] ( انظر البيت 2253 من الكتاب الثاني ) ، ومن ثم فطاعته هي طاعة الحق ،مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ( النساء / 80 ) .

إن هذا النور ذاتي في محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم وليس رهنا بنور قادم من الكواكب تغيب بغياب هذه الكواكب ، لكنه منور بالنور الذي لا ينقطع ( عن الفرق بين النور والضياء ، انظر الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، الأبيات 16 - 21 وشروحها ) ،

إن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان مثل كل الأنبياء كوة لنور الحقيقة ، لكن نور الحقيقة لا تغيب عن هذه الكوة أبدا ولا يخفيه سحاب ( من أدران العالم ) ،

فهناك ألفة وأنس ومحبة بين هذه الكوة وبين مصدر النور ، ومن هذا النور تنبت الثمار المعنوية إنها حاضرة مقطوفة ، تقدم إليك في سلة ، وفي طبق ، دون تعب منك ، ومن ثم فهو صلى اللَّه عليه وسلّم منبع السعادة والإقبال ، وليس عيبا أن أسمية شجرة ففي ظلاله يستظل الخلق ، ومن ثماره المعنوية يغفر للخلق :

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم وفي كرم

وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم

وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعله الحكم ( من قصيدة البوصيري عن مولوى / 6 / 443 ) ،

إنها شجرة الإقبال تكون منها السعادة لكل من يستظل بها ، وهذا هو الطعام النوراني الحقيقي الذي به تزيد الروح صحة والجسد بهاء ، لكن طعام الدنيا الذي يجلب المرض والاسهال لا تسمه طعاماً ، إنه أشبه بعقار المحمودة ( السقم ونيا ) الذي يجلب الاسهال ، ويسميه مولانا أحياناً طعام الفلك ، ويعلن عن عدم رغبته فيه أو ميله إليه :

إن خبز هذا الفلك وماءه كالسيل بلا وفاء * وأنا تمساح أشتاق إلى المحيط ( كليات ديوان شمس ، غزلية 441 ، ص 203 )

وإذا كان هذا الجسد المحمدي مظهرا لكل هذه التجليات الإلهية ومصدرا لكل هذه الأنوار

 

« 582 »

 

الروحانية فلماذا تسمية جسداً ،وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لا تعتبره ترابا بل اعتبره كحلا للعين وجلاء للبصر ، وكيف تطلب نور النجوم ، وقد سطع عليك النور الإلهى ؟ !

وكيف تعتبره - من وقاحتك وجهك - وجودا جسدياً ، وهل يبقى المدر جافا وقد غرق في بحر الفيض الإلهى ؟ !

وألا يتشرب حتى هذا الجسد بعض هذا الفيض الرباني ؟ !

إنه قمر وكل من يُلجأ إليهم سواه أهلّه ، إنه قمر النور الإلهى ، وهو غالب بطل مثل رستم فهل تصمد أمام رستم امرأة عجوز فانية ؟ !

إن هذا الإله طالب في أثرك وغالبٌ على تدابيرك وذلك حتى لا تجد سبيلا إلا اللجوء إليه واليأس مما في يد الخلائق والطلب منه ( تمهيد للعودة إلى قصة المدين ) .

 

( 3225 - 3229 ) : هكذا يخاطب المدين نفسه ، كيف تعتبر " السيد المحتسب " منفصلًا عن خالقه ؟ إنه وسيلة الخالق في إجراء أمره ، وإذا كان قد عاد إلى خالقه فقد فنى فيه وعاد إلى أصله ، وكيف يكون العبد منفصلًا عن سيده مفارقاً إياه ؟

إنك إن نظرت إلى العبد والسيد على أنهما اثنان ، فقد ارتكبت الشرك وفقدت المعرفة بالنص ما دمت لم تفهم ديباجته ، إنها كلها وسائل إلى المعرفة ولن تصل إلى المعرفة ما دمت قد فقدت الوسيلة إليها وأخطأت الخطأ الذي لا يزال الناس جميعاً يقعون فيه ، وهي أنك تنظر إلى الطين ، وتعتبر الجسد شيئاً والروح شيئاً عندما تنظر إلى الأولياء ، لا ، أنظر إليهما على أنهما شيىء واحد ، وإلا صار وجودك كنبات المرخ ذاك الذي تحمى به النار يضيع ويصير بددا بمجرد اشتعال النار .

 

( 3230 - 3240 ) : يترك مولانا قصة المدين ثانية ويدخل في قصة أخرى مفادها أنك إذا تركت الطريق الأصلي الذي يفضى بك إلى الحقيقة فيستوى بالنسبة لك كل طريق إذا ضللت وسوف تكون النتيجة واحدة مثل ذلك الذي كان يسمى عمر وفشل في شراء الخبز من جميع حوانيت مدينته مدينة كاشان المشهورة بتشيعها ، والقصة تبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان سائداً في صراع المذاهب إيان العصر الذي عاش فيه مولانا جلال الدين وما سبقه وما

« 583 »

 

تلاه من عصور ولم يهتم فروزانفر وبقية شراح الحديقة بالبحث عن أصل لها . والقصة لها شبيه في الكتاب الخامس ( من البيت 846 ) حكاية البحث عمن يسمى أبو بكر في سبزوار .

وما هذا الفشل إلا من الحول الذي يجعل الناس يظنون أن أولياء الله جسد وروح وليسوا روحاً خالصة ( عن الحول انظر البيت 327 من الكتاب الأول والبيت 828 من الكتاب الثاني )

 

ويقص مولانا الحكاية بسخريته المعهودة ومن ضيق أفق الرجل الذي ينتقل بين الحوانيت مصمماً على أن اسمه عمر ، وضيق أفق أصحاب الحيوانيت الذين يصممون على عدم إعطائه الخبر ، ولو كان الرجل واسع الأفق لفهم من الحانوت الأول ، ولقال إن اسمه على فما قيمة الأسماء وأولياء الله كلهم نفس واحدة ؟

 

فلو لم يكن الرجل أحول لما ابتلى بالجوع في مدينة كاشان . ولم لم يكن الباعة من المصابين بالحول لما أهمهم اسم الرجل في شئ .

 

( 3241 - 3257 ) : الأحول ذو النظرتين حرم من الشرب لأنه كسر الزجاجة عندما صمم من حوله على أنها زجاجتان وقال له أستاذه اكسر أحديهما فكسرها ولم تكن توجد أخرى بالطبع ( الكتاب الأول الأبيات 328 - 333 )

 

وإذا كان هذا هو مصير الأحول ذي النظرتين فما بالك بمن هو موزع النفس والنظر بين عشرات المهاوس والنزوات والشهوات في هذه الدنيا :

المال والجاه والمنصب والنساء ، وويلك ، ستظل مثل عمر في كاشان ، ولن تنال شيئاً ، ما دمت تنتقل من اتجاه إلى اتجاه ومن مكان إلى آخر ، وحيثما يبدو لك النفع الدنيوي ، وتنتقل من مذهب إلى المذهب ومن اتجاه سياسي ومسلك فكرى إلى اتجاه سياسي آخر ومسلك فكرى آخر ،

وأنت مستعد لبيع أمك في سبيل هذا النفع ، وليس ثم في الدارين إلا حقيقة واحدة هي الحبيب ، وإن عرفته نجوت من التنقل الذي لا طائل من ورائه ولا نفع فيه ،

 

ولو أنك رأيت في رجل الله ورجل الحق بعض الثمار ، فلا تظن أن كل الأشجار تنبت الثمار ، حتى ولو تساوت الأشجار في الهيئة والصورة وما أشبهك ببلقيس حين دخلت الصرح فحسبته لجة فكشفت عن ساقيها ( النمل 44 ) فلا تنظر إلى هذا البلور وانظر إليه حقيقة في وجود رجل

« 584 »

 

الحق ، إن القيم الروحانية التي يحملها كل إنسان مختلفة فلا تتعامل مع أولياء الحق كما تتعامل مع غيرهم ، فإن لديهم ماء الخضر عليه السلام الذي لا يموت من شربه ، وليس الماء الذي تشرب منه الوحوش والحيوانات ، والقمر فيه حقيقي وليس صورة قمر ، تلك الصورة التي أضلت الأسد وأسقطته في البئر ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 2740 وما بعده وشروحها والأصل من الكتاب الأول البيت رقم 1059 وما يليه ) .

 

( 3258 - 3272 ) : عودة إلى قصة المدين : لقد رق له أحدهم وتوسل بالكدية وطاف بكل مدينة بتبرير يجمع له الأموال ، لكن متى كانت الكدية تصلح ؟ متى كان المتكدى يغتنى ؟ إن رجلا كريما واحداً قد يغنى يكون أداة في يد الله سبحانه وتعالى يسيره للمعروف ، ومن ثم يكون شكر هذا المتفضل من شكر الله لأنه مصداقاً للحديث النبوي [ من لم يشكر الناس لم يشكر الله ] وفي الجامع الصغير [ أشكر الناس لله أشكرهم للناس ]

 

وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح بإسناده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول : أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟

 

فيقول الله : أي عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول : أي رب أنعمت على بكذا شكرتك بكذا وأنعمت على بكذا فشكرتك بكذا فلا يزال يحصى النعم ويعدد الشكر فيقول الله تعالى :

صدقت عبدي إلا أنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه وإني قد آليت على نفسي ألا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه ] ( جعفري 14 / 288 - 289 ) ( أحاديث مثنوى 213 )

 

حتى حنان الأم ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يسره فيها لكنه سبحانه وتعالى أمرنا بشكر الأم على أساس أنها هي الوسيلة ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 323 - 330 وشروحها )

 

 إن حق المنعم من البشر ملحق بحق الحق الذي هو أصل كل النعم ، أما أن الله سبحانه وتعالى قال في حق خير البشر ( صلى اللَّه عليه وسلّم )صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( الأحزاب 56 ) لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مشفع في أمته وأمورهم كلها تحال

« 585 »

 

عليه ،يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ(النحل 89).

 

( 3273 - 3307 ) : يقف المدين على قبر المحتسب ويقدم مرثية فيها كل صفات الجود الواردة في الشعر العربي فهو الظهير والمرتجى والغوث وهو والد الفقراء وعشيرتهم ، وهو البحر ، منه يكون السحاب الذي يمطر حتى على البعيدين عنه ،

 

ويضيف مولانا بعض الصفات الواردة في التراث الصوفي : فهو شمس الحقيقة التي تشد من الأزر ، وهو الروح الموجودة في خرائب الجسد وهو الذي لم يعبس قط في وجه أحد " تراك إذا ما جئته متهللًا ، كأنك تعطيه الذي أنت سائله " و " وما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم " ، وهو متصل القلب ببحر الغيب وواهب الفيض ، وهو شبيه بميكائيل في كيل الأرزاق

( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1589 وما بعده وشروحها ) وهو عنقاء جبل الجود والسخاء

 

( أنظر الأبيات 839 ، 3712 من الكتاب الرابع ) وهو أعظم من هباته من حاتم ، فحاتم يهب الرزق الذي ينفد وهو يهب الأسباب التي لا تنفذ ، وهو في كل نفس من أنفاسه يهب حياة لموتى الفقر والمعوزين وليس المقصود الغنى المادي كما يقول الأنقروى ( 206 / 249 )

 

 فالأغنياء هم الموتى مصداقاً للحديث النبوي [ إياكم ومجالسة الموتى قالوا ومن الموتى يا رسول الله ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم الأغنياء ] فالكنوز المذكورة هي كنوز الحكمة كما ورد في ديباجة الكتاب الثالث ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسر ولا تورث ميراث الأموال وقال الحكيم الترمذي الجود التام بذل العلم فإن متاع الدنيا عرض زائل ينقصه الإنفاق والعلم عكسه فإنه دائم وباق " ( انقروى 6 - 2 / 250 ) .

 

( لعل مولانا يتجه بمدحه إلى الشيخ ) ويخلص من المدح إلى أنه الراعي والناس كالقطيع ، وهي صفة من صفات الأنبياء ( يرى يوسف بن أحمد المولوي أنه وإن كان الخطاب للمحتسب إلا أن المقصود هو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم 6 / 454 ) وذلك مصداقاً لقول رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول الله قال : نعم ، ويسوق

 

« 586 »

 

حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام ، أرجعها فروزانفر إلى تاريخ البيهقي ( مآخذ 215 ) وأرجعها استعلامى ( 6 / 385 ) إلى البيهقي ونظام الملك في سياست نامه ، ومن ثم كان رعى الغنم - في رأى لمولانا - اختباراً للأنبياء وليرى الله هل هم جديرون برعى الأصفياء والأولياء والناس عموماً أو غير جديرين بها وهكذا كل أمير وكل مسؤول [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ، والراعي الذي يجيد الرعاية هو الذي يمنحه الله تعالى رعاية الأرواح ، وهكذا محتسب تبريز المتوفى ، لا بد وأن الله سبحانه وتعالى قد منحه الرئاسة في آخرته ، لأنه أحسن استغلال الرئاسة في دنياه .

 

( 3314 - 3332 ) : العالم المقصود هنا هو عالم الروح ، وقد يكون المقصود هو المحتسب " عالم يمشى على قدمين " بتعبير سنائى ، لا إنه من المستحيل أن يسع باطن الأرض هذا العالم ، بل إنك طائر محلق نحو عالم الغيب لكن ظلك لا يزال مبسوطاً على عالم الشهادة ، أنت حي بآثارك مثلما تكون الروح حية بآثارها والجسد الذي يحملها نائم أو غافل ، ولا يدرك أحدٌ هذا السير والجولان للروح ، لأن الروح هي من أمر الله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي

والياقوت الناثر للسكر والعقيق القاضم للسكر هو الفم حلو الحديث في المأثور الأدبي الفارسي ، والقلب هنا مرتبة من مراتب السير الباطني أو الأطوار ، والنفس مقصود به حديث المعرفة وذو الفقار سيف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أهداه إلى علي رضي الله عنه ، ومثال الفاختة التي تهتف كوكو أين أين مر ذكره في الكتاب الثالث ( أنظر في الأبيات 1299 - 1305 وشروحها )

 

ويضيف إليها مثلًا ثانياً من الواقع المعاش ، ويتلاعب بين لفظي ماكو أي مكوك النساج ولفظ كو أي أين فكأنه أصبح نساجاً يتحدث دائماً قائلًا " ماكو ، ماكو " ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 257 ) أن الخطاب هنا قد يكون من مولانا لشمس الدين التبريزي ، كما يرى أن المحتسب قد ضاقت به الأرض لأن كل شئ يحن إلى أصله وفي المجلد الأول كل من يبقى بعيداً عن أصوله ظل منجذباً لآنات وصوله

 

« 587 »

 

( 3332 - 3335 ) : مائة نوع من البروق كناية عن تجليات الحق المختلفة وهي التي لا تشرق من شرق أو من غرب لكنها تشرق على الشرق والغرب ( استعلامى 6 / 386 ) ،

كان عقل المحتسب في جزر ومد ، والجزر كناية عن الافتراب من الأمور الدنوية ، والمد كناية عن الميل إلى العالم الآخر وقد غاب عن الدنيا ( الجزر ) وتعلق بالمد ( العالم الآخر ) ، والواضح أن الخطاب هنا اختلط فيه خطاب المدين للمحتسب بخطاب مولانا جلال الدين لشيخه وإن لم يحدده .

 

( 3340 - 3354 ) : يعود المدين فيخاطب المحتسب على قبره : لقد رجعت إلى الله ، وعلىّ أيضاً أن أرجع إليه ، فمأوى الجميع إليه وما الآية الكريمةوَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ( يس 32 ) إلا دليل على هذا ، إنها كلها صور عند النقاش يحضرها أنى شاء ويرسمها ويمحوها أنى شاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ( الرعد 39 ) ،

وهكذا يفعل الله أيضا مع كل مدركات الإنسان ، ويقدم مولانا جلال الدين عدة صور لما يطرأ على الخليقة من تغير فهي المتغيرة المتبدلة وهو سبحانه وتعالى الخالد الذي لا يفنى والثابت الذي لا يتغير ، والخلق في يد خلقه كالمادة في يد الصانع يصور منها ما يشاء من صور وأشكال وأدوات .

فإلى متى تظل الكمامة على عينيك ، ولو رفعت هذه الكمامة لافتتن المصنوع بالصانع هياماً ووجداً ، وليست كل عين جديرة بأن ترفع عنها هذه الكمامة ، ولا تكن كالسفهاء الأجلاف ولا تنظر بعيونهم ، وكن مستقلًا في نظرتك وفي سمعك ، كن صاحب رأى ودعك من آراء ، الآخرين ، وكن صاحب عقل ودعك من التقليد .

 

( 3355 - 3372 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يهتم أحد من مفسري المثنوى بأن يبحث عن مصدر لها ، ويرى استعلامى ( 6 / 388 ) أن كل الحكايات التي يرويها مولانا عن الخوارزمشاهيه من وضعه ، وخوارزمشاه هنا هو علاء الدين محمد خوارزمشاه آخر الأسرة الخوارزمشاهية التي انتهت بالغزو المغولي ، وليس من المهم أن يكون عماد الملك وزيراً

 

« 588 »

 

له ، وإن كان زرين كوب يرجح أنه عماد الملك ساوه الذي كان صاحب حظوة عند خوارزمشاه في أخريات أيامه وكان في يده الحل والعقد ( سرني 1 / 309 ) ، فعماد الملك هنا رمز للمرشد وخوارزمشاه رمز للمريد الذي لديه جانب من الذوق وفي حاجة إلى المرشد وصرف قلبه عن مغريات الدنيا ( الجواد في هذه الحكاية ) والبيت المذكور من إلهي نامه " حديقة الحقيقة " لسنائى الغزنوي هو البيت 11180 منها ( انظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت وشروحه ) والإنسان الحقيقي هو هيكل التوحيد كما قال الإمام على عندما سئل عن الحقيقة فقال : نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ( سبزوارى ص 483 ) ،

 

ويرى مولانا جلال الدين أن الشئ الذي يجذب انظر لايهم أن يكون المرء محروماً منه ، بل لأن الحق يضفى عليه صفات خاصة تجعله مقبولًا ، وهذه هي جدلية مهمة ، تبين رأى مولانا جلال الدين الدائم في وجود قوة خاصة للأشياء المغرية ، إن خوارزمشاه معجب بالجواد لكنه يعرف أنه ليس من حقه ، ويستغفر ، ويحوقل ، لكنه يزداد تعلقاً به ( ليس الوسيلة الوحيدة للانصراف عن الشهوات هو كبتها ) ، ويفسر مولانا هنا بأن خوارزمشاه كلما قرأ الفاتحة كلما زاد هوساً ، الأمر إذن ابتلاء ، و " المزين في الحقيقة هو الله " و " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " ( انقروى 2 - 6 / 277 ) .

 

إنه لا يزال - سبحانه وتعالى - يبتلينا بالأغيار ( كل ما هو غير الحق ) ، فان ابتلانا فهذا تمويه علينا ، وإن صرف عنا البلاء فهذا امتحان لنا ، وإلا فان خوارزمشاه كان مفتوناً بجواد حي ، فما بالك بالكفار المنجذبين إلى عبادة أصنام حجرية على هيئة الجياد والثيران ، إن الكافر يرى أن الصنم بلا مثيل في بهائه وجماله ، إنها الجاذبية ، الجذبة ، ولا تسأل عن هذه الجاذبية فهي خافية جداً ، فلا تسألني عنها ، فلا العقل يستطيع أن يدركها ولا الروح نفسها تستطيع أن تدركها ، فحاول أنت أن تدرك سرها إن كنت تستطيع .

 

( 3380 ) : فسر استعلامى البيت ( 6 / 389 ) بأنه كالهلال في طلب النور من الشمس ، وكذلك

 

« 589 »

 

فسره المولوي ( 6 / 467 ) ، والشمس المذكورة هنا شمس الحقيقة ومن ثم قد يكون المقصود أنه كان صوفياً واجداً لها مثل هلال الصحابي الشهير الذي ذكرت حكاية عنه ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا 1155 - 1225 وشروحها ) .

 

( 3395 - 3409 ) : الأبيات هنا مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟

إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟

وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم .

.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

* * *

 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا

* * *