Published using Google Docs
10 - الفقرة الثامنة .الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول المسمى لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
Updated automatically every 5 minutes

الفقرة الثامنة .الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول المسمى لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

الطبقات الكبرى للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني

الفقرة الثامنة الطبقات الكبرى للشعراني الجزء الأول

ومنهم الشيخ أبو الحسن بن الصائغ السكندري

رضي الله تعالى عنه

كان من أجل أصحاب سيدي الشيخ عبد الرحيم القناوي، وكان يخرج على أصحابه، ويقول لهم أفيكم من إذا أراد الله تعالى أن يحدث في العالم حدثاً أعلمه به قبل حدوثه فيقولون لا فيقول أبكوا على قلوب محجوبة عن الله عز وجل، ونزل رضي الله عنه مرة كنزاً فوجد فيه سبعة أرادب ذهباً فأخذ منها سبعة دنانير وقال لم يؤذن لي في أخذ شيء غير ذلك، وكان يقول: لا ينبغي لشيخ رباط الفقراء أن يدع الشباب المرد يقيمون عنده إذا خاف من إقامتهم مفسدة على بعض الفقراء لا سيما جميل الصورة من الشباب اللهم إلا أن يكون الشاب غائباً عن طرق الفساد مقبلا على طرق عبادة ربه لا يتفرغ للهو، ولا للعب بشرط أن يتولى الشيخ أمره في الخدمة بنفسه دون نقيب الفقراء إلا أن يكون النقيب متمكناً في نفسه يبعد عنه الفساد، وقال لا ينبغي للشاب أن يجلس في وسط الحلقة مع الرجال إنما يجلس خلف الحلقة، ولا يواجه الناس بوجهه، ولا يخالط أحداً من الفقراء حتى يلتحي، وكان رضي الله عنه إذا جاءه شاب جميل الصورة ينزع ثيابه، ويلبسه الخيش، والمرقعات، وحكي أن شخصاً أراد أن يفعل فاحشة في أمرد في مقبرة الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فصاح الشيخ من داخل القبر أما تستحي من الله يا فقير، رضي الله عنه.

ومنهم الشيخ أبو السعود بن أبي العشائر

رضي الله عنه

ابن شعبان بن الطيب الباذيني بلدة بقرب جزائر واسط بالعراق رضي الله عنه. ومن أجلاء مشايخ مصر المحروسة، وكان السلطان ينزل إلى زيارته، وتخرج بصحبته سيدي داود المغربي، وسيدي شرف الدين، وسيدي خضر الكردي، مشايخ لا يحصون، وكان يسمع عند خلع نعليه أنين كأنين المريض فسئل رضي الله عنه عن ذلك فقال: هي النفس تخلعها عند النعال إذا اجتمعنا بالناس خشية التكبر، وصام في المهد رضي الله تعالى عنه. مات رضي الله عنه بالقاهرة في يوم الأحد تاسع شوال سنة أربع وأربعين وستمائة، ودفن من يومه بسفح الجبل المقطم، ومن كلامه رضي الله عنه ينبغي للسالك الصادق في سلوكه أن يجعل كتابه قلبه، وكان يقول: من كان الطلب شغله يوشك ألا يضل عن طريق الله تعالى، ومن كان المطلوب شغلة يوشك ألا يقف فالطلب شغل الظاهر، والمطلوب شغل الباطن، ولا يستقيم ظاهر إلا بباطن، ولا يسلم ظاهر إلا بباطن، وكان رضي الله عنه يقول: لا ينصحك من لا ينصح نفسه، ولا تأمن الغش ممن غش نفسه، وكان يقول: من رأيته يميل إليك لأجل نفعه منك فاتهمه، وكان يقول: من ذكرك بالدنيا، ومدحها عندك ففر منه، ومن كان سبباً لغفلتك عن مولاك فأعرض عنه، وعليك بحسم مادة الخواطر المشغلة التي يتولد منها محبة الدنيا، وإذا صدر منها خاطر فاعرض عنه، واشتغل بذكره عز وجل عن ذلك الخاطر وكان يقول: احذر أن تساكن الخاطر فيتولد من الخاطر هم، وربما غفلت عن الهم فيتولد منه إرادة، وربما قويت الإرادة فصارت هوى غالباً فإذا صارت هوى غالباً ضعف القلب وذهب نوره، وربما تلف بالكلية، وانعزل عنه العقل وصار كأن عليه غطاء.

وكان رضي الله عنه يقول: عليك بالاستغفال بالله تعالى فإن عجزت عن الاستغفال به فعليك بالاشتغال بالله تعالى فإن عجزت عن الاشتغال به فعليك بالاشتغال بطاعة الله تعالى، ولا أرى لك عذراً في عدم الاشتغال بطاعته لأنها أول درجات الترقي.

 

وكان رضي الله عنه يقول: صلاح القلب في التوحيد، والصدق، وفساده في الشرك، والرياء، وعلامة صدق التوحيد شهوة، واحد ليس معه ثان مع عدم الخوف، والرجاء إلا من الله تعالى وأما الصدق فهو التجرد عن الكل، ومحو كل ذات ظهرت، وفقد كل صفة بطنت فإذا رأيت ميل قلبك إلى الخلق فانف عن قلبك الشرك، وإذا رأيت ميل قلبك إلى الدنيا فانف عن قلبك الشك وكان رضي الله عنه يقول: عليك بالإحسان إلى رعيتك، والرعية خصوص، وعموم فالعموم العبد، والأمة والولد، والخصوص ما وراء ذلك فعليك بروحك ثم بسرك ثم بقلبك ثم بعقلك ثم بجسدك ثم بنفسك فالروح تطالبك بالشوق، وسرعة السير إليه من غير فتور، والسر يطالبك بأن تخفي سرك، والقلب يطالبك بالذكر له، والمراقبة، وأن تنسى نفسك، وسواه في ذكرك، والعقل يطالبك بالتسليم إليه، والموافقة له، وأن تكون مع مولاك على نفسك، وسواك، والجسد يطالبك بالخدمة له، وخلوص الطاعة، والنفس تطالبك بكفها، وحجرها عن كل ما مالت إليه، وحبسها وتقييدها، وأن لا تصبحها، ولا تستصحبها، وكان يقول: إياك أن تغفل عن مولاك وعما تعبدك به مولاك، وتشتغل بما تعبدك به عمن تعبدك بالعبادة، وكان رضي الله عنه يقول: إذا لم تعن بنفسك فغيرك أحرى أن يضيع نفسك، وكان يقول: أستغفر الله من تقصيري في كل عبادة عدد أنفاسي، وكان يقول: لو استغفرت الله عز وجل بصدق، وإخلاص منذ ابتداء الخلق إلى انتهاء الخلق من غير فتور نفس واحد من أنفاسي ما وفي استغفاري بنفس واحد غفلت فيه عن الله عز وجل فكيف، وأنفاسي كثيرة، واستغفاري خال عن الصدق، والإخلاص فقد بان نقصي، وتقصيري، وإذا كانت أنفاسي ذنوباً، واستغفاري يحتاج إلى استغفار إلى ما لا نهاية له فكيف حالي. نسأل الله المغفرة. وكان رضي الله عنه يقول الأخلاق الشريفة كلها تنشأ من القلوب، والأخلاق الذميمة كلها تنشأ من النفوس فالصادق في الطلب يشرع في رياضة نفسه، وطهارة قلبه حتى تتبدل أخلاقه فيبدل الشك بالتصديق، والشرك بالتوحيد، والمنازعة بالتسليم، والسخط والاعتراض بالرضا، والتفويض، والغفلة بالمراقبة، والتفرقة بالجمعية، والغلظة باللين، واللطف، ورؤية عيوب الناس بالغض عنها، ورؤية المحاسن، والقسوة بالرحمة، والغل، والحقد بالنصيحة، والإدلال بالخوف، وخوف التحويل، ويرى أنه ما وفى حق الله تعالى في ساعة من الساعات، ولا قام بشكر ما أعطاه من فعل الخيرات، وحينئذ تتحقق عبوديته، ويصفو توحيده، ويطيب عيشه، ويعيش مع الله تعالى عيش أهل الجنان في الجنان، وهذه أخلاق الأنبياء، والصديقين، والأولياء، والصالحين، والعلماء العاملين.

 

وكان رضي الله عنه يقول: لم يصل أولياء الله تعالى إلى ما وصلوا بكثرة الأعمال، وإنما وصلوا إليه بالأدب. وكان رضي الله عنه يقول ما دامت النفس باقية بأخلاقها، وصفاتها فحركات العبد كلها متابعة لخواطرها، وهي شيئان إما للخلق، وذلك شرك أو الراحة النفس، وذلك هوى فالشرك لا يترك التوحيد يصفو، والهوى لا يترك العبودية تصفو، وما لم يشتغل السالك بإضعاف هذا العدو الذي بين جنبيه لا يصح له قدم، ولو أتى بأعمال تسد الخافقين، والرجل كل الرجل من داوى الأمراض من خارج، وشرع في قلع أصولها من الباطن حتى يصفو وقته، ويطيب ذكره، ويدوم أنسه، وكان رضي الله عنه يقول: يجب على السالك إذا رأى من نفسه خلقاً سيئاً من كبر أو شرك أو بخل أو سوء ظن بأحد أن يدخل نفسه في ضد ما دعت إليه ثم يقبل على ذكر الله تعالى، ويستنجد بحوله، وقوته، ومجاهداته فتضعف أخلاق نفسه، ويكثر نور قلبه فينزل الحق تعالى ذرة من محبته فيترك الأشياء بلا مكابدة، ويقطع كل مألوف بلا مجاهدة، وكان رضي الله عنه يقول: الأصول التي يبني عليها المريد أمره أربعة اشتغال اللسان مع حضور القلب بذكره، وجبر القلب على مراقبته، ومخالفة النفس والهوى من أجله، وتصفية اللقمة لعبوديته، وهي القطب، وبها تزكو الجوارح، ويصفو القلب فيعطي النفس حظها من المأكل، والمشرب، ويمنعها ما يطغيها منه لأنها أمانة الله عز وجل عند العبد، وهي مطيته التي يسير عليها فظلمها كظلم الغير بل هو أشد لما ورد في خلود قاتل نفسه دون قاتل غيره، والإكسير الذي يقلب الأعيان ذهباً خالصاً الإكثار من الذكر مع الإخلاص، وكان رضي الله عنه يقول: المراقبة لله عز وجل هي المفتاح لكل سعادة، وهي طريق الراحة المختصرة، وبها يطهر القلب، وتندحض النفس، ويقوى الأنس فينزل الحب، ويحصل الصدق.

وهو الحارس الذي لا ينام، والقيوم الذي لا يغفل، وكان رضي الله عنه يقول: يجب على كل عبد أن يدخل نفسه في كل شيء يغمها، ويسوءها حتى ترجع مطيعة له فإنها هي العقبة التي تعبد الله الخلق باقتحامها، وهي حجاب العبد عن مولاه، وما دام لها حركة لا يصفو الوقت، وما عام لها خاطر لا يصفو الذكر، وبقاء النفس هو الذي صعب على العلماء الإخلاص في تعليمه فإن النفس إذا استولت على القلوب أسرتها، وصارت الولاية لها فإن تحركت تحرك القلب لها، وإن سكنت سكن من أجلها، وحب الدنيا، والرياسة لا يخرج قط من قلب العبد مع، وجودها فكيف يدعي عاقل حالا بينه، وبين الله عز وجل مع استيلائها، أم كيف يصح لعابد أن يخلص في عبادته، وهو غير عالم بآفاتها فإن الهوى روحها، والشيطان خادمها، والشرك مركوز في طبعها، ومنازعة الحق، والاعتراض عليه مجبول في خلقتها، وسوء الظن، وما ينتج من الكبر، والدعوى، وقلة الاحترام سيمتها، ومحبة الصيت، والاستهتار حياتها، ويكثر تعداد آفاتها وهي التي تحب أن تعبد كما يعبد مولاها، وتعظم ربها فكيف يقرب عبد من مولاه مع بقائها ومصالحتها، ومن أشفق عليها لا يفلح أبداً فيجب على الصادق أن كل ما تمقته النفوس يعانقه، وكل ما تميل إليه يفارقه، ويقبل من الذامين ذمهم فيه، ويقول للمادحين ما مدحتموه من وراء حجاب، ويقول لنفسه في كل نفس لا قرب الله مرادك، وأبعد مرامك فنعوذ بالله من أرض ينبت فيها نزاهة النفوس فإن من لمح نزاهتها، ورأى لها قدراً أو علم أن في الوجود أخس من نفسه فما عرف نفسه فكيف ينزهها أو يغضب لها أو يؤذي مسلماً لأجلها فيجب اجتنابها كالسم، وما دامت في وجه القلب لا يصل إلى القلب خير لأنها ترس في وجهه، وكلما قويت على القلب زاد شره، ونقص خيره، وما بقى منها بقية فالشيطان لا ينعزل عنها، والخواطر المذمومة لا تنقطع منها وكان رضي الله عنه يقول: يجب على السالك ألا يشتغل بالكلية بمقاومة نفسه فإن من اشتغل بمقاومتها أوقفته كما أن من أهملها ركبته بل يخدعها يخدعها بأن يعطيها راحة دون راحة ثم ينتقل إلى أقل من ذلك، ومن قاومها، وصار خصمها شغلته، ومن أخذها بالخدع، ولم يتابع هواها تبعته.

 

وكان رضي الله عنه يقول: إذا لبست النفس على مريد حالها، وادعت الترك للدنيا وأن عملها، وعلمها، وتعليمها خالص لله تعالى فيجب عليه أن يزنها بالميزان التي لا تنخرم، والمعيار الذي لا يظلم، وهو تصوير ذمها بعد مدحها، وردها بعد قبولها، والإعراض عنها بعد الإقبال عليها، وذلها بعد عزها، وإهانتها بعد إكرامها فإن وجد عندها التغير والانتصار فقد بقي عليه من نفسه بقية يجب عليه مجاهدتها، ولا يجوز له الاسترسال معها، وليعلم حين التغير أنه واقف مع نفسه عابد لها معين لها على حصول آفاتها وصاحب هذا الحال بعيد من الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: إن المريد متى ترك مجاهدة نفسه، ولم يجذبها، وثبت أخلاقها، وعجز عن الخروج عنها، وكأنه في كل يوم يبني على ذلك الأساس، ويشيده في كل لحظة حتى يموت بدائه، وحسرته فإنه قل من يسر لنفسه الجاه، والصيت فأمكنه الخروج عنه فيجب عليه أن يستغيث بربه عز وجل، وينكس رأسه، ويعتذر إليه، ويسكت عن كل دعوى، وكان رضي الله عنه يقول: كل من بقي له عدو يخاف أن يشمت به فإنما هو لبقاء نفسه، ولبقاء حب الدنيا في قلبه، وكان رضي الله عنه يقول: من أعرض الخلق عنه فتغير منه شعرة واحدة فهو واقف معهم مشرك بربه عز وجل، ومن كسر بكل مرض فتغير منه شعرة واحدة فهو واقف مع نفسه في حجاب عن ربه ومن تغير في حال الذل، ولم يكن كما كان في حال العز فهو محب للدنيا بعيد من ربه وكان رضي الله عنه يقول: كل ما أغفل القلوب عن ذكره تعالى فهو دنيا، وكل ما أوقف القلوب عن طلبه فهو دنيا، وكل ما أنزل الهم بالقلب فهو دنيا. وكتب رضي الله عنه رسالة إلى بعض أخوانه: السلام عليك يا أخي ورحمة الله، وبركاته وبعد فقد سألتني أيها الأخ أن أدعو لك، والعبد أقل من أن يجاب له دعاء، ولكن ندعو لك امتثالا فنقول: ألهمك الله يا أخي ذكره، وأوزعك شكره، ورضاك بقدره، ولا أخلاك من توفيقه، ومعونته، ولا وكلك إلى نفسك، ولا إلى أحد من خليقته، وجعلك ممن، وفى بعهده، وصدق في قوله وفعله وجعلك ممن أراد الله عز وجل وجل في الطلب بالصدق والأدب وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، والتصديق، وأراد الدار الآخرة بالأعمال الصالحة، واحتمال الأذى، وترك الأذى، وجعلك من المستهترين أي المواظبين لذكر الله تعالى الوجلين من خشية الله تعالى المخلصين لله عز وجل الموحدين لله عز وجل المصدقين لله المؤثرين لله تعالى على أنفسهم المقدمين حقه على حقوقهم الذين خلت بواطنهم من الحقد، وقلوبهم من سواه، ولم يطلبوا من مولاهم سوى الدين الذين لا يستأثرون، ولا يزاحمون ولا يتخصصون، ولسوى مولاهم لا يريدون، وبغيره لا يفرحون، وعلى فقد غيره لا يحزنون الذين هم على جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشفقون، وبهم يرفقون الذين ينصحون المسلمين ولا يقبحون ويعرفون، ولا يعنفون، وعن عيب من فيه العيب يغمضون، ويسترون، ولعورات المسلمين لا يتبعون الذين هم لله تعالى في جميع الحركات، والسكنات يراقبون الذين غضبهم لله تعالى من غير حقد، ولا تمني سوء، ورضاهم لله عز وجل من غير هوى الذين لا يأمرون إلا بما أمرت به الشريعة، ولا ينكرون إلا ما أنكرت الشريعة على حسب طاقتهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم الذين يبغضون الظلم من الظالم، ويمقتون الظالم، ولا يعظمونه، ويسألون الله تعالى تعجيز الظلمة حتى لا يظلمون، ويتوب الله عليهم حتى يتوبون الذين بما أنزل الله تعالى، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحكمون الزاهدين في الدنيا، والخلق المقبلين بكليتهم على الحق الذين لا يرون من مولاهم إلا ما يرضونه، ويستحسنونه، ولا يرون من نفوسهم إلا ما يكرهونه، ويستوحشونه، وجعلك يا أخي من الموحدين الذين لا شرك عندهم المنزهين الذين لا تهمة عندهم المصدقين الذين لا شك عندهم الذاكرين الذين لا نسيان عندهم الطالبين الذين لا فتور عندهم المتبعين الذين لا ابتداع عندهم المؤثرين الذين لا شفقة على نفوسهم عندهم الزاهدين الذين لا ميل إلى السوي عندهم الذين لا منازعة عندهم الراضين الذين لا سخط عندهم الراحمين للخلق ولا غلظة عندهم الناصحين الذين لا مصانعة عندهم الذين الخوف ملازمهم، والعظمة نصب أعينهم الذين لا يخطر ببالهم كيفية، ولا خيال، وجعلك يا أخي من المحافظين للطاعة التاركين للعادة الذين لا يرضيهم سوى

 

مولاهم، ولا يرضون نفوسهم، وأرواحهم له، ولا سواهم الذين لا يحقدون، ولا يبغضون.ولاهم، ولا يرضون نفوسهم، وأرواحهم له، ولا سواهم الذين لا يحقدون، ولا يبغضون.

ويقفون أثر الشارع، وبه يقتدون، وعلى جميع أصحابه يترحمون، وللقرابة يوادون، وبفضل السلف يعترفون الذين لا يبدعون المسلمين بآرائهم، ولا بأهوائهم، ولا يفسقون الذين خلت بواطنهم من ظن السوء أو تمنيه لمن آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر الذين ليس في بواطنهم إلا الشفقة، والرحمة الذين لا تعجبهم زينة الدنيا، ولا يرون عزيزها عزيزاً، ولا غنيها غنياً، ولا ملكها ملكاً، ولا المستريح فيها مستريحاً، ولا الصحيح فيها معافى الذين يرحمون من أخذ الدنيا بحذافيرها لأنه ما معه شيء الذين يطالبون نفوسهم بالحقوق، ولا يطالبون لنفوسهم الذين لا يلحقهم هم لأجل مقسوم، ولا خوف من مخلوق الذين باينوا صفاتهم حتى انغمرت، ونقوا أخلاقهم حتى ذهبت، وخالفوا نفوسهم حتى عدمت الذين يحببون الله عز وجل إلى خلقه، ويذكرونهم نعمه، ويحببون خلقه إليه بحثهم على طاعته والاعتراف بنعمته والاعتذار من تقصيرهم في خدمته الذين أيديهم مقبوضة عن أموال الناس، وجوارحهم مكفوفة عن أذى المسلمين، والمسلمون معهم في راحة لا يقابلون عن السوء إلا عفواً، وصفحاً آمين اللهم آمين: انتهى والله أعلم.

قلت: وجميع هذه الرسالة من أخلاق الكمل، وما رأيت في لسان الأولياء أوسع أخلاقاً منه، ومن سيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله عنهما.

ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المسوقي القرشي

رضي الله عنه

هو من أجلاء مشايخ الفقراء أصحاب الخرق، وكان من صدور المقربين، وكان صاحب كرامات ظاهرة ومقامات فاخرة، ومآثر ظاهرة، وبصائر باهرة، وأحوال خارقة، وأنفاس صادقة، وهمم عالية، ورتب سنية ومناظر بهية، وإشارات نورانية، ونفحات روحانية، وأسرار ملكوتية، ومحاضرات قدسية له المعراج الأعلى في المعارف، والمنهاج الأسنى في الحقائق، والطور الأرفع في المعالي، والقدم الراسخ في أحوال النهايات، واليد البيضاء في علوم الموارد، والباع الطويل في التصريف النافذ، والكشف الخارق عن حقائق الآيات، والفتح المضاعف في معنى المشاهدات، وهو أحد من أظهره الله عز وجل إلى الوجود وأبرزه رحمة للخلق، وأوقع له القبول التام عند الخاص، والعام، وصرفه في العالم، ومكنه في أحكام الولاية، وقلب له الأعيان، وخرق له العادات، وأنطقه بالمغيبات، وأظهر على يديه العجائب، وصومه في المهد رضي الله عنه، وله كلام كثير عال على لسان أهل الطريق. ومن كلامه رضي الله عنه من لم يحن مجتهداً في بديته لا يفلح له مريد فإنه إن نام نام مريده، وإن قام قام مريده وإن أمر الناس بالعبادة وهو بطال أو توبهم عن الباطل، وهو يفعله ضحكوا عليه، ولم يسمعوا منه.

وكان ينشد كثيراً إذا قيل له انصحنا، وأرشدنا بمثالين من قول بعضهم:

لا تعدلين الحراير حتى تكوني مثلهن ... يقبح على معلولة تصف دواء للناس

 

وكان رضي الله عنه يقول: يجب على المريد أن لا يتكلم قط إلا بدستور شيخه إن كان جسمه حاضراً، وإن كان غائباً يستأذنه بالقلب، وذلك حتى يترقى إلى الوصول إلى هذا المقام، في حق ربه عز وجل، فإن الشيخ إذا رأى المريد يراعيه هذه المراعاة رباه بلطيف الشراب، وأسقاه من ماء التربية، ولاحظه بالسر المعنوي الإلهي فيا سعادة من أحسن الأدب مع مربيه، ويا شقاوة من أساء، وكان رضي الله عنه يقول: من عامل الله تعالى بالسرائر جعله على الأسرة، والحضائر، ومن خلص نظره من الاعتكاس سلم من الالتباس وكان رضي الله عنه يقول: من غاب بقلبه في حضرة ربه لا يكلف في غيبته فإذا خرج إلى عالم الشهادة قضى ما فاته، وهذا حال المبتدئين أما حال الكمل فلا يجري عليهم هذا الحكم بل يردون لأداء فرضهم، وسننهم، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يكن متشرعاً بتحققاً نظيفاً عفيفاً شريفاً فليس من أولادي، ولو كان ابني لصلبي، وكل من كان من المريدين ملازماً للشريعة والحقيقة، والطريقة، والديانة، والصيانة، والزهد، والورع، وقلة الطمع فهو، ولدي، وإن كان من أقصى البلاد. وقيل له مرة ما تريد؟ فقال: أريد ما أراد الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: ما كل من وقف يعرف لذة الوقوف، ولا كل من خدم يعرف آداب الخدمة، ولذلك قطع بكثير من الناس مع شدة اجتهادهم، وكان رضي الله عنه يقول: سألتكم بالله يا أولادي أن تكونوا خائفين من الله تعالى فإنكم غنم السكين، وكباش الفناء، وخرفان العلف يا من تنور شواهم قد أوهج، ويا من السكين لهم تحد، وتجذب: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " " التحريم: 6 " ، وكان رضي الله عنه يقول: لا يكمل الفقير حتى يكون محباً لجميع الناس مشفقاً عليهم ساتراً لعوراتهم فإن ادعى الكمال، وهو على خلاف ما ذكرناه فهو كاذب، وكان يقول: لا تنكروا على فقير حاله، ولا لباسه، ولا طعامه، ولا على أي حال كان، ولا على أي ثوب يلبس ولا إنكار على أحد إلا إن ارتكب محظوراً صرحت به الشريعة، وذلك أن الإنكار يورث الوحشة والوحشة سبب لانقطاع العبد عن ربه عز وجل، فإن الناس خاص وخاص الخاص، ومبتدي، ومنته، ومتشبه، ومتحقق، ويرحم الله تعالى البعض بالبعض، والقوي ما يقدر أن يمشي مع الضعيف وعكسه والفقراء غيث، وهو سيف فإذا ضحك الفقير في وجه أحدكم فاحذروه، ولا تخالطوه إلا بالأدب، وكان رضي الله عنه يقول: الشريعة أصل، والحقيقة فرع فالشريعة جامعة لكل علم مشروع، والحقيقة جامعة لكل علم خفي، وجميع المقامات مندرجة فيهما.

وكان رضي الله عنه يقول: يجب على المريد أن يأخذ من العلم ما يجب عليه في تأديته فرضه، ونفله، ولا يشتغل بالفصاحة، والبلاغة فإن ذلك شغل له عن مراده بل يفحص عن آثار الصالحين في العمل، ويواظب على الذكر، وكان يقول: الرجال منهم رجل، وبصف رجل، وربع رجل، ورجل كامل، وبالغ، ومدرك، وواصل، وكان رضي الله عنه يقول: توبة الخواص محو لكل ما سوى الله تعالى ولا يتطلعون إلى عمل، ولا قول يتوبون عن أن يختلج في أسرارهم أن لي أو يتوهمون أن علي، ويخشون من قول أنا فهم يراعون الخطرات، وكان يقول: يا مريدي اجمع همة العزم، وقوة شدة الحزم لتعرف الطريق ، لإدراك لا بالوصف فأي مقام، وقفت فيه حجبك بل ارفض كل ما يحجبك عن مولاك فإن كل ما دون الله تعالى باطل، وكأن رضي الله عنه يقول: الأعراض تورث الأعراض، وكان يقول: دعني يا ولدي من البطالات، وتجرد من قالبك إلى قلبك، وكان رضي الله عنه يقول: احذر يا أخي أن تدعي أن لك معاملة خالصة أو حالا، واعلم أنك إن صمت فهو الذي صومك، وإن قمت فهو الذي أقامك، وإن عملت فهو الذي استعملك، وإن رأيت فهو الذي أراك، وإن شربت شراب القوم فهو الذي أسقاك، وإن اتقيت فهو الذي وقاك، وإن ارتفعت فهو الذي رقى منزلتك، وإن نلت فهو الذي نولك، وليس لك في الوسط شيء إلا أن تعترف بأنك عاص مالك حسنة، واحدة، وهو صحيح من أين لك حسنة، وهو الذي أحسن إليك، وهو الحاكم فيك إن شاء قبلك، وإن شاء ردك، وكان رضي الله عنه يقول: ولد القلب خير من ولد الصلب، فولد الصلب له إرث الظاهر من الميراث وولد القلب له إرث الباطن من السر.

 

وكان يقول: من أدخل دار الفردانية، وكشف له عن الجلال والعظمة بقي هو بلا هو فحينئذ يبقى زماناً ما فانياً ثم يعود في حفظ الله تعالى: وكلاءته سواء حضر أو غاب، ولا يبقى له حظ في كرامات، ولا كلام، ولا نظام نفساني، وخلص لجانب العبودية المحضة، وكان رضي الله عنه يقول: أصحاب العطاء كثير، وأهل هذا الزمان ما بقي عندهم إلا المنافسة إما يسألون عن معنى الصفات أو معنى الأسماء أو معنى مقطعات حروف المعجم، وهذا لا يليق بالمبتدئ السؤال عنه وأما المتمكن فله أن يلوح بذلك لمن يستحق فإن علمها طريقة الكشف لا غير، وأما من اشتغل بحفظ كلامه الناس أو جمع الحقائق، ولسان المتكلمين في الطريق، والطرائق فمتى يعيش عمراً آخر حتى يفرغ من عمر الفناء إلى عمر البقاء فإن القوم كانوا محبين.

وكل منهم يتكلم بلسان محبته وذوقه فهو كلام لا يحصر، وبحر غرق فيه خلق كثير، ولا، وصل أحد إلى قعره، ولا إلى ساحله، وإنما يذكر العارف كلام غيره تستراً على نفسه أو تنفيساً لما يجده من ضيق الكتمان آه آه آه، ولقد شهد الله العظيم أني ما أتكلم قط أو أخط في قرطاس إلا، وأتوخى أن يكون ذلك شاكلا أو بياناً لمعنى غامض على الناس لا غير فإن الصدق قد ذهب من أكثر الناس وكان رضي الله عنه يقول: جميع المعبرين، والمؤولين، والمتكلمين في علم التوحيد والتفسير لم يصلوا إلى عشر معشار معرفة كنه إدراك معرفة ومعنى حرف، واحد من حروف القرآن العظيم، وكان يقول: أول الطريق الخروج عن النفس، والتلف، والضيق، والحظ فإن الفلاح، والنجاح والصلاح، والهدى، والأرباح لا تصح إلا لمن ترك الحظ، وقابل الأذى، والشر بالاحتمال، والخير، ووسع خلقه والفقير لا يكون له يد، ولا لسان، ولا كلام، ولا صرف، ولا شطح، ولا فعل رديء، ولا يصرفه عن محبوبه صارف ولا ترده السيوف، والمتالف، وكان رضي الله عنه يقول: أكل الحرام يوقف العمل، ويوهن الدين، وقول الحرام يفسد على المبتدئ عمله، والطعام الحرام يفسد على العامل عمله، ومعاشرة أهل الأدناس تورث الظلمة للبصر، والبصيرة، وكان رضي الله عنه يقول: إن الله عز وجل يحب من عباده أخوفهم منه وأطهرهم قلباً، وفرجاً ولساناً ويداً وأعفهم، وأعفاهم، وأكرمهم، وأكثرهم ذكراً، وأوسعهم صدراً.

 

وكان يقول: من كان في الحضرة نظر الدنيا، والآخرة، وكان يقول: إياكم، والدعوات الكاذبة فإنها تسود الوجه، وتعمي البصيرة، وإياكم ومؤاخاة النساء، وإطلاق البصر في رؤيتهن، والقول بالشاهد والمشي مع الأحداث في الطرقات فإن هذا كله نفوس، وشهوات، ومن أحدث في طريق القوم ما ليس فيها فليس هو منا، ولا فينا قال الله تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا " ، وكان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي، والسرياني والعبراني، والزنجي، وسائر لغات الطيور، والوحش، وكتب رضي الله عنه إلى بعص مريديه بعد السلام وإنني أحب الولد، وباطني خلى من الحقد، ولا بباطني شظا، ولا حريق لظى، ولا جوى من مضى، ولا مضض غضا، ولا نكص نصا، ولا سقط نطا، ولا ثطب غظا، ولا عطل حظا، ولا شنب سرى، ولا سلب سبا، ولا عتب فجا، ولا سمداد حدا، ولا بدع رضا، ولا شطف جوا، ولا حتف حرا، ولا خمش خيش، ولا حفص عفص، ولا خفض خنس، ولا حولد كنس، ولا عنس كنس، ولا عسعس خمس، ولا جيقل خندس، ولا سطاريس، ولا عيطافيس، ولا هطا مرش، ولا سطا مريش، ولا شوش أريش، ولا ركاش قوش، ولا سملادنوس، ولا كتباً سمطلول الروس، ولا بوس عكمسوس، ولا انفداد أفاد، ولا قمداد انكاد، ولا بهداد، ولا شهداد، ولا بد من العيون، وما لنا فعل إلا في الخير، والنوال انتهى، وكتب إلى بعض مريديه أيضاً: سلام على العرائس المحشورة في ظل، وابل الرحمة، وبعد فإن شجرة القلوب: إذا هزت فاح منها شذاً يغذي الروح فيستنشق من لا عنده زكم فتبدو له أنوار، وعلوم مختلفة مانعة محجوبة معلومة لا معلومة معروفة لا معروفة غريبة عجيبة سهلة شطة فائقة طعم، ورائحة، وشم يم محل جميل جهد راب علوب نغط نبوط هوبط سهبط جرموا غميطا غلب عمن عسب غلب عرماد علمود على عروس علماس مسرود قدقد فرسم صباع صبع صبوغ نبوب جهمل جما يدحر بوعس قنبود سماع بناع سرنوع ختلوف كداف كروف كمتوف شهدا سهنبيل ختلولف ختوف رصص مامن قمن قرفنيود سعى طبوطا طابرطا كمط، كهرجة جهد بيد قيلودات كهلودات كيكل كلوب فافهم مبرم وقرم منعم وأخبر سهدم سوس سفيوس كلا فيدلا تهتر عن عنيلا سعسد سج تزيد، ولا تتكوكع زند حدام هدام سكهدل، وقد سطرنا لك يا ولدي تحفة سنية، ودرة مضية ربانية سريانية شمسية قمرية كواكب درية، وأنجم خفية علوية، وإنما تصفح المبهم المغلق المغرب الذي سره مغطى بالرموز انتهى.

 

وكتب رضي الله عنه إلى بعض مريديه أيضاً: سلام إن هب الجنوب المفتق أو الصبا المعبق أو الضحى المرونق أو الشمس المتحفة أو الأضحية المعترفة في الأبرجة المعونقة، والمجبرة المحونقة، والميثرة المحتوطفة، واللطيفات المختلفة المستوجنة، والأرابج الأرياح المتولوجة المستودجة فالشهار، والأنهار المستوطج، والصفو المزروق أو المفتودج، والفتوع، والسنبابول، والسربايور، والشوشاند، والشربو ساسع، والبرقوا شاند تفهم يا ولدي فإن كلام المغرب لا يشاكل المعرب وما ليس من لغة العرب لا يفهمه إلا من له قلب أو فهمه الرب، ولا إنكار على علماء الحقيقة، وهم يتكلمون بكل لسان، ولهم لسن عجام، وكتب رضي الله عنه: سلاماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله مع الحجاج: سلام على أمير حي المحيا جميل المعنى سخي المراشف أرخى المعاطف كريم الخلق سني الصدق عرفوط الوقت، وردساني الفهم ثاقب المرحب محبول الرحب قطابة النفل قيدوح النماطة ليدوح النباطة سرسا مع الوحب بهدياني الوعب بهبساني الحداقة سهبري النساقة موز الرموز عموز النهوز سلاحات أفق فردفانية أمق شوامق اليرامق حيد وفرقيد، وفرغاط الأسباط، ومبيط البساط الكرقولية، والقدد القيلولية إن حدول شذول وإن عرذل خردل السبل السبل يبط العقود النماحة النياحة جاجوي نبا كلكوي سبا مقطعات حم، ومحكمات حكيم بدايه لوايع إن شدت أنشدت عنيقبات رسمانية ناتوتية نابهتنية بابلية أرس أرسون كمين كبيوت ناتون نون، وجيم ونقطة تنعيم ازمح همدج تنسج هيج دهبر رعبوت قيداف قيدوف عرائش مجليات شعشانية على قطط النبط لا النمط، والبعد لا الشطط فلاق القندم خلاق الزيدم، وأبقى الهندم إن طاطا فطاوما، وإن تعاطى فاستبرق يسمع عنين النبك، وعنين التبك من أوباح فوائد، وأدراح قلائد ليش من لفظ قس الأيادي، ولا له بها أيادي نهدبانية البهاسبهانية الربا قل تيشلقت بالنباهة أببا، وتعطرفت بالسياحة عببا طرايقا عجنبا عرائفها جبا إن تمادى تمدى، وإن بعد أعدد لفظة بارق لحظة حاذق إن ينشد فردقوينة قد أعدت بالرشطاط من قروربان، وحرموزان كروم المرتبلاه، ولا أشباه ألم تك، والدتك، والدتك انتهى. وكان رضي الله عنه يقول: عليك بالعمل، وإياك، وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجوع حتى شد الحجر على بطنه، وقام حتى تورمت قدماه ثم تبعه أكابر الصحابة رضي الله عنهم على ذلك فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا تنهد يشم لكبده رائحة الكبد المشوي، وأنفق ماله في سبيل الله كله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد العمل، والكد حتى رقع دلقه بالجلود، ولف رأسه بقطعة خش، وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن قائماً كل ليلة على أقدامه، وكان علي رضي الله عنه من زهاد الصحابة، ومجاهديهم حتى فتح أكثر بلاد الإسلام هؤلاء خواص الصحابة رضي الله عنهم مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كان عملهم هذا كان اجتهادهم، وزهدهم، وجوعهم فأحكموا الحقيقة والشريعة ولا تفرطوا إن أردتم أن تكونوا يقتدى بكم وما سميت الحقيقة حقيقة إلا لكونها تحقق الأمور بالأعمال، وتنتج الحقائق من بحر الشريعة، وكان رضي الله عنه يقول: ما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئاً من الحكم، والمعارف.

 

وكان رضي الله عنه يقول: للباصر في العين بصر، وللقلب لسان يدق عن الإدراك، وكان رضي الله عنه يقول: أحببه يحبك أهل الأرضين، والسماء، وأطعه يطع لك الجن، والإنس، ويجف لك البحر والماء، ويطع لك الهواء، وكان يقول: يا ولدي عليك بالتخلق بأخلاق الأولياء لتنال السعادة، وأما إذا أخذت، ورقة الإجازة، وصار كل من نازعك تقول: هذه إجازتي بالمشيخة دون التخلق فإن ذلك لا شيء إنما هو حظ نفس لكن اقرأ الإجازة، واعمل بما فيها من الوصايا، وهناك تحصل على الفائدة، ويحصل لك الاصطفاء، وهذه طريق مدارج الأولياء قرناً بعد قرن، وجيلا بعد جيل إلى آخر الدنيا، وكان رضي الله عنه يقول: إذا اشتغل المريد بالفصاحة، والبلاغة فقد تودع منه في الطريق، وما اشتغل أحد بذلك إلا وقطع به، وأما حكايات الصالحين، وصفاتهم فمطالعتها للمريد جند من أجناد الله تعالى ما لم يقنع بها في الطريق، وكان يقول: العلم كله مجموع في حرفين أن يعرف العبودية، ويعبده فمن فعل ذلك فقد أدرك الشريعة، والحقيقة، وليس في هذا تعطيل العلماء بل العلم ابن للعمل، وإنما قلنا ذلك من أجل قول الله تعالى: " فاقرءوا ما تيسر منه " " المزمل: 20 " ولكل فرقة منهاج، وإلا فقد يجمع الله العلم، والعمل في رجل واحد، يفيد الناس كل الفوائد فالشريعة هي الشجرة، والحقيقة هي الثمرة، وكان يقول: الطريق إلى الله تعالى تفني الجلاء، وتفتت أكباد، وتضني الأجساد، وتدفع السهاد، وتسقم القلب، وتذيب الفؤاد فإذا ارتفع الحجاب سمع الخطاب، وقرأ من اللوح المحفوظ الرموز، واطلع على معان دقت، وشرب بأوان رقت فكان مع قلبه ثم يكون مع مقلبه لا مع قلبه لأن الله يحول بين المرء، وقلبه فإذا خرج عن الكل طال لسانه بلا لسان مع شدة اجتهاده، وأعماله الظاهرة ثم الباطنة ثم بعد ذلك لا حركة، ولا كلام، ولا تسمع إلا همساً إنما هو سمت بلا حس ثم يصفو من صفاء الصفاء، ووفاء الوفاء، ويخلص من إخلاص الإخلاص في الإخلاص للإخلاص ثم يتقرب بما يكون به جليساً فإن المجالسة لها آداب أخر خاصة يعرفها العارفون وكان رضي الله عنه يقول: إذا كمل العارف في مقام العرفان أورثه الله علماً بلا واسطة، وأخذ العلوم المكتوبة في ألواح المعاني ففهم رموزها وعرف كنوزها، وفك طلسماتها، وعلم اسمها، ورسمها، وأطلعه الله تعالى على العلوم المودعة في النقط، ولولا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول، وكذلك لهم من إشارات العبارات عبارات معجمة، وألسن مختلفة، وكذلك لهم في معاني الحروف، والقطع، والوصل، والهمز، والشكل، والنصب، والرفع ما لا يحصر، ولا يطلع عليه إلا هم وكذلك لهم الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر، والماء، والهواء، وما في البر، والبحر، وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الإنس، والجان مما يقع لهم في الدنيا، والآخرة، وكذلك لهم الاطلاع على ما هو مكتوب بلا كتابة من جميع ما فوق الفوق، وما تحت التحت، ولا عجب من حكيم يتلقى علماً من حكيم عليم فإن مواهب السر اللدني قد ظهر بعضها في قصة موسى، والخضر عليهما السلام، وكان رضي الله عنه يقول: من الأولياء من لا يدري الخطاب، ولا الجواب فهو كالحجارة مودعة أسراراً ناطقة بلسان حال صامتة عن الكلام مودعة من غوامض الأسرار، والعطاء مفرق فمنهم عارف، ومحب، ومشغوف، وذاكر، ومذكر، ومعتبر، وناطق، وصامت، ومستغرق، وصائم، وقائم، وهائم، ومفطر، وصائم صائن، وصائم صائم، وقائم دائم، ونائم، واصل، وواصل سهران، وواقف ذاهل، وداهش، واهن وواهم، وباك باسم، ومقبوض، وضاحك، وخائف، ومختلط، ومختبط، وموله، ومتوله، وصائح، ونائح، ومجموع بجمعيه، وجمعه إن خرج عن إياهما انتفع، ومنهم من مزق الثياب حين حقق، وتاب، وغلب عليه الحال، ويرحم الله البعض بالبعض، وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي طوبى لمن وصل إلى حال تقرب العباد من الله تعالى ثم وقف يدعوهم إليها فكونوا داعين إلى الله تعالى بإذن الله، وكان رضي الله عنه يقول: رأس مال المريد المحبة، والتسليم، وإلقاء عصا المعاندة، والمخالفة، والسكون تحت مراد شيخه، وأمره فإذا كان المريد كل يوم في زيادة محبة وتسليم سلم من القطع فإن عوارض الطريق، وعقبات الالتفاتات، والإرادات هي التي تقطع عن الإمداد، وتحجب عن الوصول.

 

وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي إذا لم يحسن أحدكم أن يعامل مولاه فلا يقع في أحوال لا يدريها فإن القوم تارة يتكلمون بلسان التمزيق، وتارة بلسان التحقيق بحسب الحضرات التي يدخلونها وأنت يا ولدي لم تذق حالهم، ولا تمزقت، ولا دخلت حضراتهم فمن أين لك أنهم على الضلال أفتعوم يا ولدي البحر، ولست بعوام ثم إذا غرقت فقد مت ميتة جاهلية لأنك ألقيت نفسك للمهلك، والحق قد حرم عليك ذلك بل الواجب عليك يا ولدي أن تطلب دعاء القوم، وتلتمس بركاتهم هذا إذا لم تجد قدرة على عملهم، فإن وجدت قدرة على ذلك سعدت أبد الآبدين، واعلم يا ولدي أن ألسن القوم إذا دخلوا الحضرات مختلفة، وفي إشاراتهم وكلماتهم ما يفهم ومنها ما لا يفهم، وكذلك من أحوالهم ما يعبر عنه، ومنها ما لا يعبر وكذلك في أسرارهم ما لا يصل إليه مؤول، ولا معبر، ولا معطل، ولا مفسر لأن أسرارهم موضع سر الله تعالى، وقد عجز القوم عن معرفة أسرار الله تعالى في أنفسهم فكيف في غيرهم فيجب عليك يا ولدي التسليم لله في أمر القوم وحسن الظن بهم لا غير فإني ناصح لك يا ولدي وإذا رميت من يحبه الله تعالى بالبهتان والزور وتجرأت على من قربه الله تعالى أبغضك الله تعالى، ومقتك فلا تفلح بعد ذلك أبداً، ولو كنت على عبادة الثقلين، وكان رضي الله عنه يقول: من قام في الأسحار، ولزم فيها الاستغفار كشف الله له عن الأنوار، وأسقى من دن الدنو من خمار الخمار وأطلعت في قلبه شموس المعاني، والأقمار فيا ولد قلبي اعمل بما قلته لك تكن من المفلحين، وكان يقول: كم من يتلو الاسم الأعظم، ولا يدريه، وما فهم معناه، وما لمس الأولياء الشجرة فأثمرت إلا به ولا سأل الماء من صخرة إلا به ولا سخرت الوحوش لولي إلا به ولا سأل ولي القطر فنزل إلا به ولا أحيا الموتى إلا به وكان رضي الله عنه يقول: لا يكون الرجل غواصاً في الطريق حتى يفر من قلبه، وسره، وعمله، وهمه، وفكره، وكل ما يخطر بباله غير ربه فآه آه لو كشف الحجاب عن الأثواب، وأبصر الأعمى الحرف الذي ليس بحرف، ولا ظرف، وذلك ما خفي من الغمض، وفتح قفل القفل، وفك أزرار المزرور فواشوقاه لصاحب تلك الحضرات مع أن الشوق لا يكون إلا للبعيد.

وكان رضي الله عنه يقول: كل من تحجبه أعماله، وأقواله عن درك ما شاء فهو محجوب عن مقام التوحيد، ومقام التفريد، ولا يزف الولي إلى ربه حتى يترك الوقوف مع سواه من مقام أو درجة، وكان يقول: إن أردت أن تجتمع على ربك فطهر باطنك، وضميرك من الخبث، والنية الردية، والإضمار بالسوء لأحد من خلق الله عز وجل وكان رضيى الله عنه يقول: إياك يا ولدي أن تقبل فتوى إبليس لك في الرخص فتعمل بها بعد عملك بالعزائم فإنه إنما يأمرك بالغي، والبغي في حجة رخصة الشرع لا سيما إن أوقعك في محظور ثم قال لك هذا مقدور أيش كنت أنت فإنك تهلك بالكلية. واعلم يا ولدي أن الله تعالى ما أمرك إلا باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد نهاك عن كل شيء يؤذيك في الدنيا، والآخرة فما بالك تخالفه، وإن كنت يا ولدي تقنع بورقة تزعم أنها إجازة فإنما إجازتك حسن سيرتك، وإخلاص سريرتك، وشرط المجاز أن يكون أبعد الناس عن الآثام كثير القيام، والصيام مواظباً على ذكر الله تعالى على الدوام فإن العبد كلما خدم قدمه سيده على بقية العبيد فهذه هي الإجازة الحقيقية، وأما إذا ادعيت المشيخة، وعصيت ربك قال لك أف لك أما تستحي أين دعواك القرب منا أين غسلك أثوابك المدنسة لمجالستنا كم توعى في بطنك من الحرام، وكم تنقل أقدامك إلى الآثام كم تنام، وأحبابي قد صفوا الأقدام أنت مدع كذاب، والسلام.

 

وكان يقول: الله خصم كل من شهر نفسه بطريقتنا، ولم يقم بحقها، واستهزأ بنا، وكان يقول: من خان لا كان، ومن لم يتعظ بكلامنا فلا يمشي في ركابنا، ولا يلم بنا، ولا خب من أولادنا إلا الشاطر المليح الشمائل وذلك يصلح لوضع السر فيه فيا أولادي ناشدتكم الله تعالى لا تسوءوا طريقي، ولا تلعبوا في تحقيقي ولا تدلسوا، ولا تلبسوا، وأخلصوا تتخلصوا فكلما أحببناكم، واخترناكم فلا تكدروا علينا ولا ترموا طريقنا بالكلام، وكما وفينا لكم حقكم في التربية، والنصح فوفوا لنا بالاستماع، والاتعاظ وإنما أمرتكم بما أمركم به ربكم فهو أمر الله لا أمري فإن نقضتم العهد فإنما هو عهد الله وإن كنتم لا تأخذون منا إلا أوراقاً فلا حاجة لنا بكم، وكان يقول: بايعت الله تعالى على أني لا ألتمس أموالكم ولا آخذ تراثكم، ولا أدنس خرقتي بما في أيديكم فاسمعوا، وأطيعوا، وعلى أموالكم الأمان مني، ومن جماعتي الذين أخلصوا معي.

وأسأل الله تعالى أن يلحق بقية أولادي بمن خلص معي، ويجعلهم مثلهم فيشفقون على إخوانهم، وينصحونهم مع تجنب أموالهم، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يزعم أن هلكته في طاعته فهو هالك فإن طاعتنا من جملة فضله، ومالنا في الوسط شيء، وكان يقول: يا ولدي احذر أن تقول أنا فإن الله يعجز المدعين، ولو كنت على عمل الثقلين هبطت أو صاحب منزلة سقطت، وكان يقول: والله لو وجدنا إلى الخلوة سبيلا أو وجدنا إلى الانقطاع عن أعين الناس من سبيل لفعلنا فإن القلب في هذا الزمان متعوب، والكبد كل وقت يذوب، فأين الملجأ، وأين المفر من أهل هذا الزمان زمان كثر فيه القال، والقيل ولكن الذي بلانا بأهله يدبرنا، ويعيننا بحوله، وقوته.

وكان يقول: من غفل عن مناقشة نفسه تلف، وإن لم يسارع إلى المناقشة كشف، وكان يقول: ما ابتلى الله عز وجل الفقير بأمر إلا وهو يريد أن يرقيه إلى منازل الرجال فإن صبروا كظم الغيظ وحلم، وعفا وتكزم رقاه إلى الدرجات، وإلا أوقفه وطرد، وكان رضي الله عنه يقول: لا يعصي أحدكم ربه عز وجل، ويمر على الهوام الضعيفة إلا وتوفى أن الله تعالى يعطيها قوة لتبطش به غيره على جناب الحق تعالى، ولا يمر على الطيور والوحوش إلا ويستعيذون بالله تعالى من رؤيته، ولا يرد ماء إلا ويود أن لا يشربه، ولا يمر في الهواء إلا، ويود أن لا يكون مر به.

 

وكان يقول: كيف تطلبون أن الله تعالى ينبت لكم الزرع أو يدر لكم الضرع، وأنتم تسلون السيوف على أحد من هذه الأمة المحمدية، وتلطخون الحراب من دمائهم، وكان يقول: إذا صدق الفقير في الإقبال على الله تعالى انقلبت له الأضداد فعاد من كان يبغضه يحبه، ومن كان يقاطعه يواصله، ومن كان لا يشتهيه يثني عليه، ولا يصير يكرهه إلا مجرم أو منافق، وكان يقول: ما قطع مريد ورده يوماً إلا قطع الله عنه الإمداد ذلك اليوم، واعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه طريق تحقيق، وتصديق، وجهد، وعمل، وتنزه، وغض بصر وطهارة يد، وفرج، ولسان فمن خالف شيئاً من أفعالها رفضته الطريق طوعاً أو كرهاً، وكان رضي الله عنه يقول: يا حامل القرآن لا تفرح بحمله حتى تنظر هل عملت به أم لا فإن الله عز وجل يقول: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً " ، ولا تخرج عن كونك حماراً إلا إن عملت بجميع ما فيه، ولم يكن منه حرف واحد يشهد عليك، وكان يقول: يا أولادي كم غروركم لهو كم لعب كم غي كم هوى كم افتراء كم نكدكم غدركم سهوكم نسيان كم غفلة كم زلة كم إجرام كم زوركم فتوركم، وعظ تسمعون، ولا تتعظون ما أنتم إلا كالأموات، وكان يقول: لو فتح الحق تعالى عن قلوبكم أقفال السدد لاطلعتم على ما في القرآن من العجائب، والحكم، والمعاني، والعلوم، واستغنيتم عن النظر في سواه فإن فيه جميع ما رقم في صفحات الوجود قال تعالى: " ما فرطنا في الكتاب من شيء " " الأنعام 38 "

ومن فهمه الله تعالى في كتابه أعطاه تأويل كل حرف منه، وما هو، وما معناه، وما سبب كل حرف، وما صفة كل حرف، وعلم المكتوب من الحروف في العلوي، والسفلي، والعرش، والكرسي، والسماء، والماء، والفلك، والهواء، والأرض، والثرى، وكان يقول: إذا كان المقتدي بالشرائع والكتاب واقفاً بين الأمر، والنهي كان فتحه حقيقياً حتى يفك به كل مشكل، ويحل به كل طلسم، ويعرف به كل مبهم، وأما إذا كان فتحه حفظ كلام، وترتيب، وصف مقامات فذلك ليس بفتح إنما هو حجاب له عن إدراك الإدراك، وعن مشاهدة علوم الحق وليس من وصف كمن عرف، وحمل، ونطق بلسان العرفان، وكم من حملته العناية حتى شاهد، ومع ذلك فلو سئل عن وصف المقامات ما وصفها، ومقصودي لجميع أولادي أن يكونوا ذائقين لا واصفين، وأن يأخذوا العلوم من معادنها الربانية لا من الصدور، والطروس فإن القوم إنما تكلموا عما ذاقوا وقلوبهم كانت ملآنة بعطاء الله تعالى ومواهبه ففاضت منها قطرات من ماء الحياة التي فيها فانفجرت علومهم عن عين عين عين عين عن حاصل ماء الحياة، وأما الوصاف فإنما هو حاك عن حاك غيره، وعند التخلق، والفائدة لا يجد نقطة، ولا ذرة من فوق القوم، وينادي عليه هذا الذي قنع بالقشور في دار الغرور، ولقد أدركنا رجالا، وأحدهم يستحي أن يذكر مقاماً لم يصل إليه، ولو نشر بالمناشير ما وصفه فيا جميع أولادي إذا سألكم أحد عن التصوف مثلا أو عن المعرفة، والمحبة فلا تجيبوه قط بلسان قالكم حتى يبرز لكم من صدق معاملتكم ما برز للقوم فيكون كلامكم عن حاصل، وعن محصول فإذا قام أحدكم بالأوامر الدينية، وصدق في العمل ترجم لسانه بالفوائد التي أثمرت من صدقه، وكل من ادعى الصدق، والإخلاص، ولم يحصل عنده ثمرة الأدب، والتواضع فهو كاذب، وعمله رياء، وسمعة لا يثمر له إلا الكبر، والعجب، والنفاق، وسوء الأخلاق شاء أم أبى.

 

وكان يقول: ليس التصوف لبس الصوف إنما الصوف من بعض شعار التصوف فإن دقيق التصوف رقيق صفاته، ورونق بهجة ترقيه لا يحصل إلا بالتدريج فإذا وصل الصوفي إلى حقيقة التصوف المعنوي لا يرضى بلبس ما خشن لأنه وصل إلى مقامات اللطافة، وخرج عن مقامات الرعونة، وغاد ظاهره الحسي في باطنه الألي، واجتمع بعد فرقة، وقذف فيه جذوة نار الاحتراق فعاد الماء يحرقه، والثلج والبرد يقوي ضرامه، والقميص الرقيق لا يستطيع حمله للطافة سره، وزوال كثافته بخلاف المريد في بدايته يلبس الخشن، ويأكل الخشن ليؤدب نفسه وتخضع لمولاها، ويحصل لصاحبها تمهيد للمقامات التي يترقى إليها فكلما رق الحجاب ثقلت الثياب، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي اجمع همة العزم لتعرف معنى الطريق بالإدراك لا بالوصف، وكل مقام، وقفت فيه حجبك عن مولاك، وكل ما دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة، والتابعين، وكتابه العزيز باطل، وذلك لأن الأغراض تورث الأعراض، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي تجرد من قالبك إلى قلبك، والرم الصمت عن الاشتغال بما لا فائدة لك فيه من الجدال، والنقل، وزخرف القول، وصمم العزم، واركب جواد الطريق، واحتم حمية قبل الشربة تكون باطناً، ولا تشرب إلا شراباً يكون فيه محو، وسكر آه آه ما أحلى هذه الطريق ما أسناها ما أمرها ما أقتلها ما أجلاها ما أحياها ما أصعبها ما أكبدها ما أكثر مصايدها ما أصعب مواردها ما أعجب واردها ما أعمق بحرها ما أكثر أسدها ما أكثر مددها ما أكثر عقاربها، وحياتها فبالله با أولادي لا تتفرقوا، واجتمعوا يحمكم الله تعالى من الآفات ببركة أستاذكم، وكان رضي الله عنه يقول: كيف تطلب ليلى وأنت ليلا، ونهاراً مع عذالها، ولوامها، والمنكرين على أهل حضرتها، والمعترضين عليهم، والخائنين لعهودهم إنما تبرز ليلى لمن تهتك فيها، ولم يقبل عذل عذالها، ولم يسمع لكلام المنكرين على أهل حضرتها، وليلى لا تحب من يحب سواها أو يخطر في سره محبة لسواها إنما تحب من كان بشرابها ثملان، ولهان ذهلان غرقان بشوان هيمان حتى لو اجتمع الثقلان على أن يلووا قلبه عنها، وأن يحلوا عقدة عهدها معه ما استطاعوا فانظر حالك يا ولي، وكان يقول: يا أولاد قلبي لا تجالسوا أرباب المحال، وزخرف الأقوال، ولقلقة اللسان، وجالسوا من هو مقبل على ربه حتى أخذت منه الطريق، ودقه التمزيق، وتفرق عنه كل صديق حتى عاد كالخلال، وذاب جسمه من تجرع شراب سموم الطريق، وصار نومه أفضل من عبادة غيره لأنه في نومه في حضرة ربه، وربما كان العابد في عبادته مع نفسه.

وكان رضي الله عنه يقول: عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون فقد أفلح المصدقون، وخاب المستهزئون فإن الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا بدل ولا صديق، ولا ولي مما أشا قلت هذا من عندي إنما هو كلام أهل العلم بالله تعالى فما للعاقل إلا التسليم، وإلا فاتوه وفاتهم، وحرم فوائدهم، وخسر الدارين، وكان رضي الله عنه يقول: علامة المريد الصادق أن يكون سائراً في الطريق ليلا، ونهاراً غدواً، وأبكاراً لا مقيل له ولا هدو. وجواده قد فرغ من اللحم، وامتلأ من الشجاعة والهم قد شف مطيته السرى، وأسقمها البرى لا يقيد همته مقيد، ولا يهوله مهلك، ولا توجعه ضربات الصوارم، ولا يشغله شيطان غوى، ولا مارد جنى كل من خاصمه في محبوبه عاد مخصوصاً لا يهدأ، ولا ينام، ولا يصحو بل الدهر كله له سرى حتى يدخل خيام ليلى، ويضع خده على أطناب الخيام فإذا سمع الخطاب بالترحيب من الأحباب انتعش، وطاب، وسمع الخطاب بالترحيب من قاب قوسين هناك استراح يا طالما قطعت براري، وقفاراً، وجبالا، وبحاراً وظلاماً، وناراً يا طول ما تعبت، وتعنيت، ويا طول ما رجع غيرك من الطريق، وجئت فأكرم الله تعالى مثواك، ولا خيب مسعاك أنت اليوم ضيف عندنا، ويومنا لا انقضاء له أبد الآبدين، ودهر الداهرين.

 

وكان يقول: من شأن الفقير أن لا يكون عنده حسد، ولا غيبة ولا بغى ولا مخادعة ولا مكابرة ولا مماراة ولا ممالقة ولا مكاذبة ولا كبر ولا عجب ولا ترف ولا افتخار، ولا شطح ولا حظوظ نفس، ولا تصدر في المجالس، ولا رؤية نفس على أخيه، ولا جدال ولا امتحان، ولا تنقيص، ولا سوء ظن بأحد من أهل الطريق، ولا ممن تزيق بالزيق، ولا يقدح قط في صاحب خرقة إلا إن خالف صريح الكتاب، والسنة اختياراً، وكان يقول: من شرط الفقير أن لا يكون عنده التفات إلى مراعاة المخلوقين له في الحرمة، والجاه، والقيام، والقعود، والقبول، والإعراض وغير ذلك من الأحوال الظاهرة لأنه لا يراعي إلا الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول: ما دام أنا وأنت فلا حب إنما الحب التمازج، واختلاط الأرواح بالأجساد وكان يقول: ليس أحد من القوم مبتدعاً إنما هم متبعون في الأدب لسيد الأمم، وقد قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا " " النور: 27 " فلقد كان أحدهم بعد نزولها إذا وقف يقول نعم ثلاث مرات فإن أذن له، وإلا رجع من حيث أتى وكان يقول: كان السلف يخافون من آفات الاجتماع فلذلك آثروا العزلة إلا في صلاة الجمعة، وحضور مجالس العلم التي لا رياء فيها ولا جدال، ولا عجب، ولا مداراة، والسلامة من هذه الأمور في زماننا هذا قل أن توجد فعليك بالوحدة بعد معرفة ما أوجب الله تعالى إليك فإنك يا ولدي في القرن السابع الذين أكثرهم يجعلون شريعة السالك قدحاً في الشريعة، وحقيقة المحبة بدعا في الطريق كأنهم ما علموا قط عطاء الله، ومواهب مدد الله وخوارق عجائبه بل رأوا من سوء حالهم أن باب العطاء قد أغلق فمن اعتقد ذلك فإنما هو معترض على الله تعالى في فعله، ونعوذ بالله من التعرض فإنه لا بد لأهل حضرته تعالى من التمييز عن المعرضين عنها ليشتاق المعرضون إليها حين يرون الخوارق تقع على يد أوليائه فما أجهل من جهل قدر الفقراء، وما أعماه أيش يقال في قوم كلهم طالبون الله تعالى أينكر عليهم مسلم؟ كلا والله.

وقيل للجنيد رضي الله عنه إن قوماً يتواجدون، ويتمايلون قال دعهم مع الله تعالى يفرحون، ولا تنكر إلا على العصيان المصرح به في الشريعة أما هؤلاء القوم فقد قطع الطريق أكبادهم، ومزق التعب، والنصب أمعاءهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولو ذقت يا أخي مذاقهم لعذرتهم في صياحهم، وشق ثيابهم فالله يلهم أولادي سلوك سبيل الرشاد إنه سميع مجيب وكان رضي الله عنه يقول: قلة معرفة أخلاق القوم من الحرمان لأن خرق سياج الأدب معهم يؤدي إلى العطب، والباب مفتوح ما غلق إلا أن القوم واقفون بباب الله والجواب منادمات في الغيب بالغيب وكان رضي الله عنه يقول: أسلم التفسير ما كان مروياً عن السلف وأنكره ما فتح به على القلوب في كل عصر، ولولا محرك يحرك قلوبنا لما نطقت إلا بما ورد عن السلف فإذا حرك قلوبنا وارد استفتحنا باب ربنا واستأذناه وسألناه الفهم في كلامه فنتكلم في ذلك الوقت بقدر ما يفتحه على قلوبنا فسلموا لنا تسلموا فإننا فخارة فارغة، والعلم علم الله تعالى.

وكان يقول: فيض الربوبية إذا فاض أغنى عن الاجتهاد فإن صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر فقد يعطي المولى من يكون قاصراً ما لم يعط أصحاب المحابر، وليس مطلوب القوم إلا هو فإذا حصلوا على معرفته عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب، ولا نصب ثم إذا صحت لهم المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك إلا إن خذل نسأل الله السلامة، وكان يقول: من فني في الفناء بقي في البقاء والفناء من الحجب إلا أن يكون فناء الباطل كما قال: بعضهم أفنى موسى عن موسى حتى عاد هو المتكلم، وكان رضي الله عنه يقول: من لم يكن عنده شفقة على خلق الله لا يرقى مراقي أهل الله تعالى وقد ورد أن موسى عليه السلام لما رعى الغنم لم يضرب واحدة بعصا منهن، ولا جوعها، ولا آذاها فلما علم الله تعالى قوة شفقته على غنمه بعثه الله نبياً وجعله كليماً راعياً لبني إسرائيل، وناجاه فمن أعز الخلق وأشفق عليهم ترقى إلى مراتب الرجال والسلام.

 

وكان رضي الله عنه يقول: والله لو هاجر الناس مهاجرة صحيحة ودخلوا تحت الأوامر لاستغنوا عن الأشياخ ولكن جاءوا إلى الطريق بعلل، وأمراض فاحتاجوا إلى حكيم، وكان إذا أخذ العهد على فقير يقول: له يا فلان اسلك طريق النسك على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام واتباع جميع الأوامر المشروعة، والأخبار المرضية والاشتغال بطاعة الله تعالى قولا وفعلا، واعتقاداً، ولا تنظر يا ولدي إلى زخارف الدنيا، ومطاياها، وملابسها، وقماشها، ورياشها، وحظوظها، واتبع نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم في أخلاقه فإن لم تستطع فاتبع خلق شيخك فإن نزلت عن ذلك هلكت يا ولدي واعلم أن التوبة ما هي بكتابة درج ورق، ولا هي كلام من غير عمل إنما التوبة العزم على ارتكاب ما الموت دونه صف أقدامك يا ولدي في حندس الليل البهيم، ولا تكن ممن يشتغل بالبطالة، ويزعم أنه من أهل الطريقة، ومن استهزأ بالأشياء استهزأت به، والسلام.

وجاءه فقير يطلب أن يلبس الخرقة من الشيخ فنظر إليه، وقال: يا ولدي التلبس في الأمور ما هو جيد لا يصلح لبس الخرقة إلا لمن درسته الأيام، وقطعته الطريق بجهدها، وأخلص في معاملته، وقرأ معاني رموز القوم ونظر في أخبارهم، وعرف مقصودهم في سائر حركاتهم، وسكناتهم، وأسفارهم، وخلواتهم، وجلواتهم فإن كنت صادقاً فلا تكن مجاناً ولا لعاباً، ولا صبي العقل فما الأمر بقول العبد تبت إلى الله تعالى باللفظ دون القلب، ولا بكتابة الورق والدرج وإنما الأمر توبة العبد عن أن يلحظ الأكوان بعيني قلبه أو يراعي غير مولاه فإذا صح للفقير هذا الأمر فهناك يصلح للرقي في مقامات الرجال، وكان رضي الله عنه يقول: فوت المبتدي الجوع، ومطره الدموع، ووطره الرجوع يصوم حتى يرق، ويلين، وتدخل الرقة قلبه، وتفتح مسامع لبه ويزول الوقر من سمعه فيسمع بأذن، وقلب كلام القرآن، ومواعظه، وأما من أكل، ونام، ولغا في الكلام وترخص، وقال: ليس على فاعل ذلك ملام فإنه لا يجيء منه شيء، والسلام. وكان رضي الله عنه يقول: ما بنيت طريقتنا هذه إلا على التيار، والنار، والبحر الهدار، والجوع، والاصفرار ما هي بمشدقتك، ولا بالفشار دعني فما وجدت من أولادي واحداً اقتفى آثار الرجال، ولا صلح أن يكون محلا للأسرار فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من هذا الزمان الغدار.

وكان رضي الله عنه يقول: الفقير كالسلطان مهابة، وكالعبد الذليل تواضعاً ومهانة. قلت: وإنما كان كالسلطان لعفته، وترك إسقاطه نفسه، وكثرة صفحه وعفوه وكرم نفسه وعدم منته، وغير ذلك بل هو أحق بالهيبة من السلطان لأنه جليس الحق وربما لا يكون السلطان يصلح لمجالسة الحق لكونه أخذ المرتبة بالسيف أو يكون مبتدعاً أو غير ذلك، والله أعلم. وكان رضي الله عنه يقول: الشيخ حكيم المزيد فإذا لم يعمل المريض بقول الحكيم لا يحصل له شفاء، وكان يقول: مذ صرفنا هممنا إليه أغنانا عما سواه إنا لا نعرف قط إبليس اللعين، وكان رضي الله عنه يقول: خلوة الفقير سجادته، وجلوته سره، وسريرته، وكان يقول: يجب على تالي القرآن أن يطهر فمه للتلاوة من اللغط، والنطق الفاحش، ولا يأكل إلا حلالا صرفاً قوت الوقت من غير سرف فإن أكل حراماً أساء الأدب، ويعطر ثيابه، وبدنه.

 

وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعطر لذلك حتى كان إذا لمس شيئاً يمكث يفوح الطيب منه زماناً، وكان وبيص المسك يلمع من مفرقه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: الغيبة فاكهة القراء، وضيافة الفساق، وبستان الملوك، ومراتع النسوان، ومزابل الأتقياء، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولدي لا تودعن كلامي إلا عند من كان منا وأحب أن يسلك طريقنا، ولا تلقه إلا لمحب محق يدخل تحت طيناً، وينقاد لنا فإن ذكر الكلام لغير أهله عورة، وكان يقول: طريقتنا هذه ما هي طريق تمليق بل هي طريق تحقيق، وصدق، وتصديق، وموت، وكد، وجهد، وحزم، وكدم، وكسر نفس من غير دعوى، واتضاع، وخضوع، وذلة، وفراسة، ورقوم، وعلوم فيا أولادي إذا عملتم بموعظتي، وعادت إشارتي كلها فيكم كانت إجازتي مطهرة مكملة بالسر، والمعنى فإن المقامات ما هي محجوبة عنكم إلا بكم وكان رضي الله عنه يقول: لا يكون الفقير فقيراً حتى يكون حمالا للأذى من جميع الخلائق إكراماً لمن هم عبيده سبحانه وتعالى فلا يؤذي من يؤذيه، ولا يتحدث فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحداً بغيبة ورعاً عن المحرمات موقوفاً عن الشبهات إذا بلى صبر، وإذا قدر غفر غضيض الطرف يعمر الأرض بجسده، والسماء بقلبه طريقه الكظم، والبذل، والإيثار، والعفو، والصفح، والاحتمال لكل من يتحدث فيه بما لا يرضيه، وكان يقول: واغوثاه من أهل هذا الزمان، والله لو كان في العمر مهلة لسكنت في أكم الجبال، وبطون أودية الوحوش فإن الرجل الآن بين هؤلاء الناس في أشد جهاد قلوب شاردة وأحوال مائلة، وشهوات غالبة قد عدموا الصدق في الأحوال، وكيف يقدر الضعيف على صون الروح من عشرتهم، والود لهم وغض بصره عن رؤية عوراتهم ليلا، ونهاراً، ويصبر معهم على كل فتنة وشهوة وأذى من غير أن يقابلهم بمثله هذا لا يطيقه إلا الصالحون، وكان رضي الله عنه يقول: كم من واقف في الماء وهو عطشان لهفان أعني إذا لم يحصل له الصدق في طلب مولاه بل عبد ربه على علة فاعملوا بالإخلاص لترووا من ظمأ العطش فإن طريق الله تعالى لا تنال إلا بقتل الأنفس وذبحها بسيف المجاهدة، والمخالفة.

وكان يقول: كيف يدعي أحدكم أنه مريد طريق الله تعالى، وهو ينام وقت الغنائم ووقت فتوح الخزائن ووقت نشر العلوم، وإشهار الرقوم، ووقته تجلي الحي القيوم يا كذابون ما تستحيون من الدعاوي الكاذبة، وهممكم راقدة، وعزائمكم خامدة ما هكذا درج أهل الطريق فالله تعالى يلهم جميع أولادي طريق الفلاح آمين. وكان يقول: ليس الزهد خروج العبد عن الشيء إنما الزهد أن يكون داخلا في إمارته أو صنعته، وقلبه خارج حائل ذاكر فاكر حائر مجاهد مرابط مخمول الذكر مشتغلا بذكر الله عز وجل، وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي قلبي عليكم بشراب القهوة القرقفية واستعمالها فوعزته، وجلاله من صدق منكم، وأخلص لا يمس أحداً إلا نبعت فيه الحكمة، وحصل عنده الشراب، والسكر عن هذه الدار يا أولادي الدنيا كحلقة بين أعين أهل التمكين قوم يمشون إلى الأقطاب، وقوم تأتي إليهم الأقطاب لا أحب من أولادي إلا من أراه يترقى في كل ساعة من مقام إلى مقام فهناك تقر عيني، وهناك يصير ينتفع به يا ولدي إن أردت أن يسمع دعاؤك فاحفظ لسانك عن الكلام في الناس وعن تناول الشبهات يا ولدي إن شككت في قولي فاعمل بما أقول لك، وجرب نفسك شيئاً بعد شيء تعرف صدق قولي فمن ثبت ثبت، ومن أطاع أطيع فإذا أطعت مولاك أطاع لك الماء، والنار، والهواء والخطوة، والإنس، والجن.

 

وكان رضي الله عنه يقول: لا تفيد الخلوة إلا إن كانت بإشارة شيخ، وإلا ففسادها أكثر من صلاحها، وكان يقول: لا يحق لك أن تأمر غيرك إلا إن كانت الشريعة تزكيك بوقوفك على حدودها، وكان يقول: الجسد ثلاثة أقسام قلب، ولسان، وأعضاء فاللسان، والأعضاء، وكل بهما ملائكة، والقلب تولاه الله تعالى، وجاءه رجل فقال: أريد أن أسلك طريق الحقيقة فقال يا ولدي الزم أولا طريق النسك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المرضية الزاهرة الباهرة التي نورها جلا الظلم، وأنار بطاح مكة، والمدينة والشام ومصر والعراق واليمن والمشرق والمغرب والأفق العلوي والسفلي، فإذا عملت بها انقدح لك منها علم الحقائق، والأسرار فاسلك يا أخي كما قلت لك على التدريج شيئاً بعد شيء، والله يحفظك إن صدقت، وكان رضي الله عنه يقول: ما ثم عمل أزكى ولا أنور، ولا أكثر فائدة من علم أهل الله عز وجل فإن الذرة منه ترجح على جبال من عمل غيرهم لخلوه من العلل، وأيضاً فإن عمل القوم بقلوبهم، وأبدانهم، وعمل غيرهم بأبدانهم دون قلوبهم ولذلك لا يزدادون بكثرة الطاعات إلا كبراً وعجباً، وكان يقول: لو خشع قلبك يا ولدي في صلاتك لاختلط عقلك، وذهب لبك، ولم تقدر أن تقرأ سورة واحدة من كتاب الله تعالى في تلك الحضرة فإن موسى عليه السلام خر صعقاً يتخبط كانير المذبوح حين تجلى له مقدار جزء واحد من تسعة وتسعين جزءاً من سم الخياط.

وهذا التجلي واقع لكل مصل لو عقل كما عقل موسى عليه السلام، وكان يقول: أهل الشريعة يبطلون الصلاة باللحن الفاحش، وأهل الحقيقة يبطلون الصلاة بالخلق الفاحش فإذا كان في باطنه حقد أو حسد أو سوء ظن بأحد أو محبة للدنيا فصلاته باطلة لأن أهل هذه الأخلاق في حجاب عن شهود عظمة الله تعالى في الصلاة، ومن كان قلبه محجوباً فما صلى لأن الصلاة صلة بالله تعالى. وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي تجنب معاشرة أولي الأقوال، والجدال، ولا تتخذ أحداً منهم صاحباً، وجالس من جمع بين الشريعة، والحقيقة فإنه أعون لك على سلوكك، وكان رضي الله عنه يقول: إن كنت ولدي حقاً، ومتبعي صدقاً فأخلص الرق لله تعالى، واجعل وعظك من قلبك، وكن عمالا ولا عمالا، ولا تلتمس لأحد درهماً فإن هذه طريقي، ومن أحبني سلك معي فيها فإن الفقير الصادق هو الذي يطعم، ولا يطعم، ويعطي ولا يعطى، ولا يلتمس الدنيا، ولا شيئاً من عروضها فإن الرشا في الطريق حرام، وشيخكم قد بايع الله تعالى أن لا يأخذ لأحد فلساً، ولا درهماً وإنما آمركم بذلك لله لا لغرض ولا لأمر دنيوي ولا لأثاث، وليس دعوى إنما المراد سلامة الذمة من الخلل في نصح الإخوان.

 

واعلموا يا جميع أولادي أن من استحسن في طريقي أخذ شيء حين لعب به هواه، وسولت له نفسه فقد خرج عن طريق شيخه، يا أولادي أوساخ الدنيا تسود القلوب، وتوقف المطلوب، وتكتب بها الذنوب وإني غير راض عمن أخذ في إجازة فلساً واحداً، ومن طلب الدنيا بألباس الفقراء الخرقة مقته الله تعالى، ولو ذهب إلى أعمال الدنيا، واحترف لنفسه، وعياله كان خيراً له، وطريقي إنما هي طريق تحقيق، وتصديق وتمزيق وتدقيق، وإني أبرأ إلى الله تعالى ممن يأخذ على الطريق عرضاً من الدنيا، ويتلف طريقي من بعدي ويأكل الدنيا بالدين، ويخالف ما كنت عليه أنا، وأصحابي اللهم إن كان هؤلاء الأصحاب خلفي يفعلون خلاف طريقتي فلا تهلكني بذنوبهم إن الله لا يحب الفقير الذي يبيع سره أو يأكل عليه لقمة. وكان رضي الله عنه يقول: أحب يا ولدي أن تكون متنكساً لا تحيد خاشعاً خاضعاً حمالا لكل هول سكران من حب مولاه لا التفات له إلى زوجة، ولا إلى ولد، ولا أخ، ولا صاحب، ولا وظيفة دنيوية ولا يلتفت لسوى مولاه، وكان يقول: يا ولدي إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد، وأنا في فإنك وأنا في سمعك، وأنا في طرفك، وأنا في جميع حواسك الظاهرة، والباطنة وإن لم يصح لك عهد لا تشهد مني إلا البعد، وكان رضي الله عنه يقول: ما أرضى اللعب لأحد من خلق الله تعالى فكيف أرضاه لأحد من أولادي فإذا أخذت يا ولدي وصيتي بالقبول وجهدت في سرك، وراقبته سمعت كلام شيخك لو كنت بالمشرق، وهو بالمغرب، ورأيت شبح شخصه فمهما ورد عليك من مشكلات سرك أو شيء تستخير فيه ربك أو أحد يقصدك بأذى أو غير ذلك فوجه شيخك وصف سرك وأطبق عين حسك وافتح عين قلبك فإنك ترى شيخك وتستشيره في جميع أمورك وتطلب منه حاجتك فمهما قال لك فاقبله منه وامتثله، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولدي إذا كنت تصوم الدهر، وتقوم الليل ولك سريرة طاهرة ومعاملة خالصة فلا تدع، وتقل إلا أنك عاص مفلس لا غير واحذر من غرور النفس، وزورها فكم تلف من ذلك فقير، وكان رضي الله عنه يقول: إن كنت تطلب أن تكون من أولادي فقم قياما دائماً وجاهد جهاداً ملازماً، ولا تمل، ولا تول، ولا ترخص لنفسك في ترك الاشتغال بالعبادة في حجة خوف الملل فإن الناقد بصير، والنفس من شأنها التلبيس على صاحبها.

 

وكان يقول: ليس من تزيا بزي القوم ينفعه زيه أو درجه أو خرقته فإن هذه أمور ظاهرة، والقوم إنما عملهم جواني إذ بذلك يرقون إلى مراقي درجة الرجال، وما رأينا أحد لبس جبة أو كتب له إجازة فبلغ مبلغ الرجال بذلك قط بل فعل ذلك يوقف المزيد عن طلب المزيد، والأمر ليس له قرار، وكان يقول: يا أولادي إذا طلبتم أن تغتابوا أحداً فاغتابوا والديكم فإنهما أحق بحسناتكم من غيرهما، وكان يقول: إن الله تعالى يطلع على قلوب عباده في اليوم والليلة اثنتين وسبعين مرة فنظفوا يا أولادي محل نظر ربكم واجعلوه طاهراً مطهراً حسناً نقياً زاهراً نيراً صادقاً خالصاً لترتع في رياض القرب، ويظهر فيها النور فإن الإناء إن لم يكن شفافاً لا يظهر للفتيلة فيه نور، وكان يقول: يا ولدي انقش على صحيفة صفحة لوح خدك توراة درسك، وإنجيل فهمك، ومزامير ذكرك، وزبور صفاتك، وفرقان تفريقك، ومجموع جمعك، واشتغل بأفنان حضورك ومراقبة رقيبك، واشتغل بنفسك عن القيل، والقال، ولا تلتفت قط إلى صحبة من يتكرم بضياع أوقاته أو أنفاسه في الغفلات فإن صحبته هلاك لك، وكان رضي الله عنه يقول: يا ولدي صحح عزمات عزمك، واترك تخيلات، وهمك، ولج بحر الحقائق، وسلم الأمر لله، واقتد، واقتف أوامر شيخك، وألق عصاك، ولا تطلب خبر نفسك من غيرك بل اعمل حتى تنكشف لك حقائقك من عرف نفسه عرف ربه، وكان يقول: إذا عمل الفقير على نسق الاتباع الشرعي تروحنت نفسه، وصارت روحانية لطيفة نورانية تجول جولان السر، والقلب، والمعنى، ومعنى قولنا نسق الإتباع الشرعي نحو قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " " الحج: 77 " وكان رضي الله عنه يقول: يجب على المريد أن يطهر أعضاءه عن الغفلات والفتور عن ذكر الله كما يجب تطهيرها عن المعاصي من باب: " حسنات الأبرار سيئات المقربين " وكان يقول: لا ينبغي لحامل القرآن العظيم أن يدنس فمه بكلام حرام ولا أكل حرام في عرض مؤمن، ولا مؤمنة قال تعالى: " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة " " النور: 23 " الآية، ومثال من ينطق بالقرآن العظيم مع تدنس فمه بشيبة أو نميمة أو بهتان مثال من وضع المصحف في قاذورة، وقد قال: العلماء بكفره، وكان يقول: يا أولادي لا يسر أحدكم سريرة سيئة فإن الله تعالى سيظهر ما كنتم تكتمون، وما كنتم تخفون، وما كنتم تستترون، وينادي عليكم بالصريح، والتوبيخ فلان عمل كذا وكذا، وكان يستتر من الناس، ولا يستتر من الله تعالى فلان كان يرتكب المحارم، والقبائح، ويظهر للناس الصلاح زوراً، وبهتاناً فلان كان يطلق بصره إلى النساء، ويدعي أنها نظرة فجأة، وهو يعطف طرفه، ويميل كأنه لص سارق فيا فضيحة من تزيا بزي الفقراء، وخالف طريقهم فيا أولادي جميعكم إنما كلامي مواعظ وتذكير، وتحذير، وترغيب لمن يتأدب وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي لا تصحبوا غير شيخكم، واصبروا على جفاه فإنه ربما امتحنكم ليريد بكم الخير، وأن تكونوا محلا لأسراره، ومطلعاً لأنواره ليرقيكم بذلك إلى معرفة الله عز وجل فمن أشغل قلبه بمحبة شيخه رقاه الله عز وجل، ولولا أن الشيخ سلم لترقية المريدين لمقت الله تعالى كل قلب، وجد فيه محبة لسواه فإن الله تعالى غيور، وكان يقول: يا أولاد قلبي إن أردتم أن تنادوا يوم المنة بيا أيتها النفس المطمئنة فليكن طعامكم الذكر، وقولكم الفكر، وخلوتكم الأنس، واشتغالكم بالله تعالى لا خوف عقاب، ولا رجاء ثواب، ولا بد لكل من معلم، ونحن ننتظر من فيض ما أفاض الله علينا، ولا نعرف غير طريق ربنا. ثم علم مكسوب من الكتب، وعلم موهوب من قبل ربنا، وكان يقول: المراقب لا يتفرغ لطلب المكاسب، وكل من ادعى الحب، ولم يفنه الحب فهو لا شيء.

 

وكان يقول: إذا تجلى عروس الكلام في رتبة الإلهام طلعت شموس المعارف، وتجلى البدر المنير في الليل البهيم فهم سكرى الظواهر صحوى البواطن، والضمائر إذا جن عليهم الليل باتوا قائمين فإذا ذهب عليهم نسيم السحر مالوا مستغفرين فلما رجعوا عند الفجر بالأجر نادى منادي الهجر يا خيبة النائمين، وكان يقول: من لم ينخلع من طوره ويخرج عن نفسه، ويأتي هو بلا هو لا يجد عند ذلك هو وقد بالغت لكم جهدي في النصح فإن اتبعتم أفلحتم، وكان يقول: يا ولدي البس قميص الفقر النظيف الظريف، ما الأمر بلبس الثياب، ولا بسكنى القباب، والخانقات، ولا بالزاويات، ولا بلبس العبايات، ولا بلبس القباء الأزرق، ولا حف الشوارب ولا بلبس الصوف، ولا بالنعل المخصوف إنما الفقر أن تخلص عملك كله في قلبك وتلبس ثوب صدق عزمك، وتحتزم بحزام إيمانك فإذا كان عملك كله في قلبك كان فائدة، وربحاً وأضرم نار القلب، واحترق الحشا، وامتلأ القلب خوفاً من الله تعالى ومحبة له فما رقيق الثياب حينئذ، وما خشنها فإذا قويت في القلب الأنوار لم يطق صاحبه حمل ثوب رقيق، ولا إزار. قلت: وهذا سبب ترك بعض القوم لبس الثياب من مجاذيب، وصحاة، والله أعلم. قال الشيخ رضي الله عنه: فإن تهتك هذا فلا يلام، وإن صاح أو باح فقد حل عنه الملام، وإن رش عليه الماء في ليالي الأربعينيات فلا يزيده إلا ضراماً، وكل شيء نزل باطنه من الطعام، والماء نار واستنار فيا أولادي الفقراء كلهم عندي ملاح فليكونوا عندكم كذلك فاحذروا الإنكار، وكان رضي الله عنه يقول: خاص الخاص من أهل الخصوصية جعلوا زواياهم قلوبهم، ولبسهم تقواهم وخوفهم من ربهم ومولاهم قد رفضوا الكرامات ولم يرضوا بها وخرجوا عنها لعلمهم أنها من ثمرة أعمالهم فلم يطيروا في الهواء ولم يمشوا على ماء، ولم تسخر لهم الهوام، ولم تبصبص لهم الأسود ولم يضربوا رجلهم بالأرض فتنفجر ماء، ولا مسوا أجذم، ولا أبرص فبرئ، ولا غير ذلك فخرجوا من الدنيا وأجورهم موفورة رضي الله عنهم أجمعين.

 

وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي عمركم في انتهاب وأجلكم في اقتراب، وقد طويت الدنيا، وجثا أولها عند آخرها فالسعادة كل السعادة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم مضمخة معنبرة ممسكة معطرة بأعماله الزكية، وشيمه المرضية، والشقاوة كل الشقاوة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم على زلات، وقبائح عظيمات يا أولادي كأنكم بالساهرة، وقد مدت وبالجبال، وقد دكت، وبالحجارة، وقد صاحت، وبالحصى، وهو يقطر دماً فبادروا، واعملوا، ولا تسرفوا تندموا. هذه وصيتي لكم، وهديتي إليكم، وكان يقول: إنما قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين لأن المقرب يراعي الخطرات، واللحظات، ويعد ذلك من الهفوات، ويفتش على هواجس النفوس، ويراقب خروج أنفاسه، ويخاف من حسناته كما يخاف المذنب من سيئاته، والأبرار لا يقدرون على هذا الحال وأيضاً فالمقرب لا يقول: عند شرابه أواه، ولا ما أحلاه، ولا يصفق بكف، ولا يصرخ، ولا يشق، ولا يضرب برأسه الحجر، ولا يهيم، ولا يمشي على الماء، ولا يقفز في الهواء فلما لم يقع منه شيء من ذلك أثبته أهل الطريق، ونفوا من فعل ذلك لقلة ثبوته على الواردات مع أنهم سلموا له حاله لغلبته عليه وجعلوا حسناته سيئات مع أن المقربين ليس لهم سيئات إنما هي محاسبات عاليات نفيسات، وكان يقول: كيف يدعي أحدكم أنه من الصالحين، وهو يقع في الأفعال الردية، ويكل طعام المساكين وأهل الرشا، والربا، والظلمة، وأعوانهم، وكيف يدعي أنه هن الصالحين، وهو يقع في الكذب، والغيبة والوقيعة في الناس، وفي أعراضهم، وكيف يطلب أن يكتب عند الله صادقاً أو ولياً أو حبيباً أو زكياً أو رضياً، وهو يقع في شيء من المناهي ولعمري هذا الآن لم يتب فكيف يدعي الطريق أو يتوب غيره وكان يقول: إن أردت يا ولدي أن تفهم أسرار القرآن العظيم فاقتل نفس دعواك، واذبح شبح قولك واطرح نفس نفسيتك تحت قدم أقدامك، وعفر خديك على الثرى، واشهد أن نفسك قبضة من تراب، واعترف بكثرة ذنوبك، وخف أن يرد عليك عبادتك، وقل يا ترى مثلي يقبل منه عمل فإذا كنت على هذا الوصف فيرجى لك أن تشم رائحة من معاني كلام ربك، وإلا فباب الفهم عنك مغلق وعزة ربي إن كل حرف من القرآن العظيم يعجز عن تفسيره الثقلان، ولو اجتمع الخلق كلهم أن يعلموا معنى " ب " بعقولهم لعجزوا، وما لأحد من ذات نفسه شيء قل، ولا جل، وإن لم يكن الله تعالى يعلم العبد، وإلا فهو عائم في البحر مزكوم محجوب لا شم، ولا لم، ولا علم، ولا حس، ومن لم يذق مقام القوم، ويرى، ويشاهد لم يحسن أن يصف بحر الإقرار له أو يترجم عن ساحل لا آخر له أو يعوم في قعر التخوم أو يصل إلى النون أو يدرك معاني السر المصون، وأما إذا أعطى عبده لحم ذلك فلا مانع، وكان رضي الله عنه يقول: شراب القوم لا يشربه من في قلبه عكر دنس، ولا بقايا غلس ولا حظوظ نفسانه، ولا دعاوى شيطانية، ولا كبر ترف، ولا نفس ثائرة.

 

وكان رضي الله عنه يقول: كم من علم يسمعه من لا يفهمه فيتلفه، ولذلك أخذت العهود على العلماء أن لا يودعوا العلم إلا عند من له عقل عاقل، وفهم ثاقب، وكان يقول: الصحيح من قول العلماء أن العقل في القلب لحديث " إن في الجسد مضغة " ، ولكن إذا فكرت في كنه العقل، وجدت الرأس يدبر أمر الدنيا، ووجدت القلب يدبر أمر الآخرة فمن جاهد شاهد، ومن رقد تباعد، وكان يقول: ليس أحدهم يقدم في الطريق بكبر سنه، وتقادم عهده إنما يقدم بفتحه، ومع هذا فمن فتح عليه منكم فلا يرى نفسه على من لم يفتح عليه، وتأمل يا ولدي إبليس اللعين لما رأى نفسه على آدم عليه السلام، وقال: أنا أقدم منه، وأكثر عبادة ونوراً كيف لعنه الله تعالى، وطرده، وكان يقول: يجب على حامل القرآن أن لا يملأ جوفه حراماً ولا يلبس حراماً فإن فعل ذلك لعنه القرآن من جوفه، وقال: لعنة الله على من لم يجل كلام الله تعالى وكان يقول: من أحب أن يكون ولدي فليحبس نفسه في قمقم الشريعة، وليختم عليها بخاتم الحقيقة وليقتلها بسيف المجاهدة، وتجرع المرارات، ومن رأى أن له عملا سقط من عين ربه، وحرم من ملاحظته وكان يقول: العارف يرى حسناته ذنوباً، ولو آخذه الله تعالى بتقصيره فيها لكان عدلا، وكان يقول: يا أولادي اطلبوا العلم ولا تقفوا، ولا تسأموا فإن الله تعالى قال لسيد المرسلين: " وقل رب زدني علماً " فكيف بنا، ونحن مساكين في أضعف حال، وآخر زمان، وسبب طلب الزيادة من العلم إنما هي للأدب يعني اطلب الزيادة من العلم لتزداد معي أدباً على أدبك، وما قدروا الله حق قدره، وكان رضي الله عنه يقول: إذا ألبس مريداً الخرقة اعلم يا ولدي أن صحة هذه الطريق، وقاعدتها، ومجلاها، ومحكمها الجوع فإن أردت السعادة فعليك بالجوع، ولا تأكل إلا على فاقة فإن الجوع يغسل من الجسد موضع إبليس فيا ولدي تريد شربة بلا حمية هذا لا يكون وكان يقول: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بواطنكم بنور الله تعالى فيجد فيها ما يسخط الله تعالى فإن أحببت يا ولدي أن تسمع، وتبصر، وتعقل فع في باطنك الفوائد، ولا تقنع ببوس اليد، إلا بالرياسة، ولا يكمل الفقير إلا إن تكلم بمعاني الحقيقة ذوقاً لا نقلا وفعلا لا قولا، وتحلى في باطنه بحلية الاصطفاء بالسر، والمعنى فتغنى، وتكلم بالحكم، ونطق بالمعجم، وبالسر المتكم، واطلع، وحقق فما ينطق إلا صدقاً، ولا يتكلم إلا حقاً، وعند ذلك يصح له أن يدعو الخلق إلى الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول: يا ولد قلبي كن على حذر من الدخلاء والدخيل السوء، وإن عاينت من أخيك عنفاً أو حسداً فعاشره بالمعروف.

 

واحفظ نفسك عنه، وأما صديقك فإن صدقك فاحفظه، وما للمرء يا ولدي إلا أن يكون على حذر من جميع البشر فإنا في آخر زمان، وقد قل النصح حتى لا تكاد تنظر ناصحاً، وعاد من توليه سروراً يوليك نكداً، وشروراً، ومن ترفعه يسعى أن يضعك ومن لم تحسن إليه يسيء إليك بل ثم من تحسن إليه يسيء إليك، ومن تشفق عليه يود لو على الرماح رماك أو على الشوك داسك، ومن تنفعه يضرك، ومن توليه معروفاً يوليك جفاء، ومن تصله يقطعك ومن تطعمه يحرمك، ومن تقدمه إن استطاع أخرك، ومن تربيه يقول: أنا الذي ربيتك، ومن تخلص له يغشك، ومن تهش له يكش فوا عجباً للدنيا، ولأهلها، وإذا كان النفاق داخلا في أيام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكيف يخلو في قرن سابع فاستعمل يا ولدي الوحدة عن أهل السوء والكسب من أهل الخير، وإن استطعت أن لا تصحب من تتعب في صحبته فافعل فإنك إن صحبته ندمت على صحبته، وقد نصحتك يا ولدي، وأما أهل التمكين في هذا الزمان فقد تركوا أخلاق الأراذل من الناس، وغفروا لهم أفعالهم، وغضوا أبصارهم عن نقائصهم وصموا آذانهم عن سماع أقوالهم وتركوا الكل لله وطلبوا من الله تعالى لأهل هذا الزمان عفواً شاملا، وقابلوا سيئاتهم بالحسنات ومضراتهم بالمسرات والمبرات. قلت: ويشهد لأهل التمكين قوله صلى الله عليه وسلم " ومن لا يمالئكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله " . وفيما فعله أهل التمكين دليل لغلق باب السلوك في هذا الزمان من باب أولى لأن معالجة أهله تشغل الفقير عن مهمات نفسه من غير ثمرة كما هو مشاهد، والله أعلم، وكان رضي الله عنه يقول: المريد مع شيخه على صورة الميت لا حركة ولا كلام، ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه، ولا يعمل شيئاً إلا بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة في الزاوية أو غير ذلك هكذا كانت طريق السلف، والخلف مع أشياخهم فإن الشيخ هو والد السر، ويجب على الولد عدم العقوق لوالده، ولا نعرف للعقوق ضابطاً نضبطه به إنما الأمر عام في سائر الأحوال وما جعلوه إلا كالميت بين يدي الغاسل فعليك يا ولدي بطاعة والدك، وقدمه على والد الجسم فإن والد السر أنفع من والد الظهر لأنه يأخذ الولد قطعة حديد جامد فيسبكه، ويذيبه، ويقطره، ويلقي عليه من سر الصنعة سراً فيجعله ذهباً إبريزاً فاسمع يا ولدي تنتفع، وكثير من الفقراء صحبوا أشياخهم حتى ماتوا، ولم ينتفعوا لعدم الأدب، وبعضهم مقتوا آه من صدود الرجال، ومن صحبة الأضداد، ومن سماع المريد للمحال وكان رضي الله عنه يقول: أنا موسى عليه السلام في مناجاته أنا علي رضي الله عنه في حملاته أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي ألبس منهم من شئت أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته أنا بيدي أبواب النار غلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها من زارني أسكنته جنة الفردوس، واعلم يا ولدي أن أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون متصلون بالله، وما كان ولي متصلا بالله تعالى إلا، وهو يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه، وما من ولي إلا، ويحمل على الكفار كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحمل، وقد كنت أنا أولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل بين يدي قديم الأزل، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله عز وجل خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء بيدي، فخلعت عليهم بيدي، وقال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا إبراهيم أنت نقيب عليهم فكنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخي عبد القادر خلفي، وابن الرفاعي خلف عبد القادر ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لي يا إبراهيم سر إلى مالك وقل: له يغلق النيران. وسر إلى رضوان، وقل له يفتح الجنان ففعل مالك ما أمر به ورضوان ما أمر به وأطال في معاني هذا الكلام ثم قال: رضي الله عنه، وما يعلم ما قلته إلا من انخلع من كثافة حجبه، وصار مروحنا كالملائكة. قلت: وهذا الكلام من مقام الاستطالة تعطي الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق وقد سبقه إلى نحو ذلك الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه، وغيره فلا ينبغي مخالفته إلا بنص صريح والسلام.

 

وهو إبراهيم بن أبي المجد بن قريش بن محمد بن أبي النجاء بن زين العابدين بن عبد الخالق بن محمد بن أبي الطيب بن عبد الله الكاتم بن عبد الخالق بن أبي القاسم بن جعفر الزكي بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي الزاهد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي رضي الله عنهم أجمعين.

تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ثم اقتفى آثار السادة الصوفية، وجلس في مرتبة الشيخوخة وحمل الراية البيضاء، وعاش من العمر ثلاثاً وأربعين سنة، ولم يغفل قط عن المجاهدة للنفس، والهوى، والشيطان حتى مات سنة ست وسبعين وستمائة رضي الله تعالى عنه.

ومن نظمه رضي الله تعالى عنه ورحمه:

سقاني محبوبي بكأس المحبة ... فتهت عن العشاق سكرا بخلوتي

ولاح لنا نور الجلالة لو أضا ... لصم الجبال الراسيات لدكت

وكنت أنا الساقي لمن كان حاضرا ... أطوف عليهم كرة بعد كرة

ونادمني سراً بسر وحكمة ... وإن رسول الله شيخي وقدوتي

وعاهدني عهداً حفظت لعهده ... وعشت وثيقاً صادقاً بمحبتي

وحكمي في سائر الأرض كلها ... وفي الجن، والأشباح، والمردية

وفي أرض صين الصين، والشرق كلها ... لأقصى بلاد الله صحت ولايتي

أنا الحرف لا أقرأ لكل مناظر ... وكل الورى من أمر ربي رعيتي

وكم عالم قد جاءنا، وهو منكر ... فصار بفضل الله من أهل خرقتي

وما قلت هذا القول: فخراً، وإنما ... أتى الإذن كي لا يجهلون طريقتي

وله أيضاً عفا الله عنا به:

تجلى لي المحبوب في كل وجهة ... فشاهدته في كل معنى وصورة

وخاطبني مني بكشف سرائري ... فقال أتدري من أنا قلت منيتي

فأنت مناي بل أنا أنت دائماً ... إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي

فقال: كذاك الأمر لكنه إذا ... تعينت الأشياء كنت كنسختي

فأوصلت ذاتي باتحادي بذاته ... بغير حلول بل بتحقيق نسبتي

فصرت فناء في بقاء مؤبد ... لذات بديمومة سر مدية

وغيبني عني فأصبحت سائلا ... لذاتي عن ذاتي لشغلي بغيبتي

وأنظر في مرآة ذاتي مشاهداً ... لذاتي بذاتي، وهي غاية بغيتي

فأغدوا، وأمري بين أمرين واقف ... علومي تمحوني، ووهمي مثبتي

خبأت له في جنة القلب منزلا ... ترفع عن دعد وهند وعلوة

أنا ذلك القطب المبارك أمره ... فإق مدار الكل من حول ذروتي

أنا شمس إشراق العقول، ولم أفل ... ولا غبت إلا عن قلوب عمية

يروني في المرآة، وهي صدية ... وليس يروني بالمرآة الصقيلة

وبي قامت الأنباء في كل أمة ... بمختلف الآراء، والكل أمتي

ولا جامع إلا، ولي فيه منبر ... وفي حضرة المختار فزت ببغيتي

وما شهدت عيني سوى عين ذاتها ... وإن سواها لا يلم بفكرتي

بذاتي تقوم الذات في كل ذروة ... أجدد فيها حلة بعد حلة

فليلى وهند والرباب، وزينب ... وعلوى، وسلمى بعدها، وبثينة

عبارات أسماء بغير حقيقة ... وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي

نعم نشأتي في الحب من قبل آدم ... وسرى في الأكوان من قبل نشأتي

أنا كنت في العلياء مع نور أحمد ... على الحرة البيضاء في خلويتي

أنا كنت في رؤيا الذبيح فداءه ... بلطف عنايات، وعين حقيقة

أنت كنت مع إدريس لما أتى العلا ... وأسكن في الفردوس أنعم بقعة

أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقاً ... وأعطيت داوداً حلاوة نغمة

 

أنا كنت مع نوح بما شهد الورى ... بحاراً، وطوفاناً على كف قدرة

أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة ... أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة

قلت: وجميع ما فيه استطالة من هذه الأبيات إنما هو بلسان الأرواح، ولا يعرفه إلا من شهد صدور الأرواح من أين جاءت، وإلى أين تذهب، وكونها كالعضو الواحد من المؤمن إذا اشتكى فيه ألماً تداعى له سائر الجسد، وذلك خاص بالكامل المحمدي لا يعرفه غيره. وقد كان سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه يقول: أعرف تلامذتي من يوم ألست بربكم، وأعرف من كان في ذلك الموقف عن يميني ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي، وهم في الأصلاب لم يحجبوا عني إلى وقتي هذا، ونقله ابن العربي رضي الله عنه في الفتوحات. وكان رضي الله عنه يقول: أشهدني الله تعالى ما في العلى، وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ، وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء، وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن، والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة، والحمد لله رب العالمين.

هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له رضي الله عنه، وهو مجلد ضخم.